يجد الأمريكيون أنفسهم بعد مرور تسعة أشهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول في حالة مزاجية متوترة فيما تحيط الفضائح والشكوك بعدد متنام من مؤسساتها الكبرى. وتواجه مؤسسات ومهن عديدة انتقادا موجها اما لنزاهتها أو لقدرتها على أداء مهامها أو لكليهما معا. ومن بين هذه المؤسسات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الاتحادي والكنيسة الكاثوليكية والبورصة والشركات الكبرى ومن أصحاب المهن المحاسبون وسماسرة البورصة. قال بروس بوكانان عالم السياسة في جامعة تكساس «البلاد في حالة تململ مع كل هذه الأعمال المزعجة الجارية ومع القلق المتزايد حول ما اذا كان يتم التصدي للمخاطر بطريقة مناسبة». وقال أيد كليمك رئيس بلدية مانهاتان بولاية كانساس وهي بلدة يقطنها 44 ألفا تقع في قلب الولاياتالمتحدة ان هجمات «الحادي عشر من سبتمبر غيرت الطريقة التي نحس بها. الناس لم تغير أساليب حياتها لكن تغيرت الطريقة التي ينظرون بها للحياة... نعرف ان هناك امكانية لحدوث اشياء أسوأ لبلدنا». وأثقل على البورصة طيلة أسابيع احساس بالقلق من مصداقية ميزانية الشركات. والمستثمرون العاديون الذين امتطوا موجة الازدهار الاقتصادي في التسعينات تنتابتهم الهواجس الآن على ما يبدو حيث تتآكل يوما بعد يوم قيمة أموال معاشاتهم رغم ان الاقتصاد استأنف موجة نموه. وفي استطلاع نشرته صحيفة - وول ستريت جورنال - الأسبوع الماضي أعرب 57 بالمئة من الذين استطلع رأيهم عن عدم ثقتهم في ان الشركات والسماسرة يقدمون لهم معلومات سليمة. كما قال 59 بالمئة إنهم لا يثقون في أجهزة المخابرات وأشار 68 بالمئة الى ان الكنيسة الكاثوليكية تسترت على فضيحة الاعتداء الجنسي على الأطفال بدلا من كشف الحقائق وأعرب 54 بالمئة عن آراء سلبية في شركات الأدوية مشككين في انها تتلاعب بالأسعار. وقالت جينيفر لازلو خبيرة استطلاع الرأي العام «أصبحنا أمة متوترة.اشعر بالفعل ان هناك احساسا هائلا بعدم الأمن. انه - هذا الاحساس- يشبه تقريبا رد فعل أطفال انفصل آباؤهم وبدأوا يشككون في كل شيء اعتبروه من قبل من الأمور المسلم بها». ومرت الولاياتالمتحدة بمثل فترات الشك هذه من قبل لا سيما خلال حرب فيتنام ومرة أخرى في نهاية السبعينيات عندما دفع الركود وأزمة الطاقة جيمي كارتر الرئيس الأمريكي أنذاك الى القاء كلمة أصبحت معروفة بخطاب «القلق» والتي أعلن فيها ان البلاد تواجه أزمة ثقة. وتولى رونالد ريجان الرئاسة بعد عامين من القاء هذه الكلمة واسترد الاقتصاد نشاطه وتم تجاوز الأزمة. لكن هناك اختلافات رئيسية بين القلق في تلك الفترة وبين فلتان الأعصاب الحالي. فقبل 30 عاما لم يكن هناك احساس بخطر مادي وشيك كالذي تستند عليه الازمة الراهنة. ولم تشمل الأزمة الكثير من الهيئات غير الحكومية المهمة. كتب بيجي نونان الذي كان يكتب الكلمات التي القاها ريجان في مقال حديث «المؤسسات التي ابقتنا في حالة جيدة وفي حالة نشاط وعلى الاقل ابقتنا في حالة استفادة واحترام متبادلين فيما بيننا لا تزال تترنح وتئن من فرط سوء أدائها». ومضى نونان يقول في مقاله «الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية ضحية للجراح التي احدثتها بنفسها وفسادها الذي لحق باساقفتها. ولوثت شركة أنرون - شركة الطاقة