في الوقت الذي تناضل فيه أفغانستان من أجل التحول نحو الديموقراطية، تصطدم بعوائق خطيرة على هذا الطريق، إذ لم تمرر القرارات الرئيسية حول تشكيل مجلس الوزراء الجديد وتشكيل البرلمان نظرا لما قام به الرئيس الأفغاني المنتخب حامد قرضاي من إنهاء للمداولات الأولية لمجلس زعماء القبائل المعروف ب:«اللويا جيرجا» الذي عقد اجتماعا من أجل وضع تصور للحكومة المستقبلية للبلاد. وصرح حامد قرضاي بأنه سوف يستمر في الالتقاء بأعضاء المجلس مقترحا أن يظل اللويا جيرجا بأعضائه الألف وستمائة من كل أنحاء البلاد، كيانا قائما طالما لا يوجد برلمان للبلاد، وقد أشار دبلوماسيون ومحللون غربيون إلى أن القرارات المفاجئة التي اتخذها حامد قرضاي بالالتفاف على أكثر القضايا إثارة للاختلاف، هو أمر قد يؤدى إلى إصابة العديد من نواب اللويا جيرجا بخيبة أمل. كما أنه سوف يطيل أمد الكفاح الذي تخوضه البلاد من أجل الوصول إلى الديموقراطية، ويؤكد كبير الدبلوماسيين الغربيين بكابول أن تردد قرضاي فيما يتعلق بتحديد المناصب الرئيسية بمجلس الوزراء المرتقب هو حركة خطيرة. فقرضاي بذلك يترك العديد من القضايا المتعلقة بمستقبل أفغانستان معلقة بلا حل، وهو ما قد يحدث رد فعل سلبياً لدى نواب اللويا جيرجا الذين علقوا آمالا عريضة للدخول في حياة ديموقراطية جديدة في أفغانستان. وخلال مداولات استمرت سبعة أيام اتفق نواب اللويا جيرجا على شيء واحد فقط هو انتخاب حامد قرضاي كرئيس للبلاد. وأبدى النواب خيبة أملهم إزاء جهود قرضاي لإنهاء أعمال اللويا جيرجا مبكرا، ويذكر المراقبون أن هذا الأمر إلى جانب أشياء أخرى يشكل مصدر ألم لأمة خرجت لتوها من قرون من الحكم القبلي، لكى تنخرط في إطار نظام نيابي تمثيلي جديد، ويشير المحللون والدبلوماسيون إلى أنه من المسلم به أنهم سوف يتجاوزون مايجري ضدهم، فنواب اللويا جيرجا يديرون الأمر بشكل جيد على نحو ما، فعلى الرغم من أن الدولة الأفغانية ظلت تعاني التناحر العرقي طيلة عقدين كاملين وكان هذا التناحر بمثابة القانون الحاكم، إلا أن الأفغان أظهروا حسا حضاريا مدهشا انعكس خلال تصرفات اللويا جيرجا. ويشير أحد الدبلوماسيين إلى أن الأفغان قد فاقوا جميع التوقعات بقيامهم بخلق كيان مستقل مكون من 1600 نائب يتحلون بعقليات ديموقراطية ربما بشكل يفوق أي كيان سياسي سابق في أفغانستان. بعض كبار الدبلوماسيين الغربيين بكابول يشيرون إلى أن ثمة تهديدات تواجه الديموقراطية الناشئة بأفغانستان، هذه التهديدات تتجسد بصفة خاصة في الخطر القادم من المناطق الريفية حيث مازالت المخاوف من تهديدات زعماء الحرب السابقين وبقايا حركة طالبان قائمة، ففي الجزء الجنوبي من البلاد يعد جلب أجهزة الفيديو إلى المتاجر وهو الأمر الذي كان يعد من المحرمات أيام حكم طالبان هو أمر يكفي لإثارة الشغب كما حدث في مدينة «كالات»، عندما أثار زعيم ديني الجماهير و هزم المسؤول هزيمة قاسية منذ أسبوعين. يرى المحلل الأفغاني أليكس ثيير أن قرضاي الآن ما هو إلا رئيس لكابول، ولكن إذا كان يريد أن يصبح رئيسا لكامل أفغانستان فإن أمامه مهمة شاقة، فمايجب عليه إنجازه الآن هو ضم جميع الأفغان، بما في ذلك زعماء الحرب، في حظيرة واحدة، وقدرات قرضاي لإنجاز ذلك تبدو محدودة في الوقت الراهن، و لقد شوهد بشكل ظاهر يرجع بعض الأمور إلى القادة وزعماء الحرب في أكثر من مناسبة خلال اجتماع المجلس. ويضيف أليكس ثيير: إن المحنة الأساسية الراهنة التي على