تعتبر منطقة المدينةالمنورة إحدى المناطق الكبرى والمهمة في المملكة وتتميز بكونها مدينة تفد إليها جموع من الزوار والحجاج والعمار سنويا للصلاة في المسجد النبوي الشريف وزيارة المعالم التاريخية والدينية التي تتميز بها. وقد حظيت هذه المدينة باهتمام كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله- الذي وجه بتشكيل لجنة عليا برئاسته لمتابعة شؤون هذه المدينة. وتابع -رعاه الله- الخطوات الجبارة التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية والتي تمثلت بمشروع توسعة واعمار المسجد النبوي الشريف والذي لم يشهد المسجد النبوي الشريف على مر التاريخ توسعة بهذا الحجم. كما وجه - حفظه الله- بتشكيل اللجنة التنفيذية لتطوير المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف برئاسة أمير منطقة المدينةالمنورة وذلك لاعادة تخطيط وتعمير المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف حتى تواكب عظمة مشروع التوسعة وقد أنجزت هذه اللجنة العديد من المشروعات العملاقة. إن المتابع لما تم إنجازه يجد أن ما أنجز وينجز في المدينةالمنورة في عهد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين تجاوز التوسعة العظيمة للمسجد النبوي الشريف والساحات والمرافق تحت الأرض وتكييف المسجد وما رافق ذلك من مشروعات ليصل إلى تطوير المنطقة المركزية وتنفيذ كم كبير من المشروعات الكبيرة التي ستبقى شواهد على مر التاريخ تؤكد بذل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الكبير وهو بذل لم ولن يراه تكرما على هذه البقاع الطاهرة بل يراه واجبا دينيا وهدفا ساميا وقربة إلى -الله عز وجل- جعل الله هذه الأعمل في موازين حسناته-. موقع المدينةالمنورة: المدينةالمنورة مدينة تاريخية إسلامية عظيمة وقاعدة من قواعد الإسلام شهدت بداية انطلاقته وتذكر المصادر التاريخية أن المدينةالمنورة والتي كانت تعرف باسم «يثرب»، سابقاً ولها العديد من الأسماء منها طيبة وطابة ودار السلام والمحبوبة وغير ذلك من الأسماء، أسست أول الأمر في منطقة تجري إليها مجموعة من الأودية تنتهي إلى مجرى واحد، وهي في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي، وتبعد عنه حوالي 5كم، وبسبب كثرة المياه هناك،و تحولها إلى سبخات تتجمع حولها الهوام استوخمها سكانها فيما بعد، فتحولوا عنها إلى منطقة تسمى «الزهرة»، وهي جنوبي المسجد النبوي حالياً، ما بين قربان وقباء، ومع تزايد عدد السكان امتدت رقعة المكان إلى بطحان، وإلى مذينيب شرقاً وأطراف رانوناء شمالاً وهما واديان من أشهر أودية المدينةالمنورة. ومن القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي، بدأت دفعات من اليهود تتقاطر إليها وتستوطن مواقع غير متباعدة على أطراف الوديان وعاش بعضهم بتلال الحرة الغربية، وتقول بعض الروايات: إنهم نزلوا في غير هذه المواقع بداية ولكن تحولوا إليها فيما بعد، إذ استقر بنو قريظة في وادي مهزور، وبنو النضير في وادي بطحان، وبنو قينقاع في الوسط، ولما وفد الأوس والخزرج نزلوا أطراف حرة واقم، وامتدوا غرباً إلى بطحان وإلى حرة الوبرة، على شكل مجموعات متقاربة حيناً ومتباعدة حيناً آخر. وعندما وصل المسلمون المهاجرون من مكة نزلوا في بيوت إخوانهم الأنصار «الأوس والخزرج»، أول الأمر، ثم بنوا مساكن لهم حول المسجد النبوي الذي توسط المنطقة العمرانية السابقة تقريباً، ثم في مناطق أخرى بين أحياء الأنصار، ثم آلت إليهم بعض مساكن اليهود الذين تخلصت المدينة منهم، وبذلك أخذت المدينة موقعها النهائي قديماً. وخلال العصور اللاحقة وإلى يومنا هذا تقلص حجم المدينة، واتسع مراراً ولكن وجود المسجد النبوي فيها جعل