في جماليات النص - رؤية تحليلية ناقدة كتاب من تأليف الدكتور أحمد زلط ونشر الشركة العربية للنشر والتوزيع، وقد قدم الدكتور أحمد زلط كتابه بقوله:«ومحاولتي في هذا الكتاب جماليات النص بها من التنوع بقدر ما بها من جدة في تناولي للعديد من الأصوات المبدعة في الأنواع الأدبية مثل الشعر، والقصة القصيرة، والشعر المسرحي للكبار والصغار. فالقراءة الجمالية الناقدة للنصوص المختارة من تلك الأنواع تحاول التحليق مع النص الأدبي المعاصر وتذوقه وهذه القراءة أو الرؤية لا تعتمد على المذاهب الفلسفية، أو علم الجمال، كمنحى فني جامد أو محدد، وإنما تقودنا القراءة التحليلية لتلك النصوص الى أهمية الالتفاف لعنصر «التذوق الذاتي» غير الانطباعي في عملية التأويل والكشف الجماليين، بما يتيحه النص المعاصر من رؤى وآراء، وبتأثير عاملين هما: جمالية التناول المدرك «الناقد»، وعوامل التلقي «القارىء العام». ان تذوق النص في ضوء ذلك كتابة أخرى، أو نص «مواز» لنص المبدع في الفنون الشعرية والنثرية. ويقسم المؤلف الكتاب الى قسمين مهمين: القسم الأول في الأدب القصصي: ويضم مقالات ودراسات تحليلية تتناول بشكل مستقل ابداع بعض الأصوات التي أسهمت في مسيرة فن القصة القصيرة في مصر في العقود الأخيرة. والقسم الثاني من الكتاب - وكما يذكر المؤلف- يتناول فن الشعر والشعر المسرحي. ويضم هذا القسم مقالات ودراسات تحليلية تتناول ابداع بعض الشعراء الذين أسهموا في مسيرة حركة الشعر الحر. وفي هذا القسم عقد المؤلف موازنة في قصيدة الرثاء المعاصرة بين الأستاذ السعودي الدكتور محمد بن سعد بن حسين، والدكتور صابر عبدالدايم «صاحب كتاب الموسيقى في الشعر» وسأتناول هذه الموازنة بالتفصيل لاحقاً. وبين الدكتور/ أحمد زلط سبب اختياره لهذه الأسماء من الشعراء بقوله: «وقد وقع اختياري على تلك الأسماء دون سواها، نظرا لثراء تجاربهم، وتنوع الكتابة والابداعية لديهم والاهمال من حركة النقد في متابعة نتاج بعضهم، بالاضافة الى التعددية الواضحة في النهج الابداعي عند كل منهم، على مستوى الشكل أو المضمون» ويذكر المؤلف ان كتابه «تذوق النص.. قراءة في الأدب المعاصر» محاولة لايصال رسالته الى القارىء العام، الذي تتجاذبه المثيرات والوسائط الأخرى، ولأنه ضحية مزدوجة «للوسيط الثقافي الفني المثير، وللنقد الأكاديمي رفيع المستوى» ويقول المؤلف: إنه حاول نهج أسلوب «الوسطية» بهدف تقريب المسافة بين «النص» والقارىء. ومن التحليلات التي أعجبتني في قسم القصة القصيرة تحليل المؤلف لنص القاص محمد حسن عبدالله فيقول المؤلف: ان القاص أخذ «شريحة اجتماعية مهمة في المجتمع المعاصر وهي شريحة المجتمع الوظيفي.. سبر أغوارها.. حلق في مواقعها داخل الوطن وفي الغربة.. ومن ثم اسقط على المجتمع الوظيفي الأدواء الشافية لأمراضه وعلله، ومهمة المبدع تشخيص الأمراض البشرية غير البيولوجية.. هو والطبيب صنوان، أدوارهما يجب ان تأخذ ودائما زمام المبادرة «الوقاية» واليقظة «العلاج».. إن عمل المبدع نعده في كثير من الأحيان - عملاً موجهاً ومنطقياً.. هو تفكير بالكلمات «فنحن نفكر من أجل الآخرين، ونتحدث الى الآخرين.. هذا النوع من التفكير يؤدي الى نتائج معقولة عمليا