كيف لا أنفجع من ريب المنون وأذرف دمعي على أبي تراب أبي بعد أبتي أنا لست بالشاعرة ولكن هو ما اقتبسته من بحر علمك الغزير وقوافيك الغدقة ففاضت به قريحتي لكي أرثيك بها: يا ذخر الوالدين التلتلِ بكاك كل نايٍ ومقبل والطيب على مسكوب الطيب فوقك بمنهل أجدلٌ كساه الديباج فحلِّق في جنان المنزل أبقى لنا بعد وهوهةٍ قلوباً بين مرعبلٍ ومحنظل يا أيها الناعي لي أبا تراب شه وذرني أسألي عن شيخٍ ورث الأدب والعلم من أبٍ كصقر أكحلِ أخي طب نفسا فالجنة بإذن الله مثواك يالزاز الزمن المتقلب يا علم العلوم وبحرها يا محب الطفل وجابر كسره، قد قضيت قبل رحيلك ثلاثة عشر يوماً من رمضان وكأني لا أعلم الوداع ولم أنس يوم أميت بأولادي فصليتم العشاء فآخر ما أسمعه «والضحى» ولا أنسي آخر نصائحك لي حين سألتني عن ماذا أفعل فأجبتك بأني أصلي التهجد فنصحتني بالمداومة عليه وإن أنسى لا أنسى يوم سارعت وأنقذت أولادي قبل وقوعهم في الهاوية فوق الجبل بالمغرب وجلست معهم تداعبهم، فأنت يا أخي ودعتني وداع أخت ذهلت بفقد أخيها وقد علمتني الجود والأخلاق الكريمة والحكمة فطاب ثراك فإن غبت عن عيني فإنك لا تغيب عن قلبي ما دمت حية، وكذلك ذكرياتي معك الجميلة لا أنساها فطفت بي البلاد كلها وقد كنت لي يا أخي عوناً وأباً في الزمن الممحل إذ قلت لي كالهزبر: «لا تحملي هماً فأبو تراب حي فأنا لم أمت» فتلك شجاعتك المعهودة ونجدتك من بعد الله المبذولة فهذه كلماتك الأخيرة مما سمعتها منك رحمك الله فما حل بي خطبٌ إلا وكنت كطائرٍ على الفيافي تبرق أمام عيني وأنفقت عليّ بعد أبي فزوجتني من صديقك فكان من خيرة الرجال فلما تلقيت خبر وفاتك وأنا بعيدة عنك كانت أم سلمة في الطريق إليك فسألت شقيقتي: كيف وجدته قالت: وجدته مستلقياً في حجرته بين الكتب باسما وكلتا سبابتيه تشهدان بالحق. قالت ما رأيت أفضل من هذه الميتة وتمنت ان نموت على مثل هذه التقوى والصورة الحسنة ودليل الإيمان الصادق، وعندئذٍ ذكرت لي كيف كانت تعينه على ربط عمامته التي كانت اربعين متراً وهي ابنة تسع سنين وكيف كان تشجعه على قراءة القرآن والسنَّة المطهرة. وذكرت لي شقيقتي فاطمة كيف انقذ ابنها فلا تنسى له هذا المعروف فما ضاقت بها السبل إلا وجدت عون الله ثم عونك. فيا أخي أنت في قلوبنا دائماً كنا نغترف من بحر علمك فكان غذاء عقلك القرآن وغذاء روحك البخاري ومسلم فلما كانت المنية المنية كانت بين الكتب فلما وصلت فوالله ما رأيتك إلا مسفراً ضاحكاً مستبشراً وكأن الملائكة تناديك قال تعالى:{وٍجٍوهِ يّوًمّئٌذُ مٍَسًفٌرّةِ (38) ضّاحٌكّةِ مٍَسًتّبًشٌرّةِ(39)} [عبس: 38-39] وقال تعالى: {يّا أّيَّتٍهّا پنَّفًسٍ پًمٍطًمّئٌنَّةٍ (27)ارًجٌعٌي إلّى" رّبٌَكٌ رّاضٌيّةْ مَّرًضٌيَّةْ(28)فّادًخٍلٌي فٌي عٌبّادٌي (29) وّادًخٍلٌي جّنَّتٌي (30)} *الفجر:- 29-28-27 30) ، فطب يا أخي في دار البقاء هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون لقوله تعالى:{قٍلً يّا عٌبّادٌيّ پَّذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ پلَّهٌ إنَّ پلَّهّ يّغًفٌرٍ پذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ پًغّفٍورٍ پرَّحٌيمٍ (53)} الزمر:( 53) فيا أبا محمد طب نفساً إن مثواك الجنة إن شاء الله. آمنة ابنة الشيخ أبي محمد عبدالحق الهاشمي المحدِّث والمدرِّس بالمسجد الحرام ودار الحديث -رحمه الله-