موقعها ثابتاً ومحورا لأي تطور أو حركة سكانية على مر التاريخ ونجد أن الأحياء والمساكن تتوزع حوله في حلقات متوالية، وفي الحدود التي حدها رسول الله، وهي: جبل عير جنوباً، وجبل ثور شمالاً. موقع المدينةالمنورة الحالي: تقع المدينةالمنورة وسط الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية، وتحدد بخطوط الطول والعرض كما يلي: خط الطول 36 ،39ْ تسع وثلاثون درجة وستة وثلاثون جزءا من الدرجة. خط العرض 28 ،24ْ أربع عشرون درجة وثمانية وعشرون جزءا من الدرجة. وترتفع عن سطح البحر 625 متراً تقريباً، وتبعد عن مكةالمكرمة 430كم شمالاً، كما تبعد عن شاطئ البحر بخط مستقيم 150كم، وأقرب الموانئ منها ميناء ينبع البحر الذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية منها، ويبعد عنها 220كم، وتبعد عن عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض 980كم. المساحة قديماً: تختلف مساحة المدينةالمنورة وبخاصة العمرانية من عصر إلى آخر، باختلاف عدد قاطنيها، ولم تسعفنا المصادر بأرقام دقيقة عن مساحتها في تلك العصور، ولكن من خلال الأخبار الواردة في المصادر القديمة يمكن أن نقدر مساحة المدينة يومها بعدد محدود من الأكيال المربعة. والمعتقد أن مساحة المدينة عند تأسيسها كانت لا تتجاوز كيلو مترات مربعة قليلة، تجمع فيها الوافدون الأوائل، وبنوا أكواخهم وبيوتهم البسيطة متلاصقة أو متقاربة ليحموا أنفسهم من الوحوش والغزاة، ومع ازدياد عدد السكان بنيت أكواخ جديدة، واتسعت المساحة، وكانت المنطقة التي أسست فيها «يثرب»، سهلية، تنتشر فيها الأودية، والينابيع، وتكسوها الخضرة، والأشجار غير الكثيقة، ومن اليسير توسيع رقعة العمران، ومع وفود قبائل أخرى من داخل الجزيرة العربية ومن خارجها «القبائل العربية من البوادي واليهود من فلسطين والأوس والخزرج من اليمن»، تضاعفت المساحة العمرانية أضعافاً عدة وتوزعت متباعدة حيناً ومتقاربة حيناً آخر وانتشرت بين المزارع والأدوية والسهول، فامتدت من جبل أحد شمالاً، إلى الحرة الشرقية شرقاً، ووادي العقيق غرباً وقباء جنوباً، تقدر هذه المساحة بدائرة قطرها 8 كم تقريباً تغطيها مناطق واسعة من المزارع والأراضي البيضاء والجبال والتلال والأودية. نظامها السكني على مر التاريخ: شهدت المدينةالمنورة على مر التاريخ العديد من الحركات العمرانية منها: - في «العهد النبوي»، ظهرت مجموعة عمرانية وسط هذه التجمعات السكنية، وأصبح المسجد النبوي مركز المدينة، وازدحم العمران حوله، ثم انتشر في الفراغات الواسعة بين الأحياء. - في «العهد الأموي»، ظهر حي كبير على امتداد وادي العقيق فيه قصور وأبنية تتخللها حدائق جميلة، وامتد العمران بين المسجد وقباء. - في «العهد العباسي»، أخذت المساحة بالتقلص منذ منتصف القرن الثالث في دائرة لا يزيد قطرها عن كيلين من الأرض، وبني حول العمران سور طيني بسبب اضطراب الأمن وكثرة الفتن وقد جدد السور نفسه بعد قرن من الزمن دون زيادة. - في منتصف القرن الهجري السادس تضاعف العمران، وبني سور آخر امتد غرباً أكثر من ضعف السوق السابق، وهذا يدل على أن الكتلة السكنية حول المسجد النبوي قد اتسعت، وأن العمران في المناطق البعيدة تضاءل، وتحولت تلك المناطق إلى قرى مستقلة وخاصة قباء. - وتغيرت المساحة بعد ذلك امتداداً حيناً وتقلصاً حيناً آخر حسب الأوضاع الأمنية والاقتصادية وظهرت مساكن خلف السور وجدد السور في العهد العثماني، وبلغت المدينة أقصى اتساع لها في أواخر العهد العثماني عندما وصل إليها الخط الحديدي الحجازي وانتشر العمران في محيطها الواسع السابق أي في دائرة قطرها 8 كم تقريباً. المساحة حالياً: وضعت أمانة المدينةالمنورة مخططاً حددت