هناك دائماً من يتربص باللغة العربية ويضعها في قفص الاتهام.. فهي في رأي البعض سبب التخلف وعاجزة عن اللحاق بالتقدم التكنولوجي..وفي حملة للدفاع عن اللغة العربية وما تتعرض له نظمت جمعية النداء الجديد بالقاهرة ندوة للدكتور كمال لبشر أمين عام مجمع الخالدين واحد كبار حماة اللغة في العالم العربي. قوة اللغة في البداية أكد د. كمال بشر ان اللغة العربية قادرة على مواكبة التقدم العلمي في جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا، وأنها لغة طيعة تستطيع أن تواكب أي تقدم علمي وتكنولوجي، فالعيب ليس في اللغة، لكن العيب في اصحاب اللغة انفسهم، لأنهم يفكرون باللغة والثقافة والفكر الغربي، بالتالي ينتجون أعمالهم بلغات اجنبية، وإن كتبت باللغة العربية إضافة إلى أن علماء الأمة لا يسهمون في تعريب الأفكار والمصطلحات الأجنبية، ويكتفون بالنقل والاقتباس ولا يريدون التطوير، وهذا عيب على أمة أجدادها وضعوا حجر الأساس للعلوم الحديثة. وقال د. بشر إن اللغة أهم ما يميز أي أمة بجانب الدين والتاريخ، فاللغة مرآة عاكسة لحياة الأمة وحياة الفرد، فهي تعبر عن الفكر والسلوك، وبمجرد أن يتكلم الإنسان تستطيع أن تعرف هويته، كما أن هناك علاقة متبادلة بين اللغة والثقافة؟ فإذا كان البناء اللغوي متكاملاً نجد البناء الثقافي متكاملاً، وإذا كان البناء اللغوي مهزوزاً نجد البناء الثقافي مفقوداً، فالثقافة عبارة عن السلوك الصادر عن الفرد والمترجم لما يستتر في ذهنه من فكر أساسه اللغة، والحضارة هي المظاهر المترجمة لهذه الأنماط والقيم والسلوك، فالحضارة والثقافة توأم وجهان لعملة واحدة؟ وهذا يؤكد أن اللغة هي الأصل في انتاج حضارة قوية تقف على أرض صلبة، فالعربي القديم استطاع أن يبني حضارة شامخة استمد منها الغرب حضارته الحالية، وذلك لأنه وقف على أرض صلبة هي لغته العربية السليمة فانتج ثقافة قوية افرزت بدورها حضارة استمرت قروناً عدة. أما واقعنا العربي الآن فذو بناء لغوي ضعيف مهزوز وبناء ثقافي مفقود وبالتالي من السهل أن يسيطر علينا أصحاب الثقافات والحضارات الغربية. وأرجع د. بشر ضعف اللغة العربية وضعف اللسان العربي و ضعف الثقافة العربية إلى انتشار المدارس والجامعات الاجنبية، أو ما يطلق عليه التعليم الأجنبي، موضحاً أن التعليم الأجنبي خطر كبير يهدد الفكر والعقل العربي والثقافة العربية بوجه عام إلى جانب خطورته السياسية و الاقتصادية، ذلك لأن التعليم في المدارس والجامعات الاجنبية يؤدي إلى التغريب اللغوي والثقافي حيث إن الدراسة تعتمد على ثقافة تختلف كلياً عن ثقافتنا وتراثنا العربي، ومكمن الخطر على الشباب العربي من التعليم الأجنبي إنهم سيتولون المناصب القيادية في البلاد العربية، وهو ما ينبئ بتغريب ثقافي ولغوي بين الصفوة الحاكمة والشعوب الكادحة. «لغة حائرة» أبدى د. بشر دهشة كبيرة قائلاً إن اللغة العربية الآن ليس لها مستوى لغوياً واحداً، فهناك لغة عربية فصيحة وعاميات ورطانات كثيرة، ناهيك عن الدخيل من اللغات الأخرى، فالشعوب العربية لديها لهجات متعددة تصل إلى مائة لهجة، واختلاف الألسنة يؤدي إلى اختلاف الثقافة ومن ثم يمكن أن نرجع الاختلاف الدائم بين الشعوب العربية إلى اختلاف اللغة في الأساس، فالمصري مثلاً لو تحدث بلهجته العامية مع جزائري يتحدث بلهجة جزائرية عامية فلن يفهم كل منهما الآخر، لأن الأساس الثابت هو اللغة الفصحى السليمة بالنسبة لنا كعرب.كما أشار د. بشر إلى أن الغزو الثقافي واللغوي بلغ مداه في الأمة العربية من الصفوة إلى رجل الشارع العادي، فقط أصبح من التمدن أن يحشو الرجل لغته العربية بكلمات أجنبية كثيرة معتقداً بذلك أنه رجل متحضر، وهو لا يدري أنه يطمس على ثقافته ويضعف من لغته، إضافة إلى لافتات المحلات والمطاعم في الشوارع فكلها تحمل عناوين اجنبية كتبت باللغة العربية، وهذا لا يوجد في بلد عربي بعينه بل أصبح منتشراً في جميع الدول العربية، إذن فالغزو اللغوي نوعان، غزو مصدره تصدره الثقافة السائدة المسيطرة إلى ثقافة أقل منها وهو ما يمكن مواجهته بالتحصن بالقومية الواحدة، وهذا ما حدث عندما استعمرت بريطانيا مصر أكثر من 70 عاماً دون أن تنجح في تغيير هويتها العربية ولا لغتها، وإن كان الاستعمار نجح في تغيير لغة بعض الدول فإنه لم يستطع تغيير هويتها، والنوع الآخر غزو مستورد وهو ما يستورده أصحاب الثقافة الأقل اقتداء بأصحاب الثقافة السائدة ظناً منهم أنها الأفضل وأن هذا طريقهم إلى التقدم واللحاق بالحضارة الحديثة وواقع الأمة العربية الآن يعبر عن هذا اللهاث وراء الثقافة والحضارة الغربية دون الوقوف على أرض صلبة هي لغتنا العربية السليمة والحقيقة أن هذا اللهاث لا يثمن ولا يغني من جوع.من ناحية أخرى طالب د. بشر بتعريب الفكر العربي أولاً، لأن العقل العربي عندما يفكر بالعربية، سيخرج إنتاجاً عربياً، وعندما يفكر باللغة الأجنبية سيخرج انتاجاً أجنبياً في صورة عربية ودعا العلماء والأدباء أن يفكروا باللغة العربية وأن ينتجوا بها ثقافة وفكراً عربياً خالصاً في محاولة منهم لوضع أساس ثقافي عربي حديث لشبابنا .