يجمع علماء الجيولوجيا - طبقات الأرض - وعلماء الأركيولوجيا - الآثار القديمة - على أن الخيل وجدت على الأرض قبل ملايين السنين من وجود الانسان عليها، وان كانوا لم يتفقوا على تحديد موطنها الأول، فمنهم من يقول بأنه القارة الأمريكية ذات الأعشاب الغنية والسهول الفسيحة، وان قسماً كبيراً من الخيول التي استوطنت هناك ارتحل الى آسيا وروسيا عبر ممر أرضي كان يربط بين الاسكا وروسيا مخترقا البحر الأطلنطيكي الفاصل بينهما، بينما يرى باحثون آخرون - من خلال الدراسات المقارنة للهياكل العظمية - أن الخيل نشأت في وسط آسيا ومنها هاجرت الى مختلف مناطق العالم. وإذا كان هناك خلاف على الموطن الأصلي للخيل، فإن أحداً لا يمكن ان ينكر فضل الحصان العربي، حتى أن خيول «الثوروبريد» معجزة الجمال والسرعة في السباقات العالمية الحديثة قد تأكد ان آباءها فحول عربية أصيلة، وأمهاتها أفراس عربية خالصة، وهذا ما أثبتته - بالأدلة والبراهين - واحدة من أشهر الباحثات في شؤون الخيل هي «الليدي وينتورث»، رداً على من ادعى ان الأمهات من أصول غير عربية. ولم يكن غريباً إذن أن يعنى العرب عناية فائقة بالخيول، وبلغ حد اعتزاز العربي بحصانه انه ربما حرم نفسه القوت ليشبع الحصان، وقد نقل الينا التاريخ وقائع كثيرة ومثيرة عن العلاقات الحميمة التي قامت بين الانسان وحصانه. وقد لعبت الفروسية دوراً كبيراً في تكوين العربي بدنياً تماماً مثلما نمت فيه عناصر الشجاعة والإقدام والمروءة، ثم انطلق لفظ الفروسية عندهم الى مجالات أرحب حين أصبحت وسماً لارتفاع قامة الانسان بكل نبيل من الخصال والأفعال. ثم جاء الاسلام ليؤكد هذه المنزلة الرفيعة للخيول قال تعالى:{وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ وّمٌن رٌَبّاطٌ الخّيًلٌ تٍرًهٌبٍونّ بٌهٌ عّدٍوَّ الله وّعّدٍوَّكٍمً...} الآية. وفي الحديث الشريف:«الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة». وعلى الرغم من ان رباط الخيل الوارد في الآية الكريمة يتسع ليشمل كل أشكال القوة وأسبابها المتطورة التي نراها الآن وفيما يستجد، والتي ينسحب عليها اللفظ في الآية رمزاً، فإن تلك المنزلة الرفيعة للخيل - على وجه الحقيقة - تظل قائمة الى يوم القيامة بنص الحديث الشريف. ومما يؤسف له الآن قلة الاكتراث بهذا التراث العربي الأصيل والمجيد، والاقتصار على النخبة القليلة التي تهتم بالأمر من خلال اقتناء الخيول الباهظة الثمن القادمة من الغرب.. فحتى الخيول العربية التي كانت انتاجاً محلياً خالصاً أصبحت سلعة استيرادية تدفع فيها الملايين، لقد أدرك الغرب مدى إهمالنا لهذا الكنز الثمين، فتلقفوا الكرة الى ملعبهم وأخذوا الخيول العربية وأجروا عليها الدراسات والأبحاث التحسينية في القوة والجمال حتى استطاعوا ان يحصلوا على الحصان الأجمل والأسرع من تلك الأنسال العربية وان يعيدوا تصديره الى أصحاب الاختراع الأصليين وأن يكتنزوا من وراء ذلك الأموال الكثيرة. فهل ننتبه إلى موروثنا الذي نحن به أولى.