فيه المنطقة العمرانية ضمن ثلاث دوائر متوالية وغير منتظمة، ويبلغ قطرها في أقصى اتساعها 30 كم تقريباً، وهذا يعني أن المساحة النظرية للمدينة المنورة تبلغ 589كم2 تقريباً، منها 293كم2 تشغلها مناطق العمران، وتمتد فيها الأحياء، والبقية 296كم2 تشغلها الجبال والأودية ومجاري السيول والمقابر والحدائق العامة وشبكة الطرق السريعة والخدمات الأخرى. السكان قديماً: تذكر المصادر التاريخية أن أول من سكن المدينة مجموعة من أحفاد نوح، في الجيل السادس أو الثامن «من العماليق أو قبيلة عبيل»، يقودهم رجل اسمه «يثرب»، نزلت في منطقة خصبة، كثيرة المياه تحضنها جبال منيعة، ولا نعرف شيئاً عن عددهم، وربما كان لا يتجاوز العشرات أو المئات القليلة. ثم تزايدت اعدادهم على مر السنين ووفدت إليهم مجموعات أخرى جاورتهم، وعندما شرد الملك البابلي «بختنصر»، اليهود وصلت أعداد منهم إلى «يثرب»، وتبعتهم مجموعات وقبائل كاملة في فترات متوالية من تشريدهم آخرها في القرن الأول الميلادي. وأهم تلك القبائل: بنو النضير، بنو قريظة وبنو قينقاع. وقد استوطنت هذه القبائل في مناطق متجاورة غير بعيدة عن اليثربيين وكان لكل قبيلة تجمع خاص بها، بعد ذلك وفدت قبائل الأوس والخزرج، قادمة من اليمن، وتوزعت في بقية المنطقة، فكبرت «يثرب»، وصار سكانها مجموعات منوعة من الناس متوزعة بين المزارع وعلى ضفاف الأودية قرب الينابيع القديمة، وحدث تزاوج وتمازج محدود بين القبائل، وكان نادراً بين اليهود وغير اليهود، كما حصلت حروب طاحنة بينهم آخرها الحروب الطويلة بين الأوس والخزرج. ويقدر عدد السكان في آخر فترة قبل الإسلام ما بين 12 - 15 ألف نسمة على امتداد المنطقة، ولما هاجر المسلمون الأوائل من مكة إلى المدينة تغيرت المعادلة السكانية، ومرت بمراحل مد وجزر، إذ وفدت إليها مجموعات قبلية وأفراد من مكة والبادية، وكان أجلى عنها من بقي من اليهود، ويقدر عدد سكانها أيام وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثين ألفاً. وخلال العهد الراشدي خرجت مجموعات كبيرة إلى حروب الردة والفتوحات واستشهد كثيرون منهم وأقام آخرون في المجتمعات الإسلامية الجديدة في الشام والعراق ومصر، مما أنقص عدد السكان عدة آلاف. وفي العهد الأموي عُمّرت أحياء جديدة لاستيعاب الأعداد الوافدة التي ساوت أعداد قاطني المدينة أواخر العهد النبوي إن يزد قليلاً، ولا نملك إحصاءات دقيقة. وفي العهد العباسي بدأ عدد السكان يتناقص تدريجيا، إذ يقدر وقتها بثلاثة آلاف تقريبا كما يستدل من السور الذي بني حول المدينة في منتصف القرن الثالث الهجري والسور الذي بني في القرن الرابع وكان ذلك الضمور نتيجة كثرة الفتن، واضطراب الأحوال الأمنية، والفتن الكثيرة التي ظهرت وسوء الأحوال الاقتصادية يومها. وفي القرن السادس ازداد عدد السكان، ولم تعد تتسع لهم المنطقة المحصورة داخل السور، وبنى لهم نور الدين زنكي عام 558ه سوراً ثانياً طوله أكثر من ضعف السور الأول، مما يدل على أن عدد السكان قد زاد على ستة آلاف نسمة. وبعد ذلك تقلب عدد سكان المدينة بين زيادة ونقص، تبعاً للأحوال الأمنية والاقتصادية، ولكنه هبط في أوائل القرن العاشر إلى ثلاثة آلاف تقريباً، ثم ازداد في العهد العثماني ووصل في القرن الثالث عشر إلى عشرين ألف نسمة تقريباً. وفي القرن الرابع عشر الهجري ازدهرت المدينة عندما وصلها الخط الحديدي الحجازي ووصل عدد سكانها إلى ثمانين ألفاً لكنه عاد وانخفض انخفاضاً حاداً عندما قامت الحرب العالمية الأولى، وأجبر معظم أهل المدينة على الخروج منها حتى لم يعد فيها من أهلها إلا العشرات بسبب الصراع بين العثمانيين والهاشميين، وأجبر فخري باشا الحاكم العثماني معظم أهلها على الرحيل ليقاوم خصومه حتى لم يبق منهم سوى عشرات الأفراد. ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وخروج العثمانيين عاد إلى المدينة عدد من أهلها، واستقر الباقون في الأماكن التي هاجروا إليها. وعندما بدأ العهد السعودي أخذت المدينة بالنمو والازدهار، وارتفع عدد السكان تدريجياً، وعاد إليها كثيرون من أهلها المهاجرين، ووصل العدد في عام 1391ه إلى 137 ألف نسمة، وبدأت القفزات الواسعة في أعداد السكان. السكان حالياً: شهدت المدينة وسائر مناطق المملكة العربية السعودية تطوراً وازدهاراً كبيرين في العقود الثلاثة الأخيرة، وتضاعف عدد سكانها عدة اضعاف، فبلغ حسب احصاءات عام 1413ه 608 آلاف نسمة ينتمون إلى قبائل وأعراق مختلفة، بعضهم من أهل المدينة المقيمين فيها منذ قرون طويلة، وبعضهم من الوافدين إليها من انحاء المملكة وبعضهم من القادمين من البلاد العربية والإسلامية للعمل، ويتوزع السكان في ثلاث دوائر عمرانية مركزها المسجد النبوي الشريف، ومحيطها الأخير خلف جبل أحد شمالاً وذي الحليفة «آبار علي»، غرباً وسد بطحان جنوباً والعاقول شرقاً. ونتيجة للتطورات العمرانية توزع السكان على أحياء المدينة وتغيرت الكثافة السكانية فيها فتضاعف في الأحياء الداخلية حول المسجد النبوي بسبب إعادة عمران المنطقة، والتوجه نحو تأمين مناطق سكنية وتجارية تخدم الزوار فيها، وازدادت في المناطق التالية: قربان، قباء، الحرة الشرقية والحرة الغربية، الخ..، وفي أطراف المدينة مثل آبار علي، منطقة العاقول ومنطقة سيد الشهداء. وإضافة إلى المقيمين الدائمين في المدينة يفد إليها أعداد كبيرة من الزوار في المواسم، وخاصة في رضمان وذي الحجة ويبلغ عددهم عدة مئات من الآلاف يمكثون فيها أياماً وأسابيع قليلة ثم يعودون إلى بلادهم. منطقة زراعية: تتميز المدينةالمنورة بموقع جيد وتحيط بها الجبال من عدة نواحٍ وهو ما جعل مناخها يميل إلى الحرارة صيفاً والاعتدال شتاء كما أن المدينةالمنورة تشهد مواسم جيدة من الأمطار التي تساهم في زيادة مخزونها من المياه الجوفية التي تدعم جهود سكانها العاملين في الزراعة حيث تعتبر المدينةالمنورة من المناطق الزراعية المشهورة التي تحيط بها المزارع كما أنها تتميز بزراعة النخيل وجودة أنواعه. وتميزت هذه المدينةالمنورة بالعديد من الأودية التي كانت محوراً للحياة حيث تقام مواقع السكن حول هذه الأودية وهنا سنتعرف على ملامح المناخ في هذه المدينة ونتعرف على ابرز أوديتها. المناخ: يعتبر المناخ في المدينةالمنورة بشكل عام جافاً، ويتميز بدرجات حرارة عالية تتراوح بين «30- 40»، درجة مئوية في الصيف، وبين «10 - 25» درجة مئوية في الشتاء، وتصل الحرارة إلى أعلى معدلاتها في الفترة من «يونيو/حزيران»، إلى «سبتمبر/أيلول»، وتسقط معظم الأمطار في «نوفمبر/تشرين الثاني، يناير/كانون الثاني، مارس/آذار وإبريل / نيسان»، ويبلغ أقصى معدل سنوي للأمطار 12 مم وذلك خلال شهر إبريل، ويقدر متوسط المعدل السنوي لسقوط الأمطار على المدينة حوالي 3 ،94مم، ونادراً ما تسقط الأمطار في فصل الصيف. أما الرطوبة فهي منخفضة في معظم أوقات السنة، ومتوسط معدلها «22%»، ترتفع في فترات سقوط الأمطار إلى «35%»، وتنخفض في فصل الصيف لتصل إلى حوالي «14%». وتهب على المدينة عادة رياح جنوبية غربية، وهي في الغالب حارة جافة، ويبلغ متوسط سرعتها «5-8»، عقدة في الساعة وتعد رياحاً هادئة. أودية المدينةالمنورة: اشتهرت المدينةالمنورة بوجود العديد من الأودية المهمة التي كانت الحياة على جوانبها نظراً لارتباط الحياة الإنسانية بالمياه ومن أشهر أودية المدينةالمنورة: وادي بطحان: وهو أحد الأودية الكبيرة في المدينةالمنورة، ويتكون من عدة