تبدو القصص التي راجت أخيراً حول استقالة كولن باول من منصبه كوزير للخارجية شبيهة بتعليق مارك توين على «أخبار موته» - تنطوي على مبالغة كبيرة. تتواصل التخمينات وتتم إعادة تداولها في أوقات معلومة نتيجة افتراض خاطىء يقول بأنه متى استقال باول سيكون السبب متعلقا بالسياسة لن يكون الأمر بهذا الشكل، وحين تنتهي فترة عمله فان حسابات خاصة، وليس أسباب سياسية ستكون وراء ذلك. وتؤكد تلك القصص على أن باول غير سعيد بخصوص عدم قدرته على التأثير بشكل أفضل على قرارات إدارة بوش الخاصة بالسياسة الخارجية، واعتبر وقف الولاياتالمتحدة تمويلها لصندوق الأممالمتحدة للسكان بعدما أثنى باول عليه العام الماضي مثالا على ذلك باول ارتدى البزة العسكرية وقتا أطول من ارتدائه للأوسمة، وهو جنى معظم نجومه الأربعة في الساحات البيروقراطية في واشنطن، وهو بالتالي يؤالف بين طاعة وانضباط الجندي والولاء غير المشروط لفريق العمل. وفي البيت الأبيض إبان الادارات السابقة عرف باول بمساهماته في المناحي العملية أكثر منها في مجال صياغة السياسات، ومؤلفاته الى اليوم تضم فقط سيرة ذاتية قام بتحريرها كاتب مجهول - وليس تأملات فكرية في نظريات العلاقات الدولية. ولما كان باول ليس بصاحب ايديولوجية أو واضع نظرية فانه يفتقد الى سياسة خارجية خاصة به أو الى رؤية واضحة للوجهة التي ينبغي اتخاذها، وهو بدلاعن ذلك يجد راحته في عكس وجهات نظر وزارة الخارجية، ووصفت احدى الصحف باول بكونه ذرائعيا (براغماتي) ومفتقدا للتصورات وبكونه أيضا متعدد الجوانب ووسطيا، ويمكن إطلاق الصفات السابقة أيضا على المشورات التي تصدرها الخارجية حول معظم القضايا -إن لم يكن كلها. وتفتقد وجهات النظر هذه للثقل المطلوب حسب اعتقاد خبراء السياسية الخارجية إذ ينتظم في مقابلها العاملون السياسيون في البيت الأبيض والمسؤولون في وزارة الدفاع ذوو النظرة الأحادية، ولا يعير البيت الأبيض اهتماما لشيء سوى إعادة الانتخاب في عام 2004 وسوف يعمل على ضمان أن السياسات يتم رسمها لخدمة هذا الهدف. ويحاول باول، في محيط كهذا أن يكون صوتا للعقل، والتوفيق والاعتدال، ولاعجب في أنه يبدو دائما من بين آخر من يعلمون بالقرار، ولكن اعتمادا على خلفيته وما يتسم به من طبع من المرجح أن اكتراث باول بالأمر يقل عما يعتقده البعض وحالما يتم اتخاذ القرار فانه يتبع الأوامر. ويبدو أن ما يهم هو صورته وما يكسبه من نفوذ في المستقبل وموقعه في التاريخ، وهو رفض ترشيح نفسه رغم المؤازرة التي حصل عليها من مختلف الأوساط، وكثيرا ما يشار لهذا الموقف في تصوير شخصيته - رغم أنه يتمتع بقدر أكبر من النزاهة مقارنة بالسياسيين العاديين. كما يؤخذ عليه أيضا عدم رغبته في الزج بنفسه في اتون الحملات بجانب قلة الاهتمام بالجوانب التقنية الخاصة بصنع القرارالداخلي، وطالما أمكن أداء السياسة من مقاعد خلفية سيواصل باول جنديته. مفضلا ذلك على مقايضة منصبه ببضع عناوين رئيسية، ولو أنه اختار أن يكون أول من يغادر وزارة بوش مخلفا الانطباع بأن دوره كان ديكوريا فهو لن يضمن موقعا في التاريخ. أما إذا بقي في منصبه ونجح في صنع سجل من المنجزات القليلة فسوف تعامله العناوين الرئيسية والمؤرخون على نحو أفضل، ناهيك عن فضل البقاء على حجم صفقة كتابه المقبل. دينيس جت/ عميد المركز الدولي بجامعة فلوريدا