قرضاي إجتيازها تتمثل بتعزيز سيطرته دون تنفير الناس الذين ساندوه، ما أحرزه مندوبو اللويا جيرجا، الذين تغلب عليهم العرقية الباشتونية، هو انسحابهم من اللويا جيرجا، فمعظمهم استنكر الإجراءات التي قادها حلف الهزارة والطاجيك الذين يشكلون أغلبية التحالف الشمالي، إذ حصلت هذه المجموعة على المناصب الوزارية الرئيسية في الحكومة الانتقالية، وهوما عده الباشتون أمرا يفتقر إلى الديموقراطية. وقد صرح ظريف خان النائب الباشتوني عن إقليم «خوست» الواقع جنوب شرق البلاد قائلا: نحن راضون فحسب عن انتخاب قرضاي، ولكننا الآن نطمح إلى حدوث تغييرات جوهرية في مجلس الوزراء، نطمح إلى حدوث نقاش مفتوح وتصويت على كل منصب وزاري بمجلس الوزراء، ولكن حتى الآن فكل الأفراد الذين يتكون منهم هذا المجلس لا يبدو أنهم معنيون بهذا الأمر. وقد صرح قرضاي بأنه يريد أعضاء مجلس وزرائه منتخبين قاطعا العهد على نفسه بأن ينتخب مجلسا يلبي احتياجات الشعب، كذلك فقد دعا في اجتماع اللويا جيرجا إلى انتخاب هيئة من بين أعضائه تتولى تحديد اللجنة التي سوف تتولى بالتبعية تحديد الشكل الذي سوف تتخذه عضوية المجلس التشريعي للبلاد. ويذكر أن الزعماء الأفغان قد اجتمعوا في بون بألمانيا العام الماضى لوضع القواعد الأساسية لاجتماع اللويا جيرجا، هذه القواعد نصت على وجود مناصب في الحكومة الجديدة إلا أنها لم تعين أي من هذه المناصب، هذا التخبط أثارالمخاوف لدى بعض النواب من أن يتخذ زعيم البلاد من منصبه ذريعة لكي يحكم حكما استبداديا، ولكن المعجبين بقرضاي يذكرون أنه إنسان ذكي،. مؤيد للنمط السياسي الغربي.. ويمتلك رؤية تسعى إلى خلق دولة عصرية، أكثر الأمور صعوبة التي يجابهها قرضاي الآن هي أن يحقق الإجماع بين الجماعات العرقية التي تتألف منها البلاد. زعماء الباشتون يؤكدون أن الوزراء الأقوياء من الطاجيك الذين مازالوا مسيطرين على الوزارات الأمنية الرئيسية في البلاد «وزارتي الدفاع والخارجية»، يحاولون توجيه إجراءات اللويا جيرجا بعيداعن التصويت لصالح الديموقراطية. ويخشى الباشتون أن يتم تهميشهم في إطار الحكومةالجديدة، على الرغم من أنهم يشكلون أغلبية الشعب الأفغاني، وعلى الرغم من أنه لم يجر تعداد رسمي للسكان منذ عدة سنوات، إلا أن عدة مسوح أشارت إلى أن تعداد الباشتون يتراوح بين 40 و50 بالمائة من تعداد السكان. وأعلن أحد الدبلوماسيين الغربيين قائلا: ما كنا نبذل جهدا كبيرا من أجله طيلة الوقت هو جعل الطاجيك الذين يسيطرون على الحكومة الحالية، يتخلون عن أحد المناصب الوزارية الرئيسية التي يشغلونها، وأضاف: في اليوم الأول من الاجتماعات ألقى وزير الداخلية يونس قانوني خطابا و خلاله ذكر أنه لاتوجد لديه مصلحة في أن يستمر في منصبه وأنه مستعد للتخلي عنه، وهو ما يعني بالتبعية فتح الباب أمام الباشتون للتطلع لتولي وزارة الداخلية، وهوما نأمل أن يحدث، وقد أجريت محاولات مبدئية لحل مشكلة المجلس التشريعي، ولكن هذه المحاولات انتهت إلى مجرد صياح وفوضى وذلك بعد أن خير رئيس المجلس النواب ما بين طريقتين لاختيار المجلس التشريعي، إما أن يكون هناك اثنان من الممثلين عن كل إقليم من الأقاليم البالغة 32 إقليما، هذه الفكرة الأولية تمت الموافقة عليها من قبل هيئة اللويا جيرجا، أو واحد لكل عشرة نواب، ويريد الباشتون اثنين من الممثلين عن كل إقليم إذ إنهم يؤمنون بأنهم يشكلون الأغلبية فيما يربو على 20 إقليما. *«كريستيان ساينس مونيتور»