ونظريا» ويذكر المؤلف ان محمد حسن عبدالله كاتب روائي وقصصي وأستاذ جامعي وان له العديد من المؤلفات الابداعية والبحثية، أثرى بها المكتبة العربية لمدة ثلاثين سنة». وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول المؤلف الشعر المسرحي للطفل والدكتور أحمد زلط مؤلف هذا الكتاب من الكتَّاب والباحثين الذين لهم اسهامات ومؤلفات في أدب الطفل العربي. ويختار المؤلف هذاالنص الجميل الذي يقدم لجمهور الطفولة يقول الشاعر: شكراً.. شكراً ياجد نحن الأطفال عيون الغد نحن الأجيال نظيفو اليد نسعد بحكايات الأجداد نأخذ منها العبرة والحكمة وأهم ما يميز هذا الشعر في رأي المؤلف «وأوافقه في ذلك» البساطة وصدق التجربة. وفي آخر الكتاب يعقد المؤلف موازنة بين الأستاذ السعودي الدكتور محمد بن سعد بن حسين والدكتور صابر عبدالدايم ويقول:«من عيوب التجارب الشعرية الحداثية أنها لا تلتفت إلا نادرا الى موضوع الرثاء، وهو على أهميته يحمل الأبعاد الانسانية في طبيعة العلاقة البشرية، والغريب ان تخبو في المراثي الحداثية هذه الأبعاد الباقية، والرثاء عرض شعري قديم متجدد، فما من حادث تفزع له النفس أقوى من الموت والشعراء من أكثر الناس تعبيرا عن نوائب الدهر، ومكتبة الأدب العربي في ذلك الجانب غاصة بقصائد الرثاء ورسائل التعازي ومقطوعات النثر الفني في المراثي» ويعرض بعد ذلك موضوع الرثاء عند الشاعرين ويقول: سأقف لأوازن بين تجربتهما في المراثي، خاصة أنهما عايشا تجربة الفقد. ويعرض قصيدة مؤثرة دامعة للدكتور ابن حسين في رثاء ابن عم له كان له مكانة خاصة في نفس الشاعر يدعى سلطان يقول: سلطان يا زينة الدنيا وبهجتها يا ماجداً عاش بالأمجاد مفتونا ثم انطوت سيرة الأمجاد في صحف بيض كما السما لم يمسس الطينا يالوعة لم تدع في الصدر متسعا إلا لنار تزيد الحزن مكينا والبيت الثاني من الأبيات التي أعجبتني ففيه صورة شعرية جميلة ودقيقة، يقول: إن سيرة القريب سيرة حسنة لم يدنسها عفن ولا سواد، وقد كان شامخاً وسامياً في أخلاقه وأعماله وهو في هذا كالسما في شموخه وسموه وهل رأيتم سما يدنسها ويمسسها طين؟؟!! ويذكر المؤلف ان الدكتور صابر عبدالدايم رثى أخاه الطبيب بأبيات تفيض لوعة وحرقة ورثاه بهذه الأبيات الباكية فيقول: أيها الفارس النبيل أتبكينا وتبكينا في الزمان الخواء إرثك الحب أين منا نداه كنت كنزا يموج بالآلاء في محياك ينبض العمر شوقا للهوى والحنين والكبرياء والهوى سحره ذوى والمنايا أمطرته بوابل من شقاء وبعد موازنة دقيقة بين الشاعرين يلخص المؤلف الملاحظات الفنية التي تجمع بين الشاعرين في موضوع الرثاء وكانت كالآتي: 1- الحس الاسلامي العميق والصافي.. ويبدو ذلك في تأمل تجربة الموت والتسليم بها والرضا بقضاء الله وقدره. 2- دقة اللفظ لصحة المعنى والحالة الشعورية عند الشاعرين. 3- استدعاء حديث المصاب. 4- وفي اللغة يتبين الاتكاء المعجمي ذي الدلالة الواحدة عند الشاعرين. وفي الختام حيّا المؤلف الشاعرين «لفنهما الشعري المقتدر، وللأبعاد الانسانية التي تفيض من شخصيتهما وأدبهما». وبهذه الموازنة أختم هذه القراءة العاجلة في كتاب «جماليات النص» وهو بلاشك اضافة مهمة للمكتبة العربية في مجال الأدب والنقد.