العملاقة الامريكية - سمعة الشركات الكبرى. وبورصة وولستريت استخدمت أساليب ملتوية... وشركات المحاسبة الكبرى التي نحكم بها على أداء استثماراتنا أصبحت مثارا للسخرية والتندر. كما اصبحت مثارا لسخرية أكبر كلا من مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة المخابرات المركزية». والرئيس جورج بوش في منأى عن القلق الى حد بعيد على ما يبدو الى الآن رغم ان مستويات تأييده تراجعت قليلا في بعض استطلاعات الرأي عن نسبة 70 بالمئة التي بلغتها وتظل هذه النسبة مرتفعة بمقاييس الولاياتالمتحدة التاريخية لكنها دون مستويات التأييد التي حققها بوش على مدى أشهر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول. وحاول الرئيس تهدئة المخاوف من خلال اعلان تأييده لإنشاء إدارة حكومية جديدة للأمن الداخلي. لكن الكشف عن مؤامرة ارهابية مزعومة جديدة لانتاج «قنبلة قذرة» هذا الأسبوع قدم شيئا جديدا يدفع الامريكيين للقلق. وقالت لازلو ان التأييد الممنوح لبوش كبير لكنه ليس قويا وتعززه حقيقة ان الامريكيين في حاجة ماسة الى شخص يثقون به وفي جانب منها الى حقيقة ان الديمقراطيين لم ينجحوا في ربطه شخصيا باي من جوانب التقصير. لكن بوكانان قال ان الرئيس فقد على ما يبدو الى الآن قدرته على حث همة الأمة على النحو الذي اظهره جيدا في كلمته امام الكونجرس بعد مرور أسبوع على الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون. ومع انتهاء الحملة العسكرية ضد أفغانستان فان المراحل التالية في الحرب التي يشنها بوش «ضد الإرهاب» ليست محددة بشكل جيد ومعقدة على ما يبدو وتشلها الى الآن صراعات متشابكة على ما يبدو بين الهند وباكستان وبين اسرائيل والفلسطينيين. ولم تكشف استطلاعات الرأي الى الآن أي تطور سريع في الرأي العام ضد حزب الرئيس في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.لكن الناخبين لا يعيرون الحملة الانتخابية اهتماما كبيرا على ما يبدو في هذه المرحلة. لكن هناك علامات على ان الامريكيين بدأوا يغيرون سلوكهم استجابة للغموض المزعج الذي حركه تيار مستمر من التحذيرات الحكومية بحتمية وقوع هجمات أخرى ضد المدنيين. وفوجىء المحللون الماليون الأسبوع الماضي بتراجع في مبيعات التجزئة خلال مايو أيار الماضي قدره 9 ،0 بالمئة بدلا من زيادة قدرها 3 ،0 بالمئة كانت متوقعة.وزاد هذا الرقم من المخاوف من ان يكون الانتعاش الاقتصادي من الركود الطفيف في العام الماضي بطيئا وان كان القليلون يتوقعون تراجعا في الركود يبدأ الاقتصاد معه في الانكماش من جديد. وينتظر المحللون تقارير اقتصادية أخرى لمعرفة ان كان المستهلكون الامريكيون أصبحوا أكثر محافظة في عاداتهم الشرائية. وفي ظل المناخ الحالي يمكن لأي شيء ان يستثير الناس. ففي الأسبوع الماضي كانت هناك حالة تأهب قصوى على طائرة كانت في طريقها من سان فرانسيسكو الى ممفيس عندما لاحظ راكبان وجود طفح جلدي على رقبة راكب بجوارهما. وقال الرجل إنه كان في الفلبين وانه ربما أصيب بشيء ما هناك. وأبلغ قائد الطائرة عيادة مايو باحتمال وجود حالة إصابة بالجمرة الخبيثة في الطائرة كما وضعت مراكز مراقبة المرض في حالة تأهب. وعندما هبطت الطائرة هرع المسؤولون الطبيون إليها واتضح ان الرجل مصاب بلسعات نحل وحرق من الشمس.