في الأيام التي تلت سقوط حركة طالبان في أفغانستان أطلق السياسيون الغربيون عبارة بسيطة تقول للأفغان «في هذا الوقت لن نتخلى عنكم» وكانوا يقصدون بذلك أنهم لن يسمحوا بتكرار ما حدث في أعقاب سيطرة المجاهدين الأفغان على الحكم في أفغانستان بعد خروج السوفيت وسقوط النظام الشيوعي في كابول منذ عشر سنوات تقريبا. فقد احتفلت الحكومات الغربية بانتصار حلفائها ولكن عندما سقطت الفصائل الأفغانية في فخ الحرب الأهلية ودمروا العاصمة كابول أغمض الغرب عيونه عن أفغانستان، وهذه التجربة لا ينساها المواطن الأفغاني محمد لطيف الذي يعمل حاليا سائق سيارة أجرة في شوارع كابول، فمنزله مازال مدمرا من الحرب الأهلية بين فصائل المجاهدين وقد أصلح جزءاً منه ليعيش فيه، وقد أشار محمد لطيف إلى فندق انتركونتننتال هيلتون في مدينة كابول حيث يقيم كبار أعضاء مجلس القبائل الأعلى (لويا جيرجا) الذين جاءوا للمشاركة في الاجتماعات، وقال ان قوات الزعيم الطاجيكي الراحل أحمد شاه مسعود استخدمت مبنى الفندق من قبل لقصف المساكن المجاورة ومن بينها بيته الذي دمرته هذه القذائف، ويأمل لطيف ألا يكرر الغرب التجربة مرة أخرى ويرفع يده عن أفغانستان قبل الوقت المناسب، للأسف بمجرد انتهاء اجتماعات اللويا جيرجا لم يعد هناك أسباب كبيرة للتفاؤل، بالفعل شهدت هذه الاجتماعات مناقشات مفتوحة غير مسبوقة، وبالفعل كان نصف أعضاء المجلس قد تم انتخابهم بطريقة حرة إلى حد ما. عندما حان وقت تقسيم الوظائف في حكومة الرئيس المؤقت حميد قرضاي تم الالتزام بتحقيق التوازن بين الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين في أفغانستان وهما الباشتون والطاجيك، ولكن تحول مجلس القبائل الأعلى إلى كارثة عندما ثار موضوع اختيارالوزراء من بين الأفغان المتعلمين الذين يؤمنون بالديموقراطية، فقد اشتدالصراع بين التحديثيين وبين قادة المجاهدين التقليديين وانتهى الصراع بفوز ساحق لقادة المجاهدين، وهم أنفسهم الأشخاص المسؤولون عن مأساة أفغانستان في بداية التسعينيات. فقد أخذ هؤلاء الرجال الميكرفونات ليعلنوا عن دورهم في محاربة الغزو السوفيتي وتجاهلوا مسؤوليتهم عن تدمير أفغانستان فيما بعد من خلال حربهم على الحكم كما تجاهلوا حقيقة أن الأفغان العاديين ينظرون إليهم باعتبارهم أمراء حرب. وقد فرض زعماء الحرب رؤيتهم على مجلس القبائل الأعلى وطالبوا قرضاي بإطلاق اسم الإسلامية على الحكومة الجديدة، كما فشل لويا جيرجا في دعم سلطات الحكومة المركزية وتركها لحكام الأقاليم في حين رفض حكام مدن حيرات ومزار الشريف العرض المقدم لهما بالانضمام إلى حكومة قرضاي في كابول وفضلوا البقاء كحكام لهذه المدن، ولكن إلى أي مدى ستتدخل الحكومات الغربية لمنع الأوضاع في أفغانستان من الانهيار مرة أخرى، الواقع يثير الكثير من الشكوك حول موقف الحكومات الغربية فقوات حفظ السلام الموجودة في كابول ترفض الخروج من كابول لمساعدة قرضاي في نزع سلاح أمراء الحرب، كما أن رفض الحكومات الغربية ربط المساعدات التي يمكن تقديمها للتنمية الإقليمية بمدى التحسن في مجال حقوق الإنسان يبقي بمزيد من الشكوك على الموقف الغربي ليس هذا فحسب بل إن هذه الحكومات لم تقدم المساعدات التي كانت قد وعدت بها فقد أعلن برنامج الغذاء العالمي أن أكثر من نصف العائلات الأفغانية تحتاج إلى مساعدات عاجلة ولكن البرنامج حصل على 57% فقط مما طلبه من الدول المانحة. أيضا تعاني المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من عجز في التمويل، وقد عاد اللاجئون الأفغان من باكستان إلى ديارهم بأعداد تفوق توقعات الأممالمتحدة بكثير، ولا يمكن اعتبار العودة الكثيفة للاجئين مؤشراً على الثقة في انتهاء الحرب ولا في أفغانستان الجديدة فأغلبهم كان يعيش في المدن الباكستانية وليس في مخيمات اللاجئين وهناك شكاوى كثيرة بأن الحكومة كانت تشجع الشرطة الباكستانية على التحرش باللاجئين الأفغان والتضييق عليهم لمغادرة باكستان.وقد عادوا إلى بلادهم ليجدوا منازلهم مدمرة وحيواناتهم نفقت. وقد قلصت المفوضيةالعليا لشؤون اللاجئين حصة الفرد من الغذاء بمقدار الثلث من الشهر الماضي لمواجهة الأعداد المتزايدة من اللاجئين العائدين. والآن تحذر المفوضية من أنها قد توقف تقديم الطعام تماما إذا لم تقدم الدول المانحة الأموال التي وعدت بها من قبل لم تكن الإطاحة بحكم طالبان الهدف الأساسي للحملة الأمريكيةعلى أفغانستان عند بدايتها في الخريف الماضي ولكنه أصبح هدفا بعد ذلك. ورغم ذلك فإن هذا هو الهدف الوحيد الذي تحقق حتى الآن لأن الهدف الأساسي المعلن من قبل كان القبض على أسامة بن لادن والقضاء على احتمالات شن هجمات جديدة من جانب تنظيم القاعدة وهذا ما لم يتحقق. وإذا تم غض الطرف عن مئات القتلى من المدنيين الأفغان نتيجة للقصف الأمريكي وموت المئات جوعا بسبب عدم وصول إمدادات لهم، وإذا تجاهلنا الخطورة السابقة التي تمثلها أفغانستان وهل من حق أي دولة تغيير حكومة دولة أخرى بالقوة؟.. يظل هناك السؤال الأكثر أهمية وهو هل إسقاط طالبان يستحق هذا الثمن الكبير الذي دفعه الشعب الأفغاني؟ بالفعل وفر رحيل طالبان فرصة جيدة لتحقيق التقدم في أفغانستان وعادت الحياة الطبيعية إلى كابول وأصبح في مقدور المرأة أن تشارك في الحياة العامة من جديد ولكن مؤشرات التراجع تتزايد بقوة فالكثير من المشاركين في اجتماعات لويا جيرجا أعربوا عن مخاوفهم من أنهم بعد أن يبتعدوا عن دائرة الضوء ويعودوا إلى أقاليمهم قد يصبحون مستهدفين.. ورغم كل الضجيج الذي أثاره الغرب عن دعم أفغانستان فإنه بدأ في الرحيل.