سيول ومجارٍ منها مسيل يأتي من منطقة ذي حدر إلى قربان، حيث يلتقي مع الأودية الأخرى، ومنها: مسيل وادي رانوناء الذي في جنوبيالمدينة، ومنها: مسيل وادي مذينيب، ووادي مهزور الآتيين من شرقي المدينة. وتمتد هذه المسايل وتكون مجرى يمر شمالاً غربي المسجد النبوي في منطقة السيح إلى غربي جبل سلع ويمتد بتعرج قليل إلى منطقة زغابة مجمع الأسيال، وقد سمي بطحان لأن القسم الذي يجري فيه داخل المدينة سهل منبطح، وقد غطي مجرى بطحان قبل عدة سنوات بدءاً من منطقة قربان. وفي رواية عن أم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها»، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: أن بطحان على ترعة من ترع الجنة. وفي رواية على بركة من برك الجنة، وفي حديث آخر عن ثابت بن شماس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دخل على ثابت بن قيس بن شماس، وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس، ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء، وصبه عليه. وادي رانوناء: وهو مسيل مائي يبدأ من شعاب جبل يقع جنوبيالمدينة بعد جبل عير، ويتجه شمالاً حتى يدخل بساتين المدينة ما بين قباء والعوالي ويمتد إلى منطقة قربان، ويميل غرباً حتى يتلقي بطريق قباء المتجه إلى المدينة ويحاذيه حتى يصب في مجرى وادي بطحان ويصبح جزءاً منه. بنيت في مجراه جنوب قباء سدود قوية قديماً لتحجز مياهه، وتكون بحيرة يستفاد من مائها في أشهر الجفاف. وذكر السمهودي في كتابه وفاء الوفا أن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان أقام عليه سداً، وذكر الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري انه وجد نقوشاً قديمة ترجع إلى عهد صدر الإسلام تذكر السد، وأخرى تفيد أنه جدد في عهد الخلافة العثمانية عام 1289ه، وقد بنت الحكومة السعودية عليه سداً حديثاً. ويرتبط اسم وادي رنوناء بمسجد الجمعة الذي أقيم قريباً من مجراه القديم شمالي مسجد قباء وعلى بعد 900 متر منه تقريباً. ففي موضع هذا المسجد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أول جمعة في الإسلام، وذلك عندما قدم مهاجراً إلى المدينة. ومازال مجرى وادي رانوناء موجوداً حتى الآن، وقد غطي القسم الذي يبدأ من منتصف منطقة قربان. وادي العقيق: ويعتبر هذا الوادي من أشهر أودية المدينة والذي طالما تغنى به الشعراء وامتدحه الأدباء على مر التاريخ كما اتصف بعض الشعراء باسم هذا الوادي العريق ومنهم في العصر الحديث شاعر المدينةالمنورة الاستاذ محمد هاشم - رحمه الله-، كما أنه يعتبر أحد أشهر أودية الحجاز كلها، تتجمع مياهه من منطقة النقيع التي تبعد عن المدينة أكثر من مائة كيلو متر جنوباً، ويسير إلى مشارف المدينة حتى يصل إلى جبل عير، ويسمى هذا الجزء منه العقيق الأقصى، ثم يسير غربي جبل عير ويمر بذي الحليفة حتى يبلغ أقصى عير فينعطف شرقاً حتى يلتقي بوادي بطحان قرب منطقة القبلتين، ثم يسير باتجاه الشمال الشرقي قليلاً ثم شمالاً فيلتقي بوادي قناة القادم من شرقي المدينة عند منطقة «زغابة». ويسيل وادي العقيق في الشتاء مثل نهر كبير، وفي السنوات التي تكثر فيها الأمطار تظل المياه فيه عدة أشهر. وتدل الكتابات التاريخية انه كان في بعض العصور أشبه بنهر دائم الجريان لذلك قامت على ضفافه في العصر الأموي وشطر من العصر العباسي قصور كثيرة وتزاحم الميسورون على قطع الأراضي بجانبيه حتى لم يعد فيه موضع لمزيد من البناء ومن أشهر القصور فيه: قصر سعد بن أبي وقاص، ومازالت بعض أثاره قائمة حتى الآن، وقصر عروة، قصر سكينة بنت الحسين وغيرها كثير. كما نشأت بالقرب منه مزارع خصبة تغطيها أشجار النخيل وشتلات الخضروات والفواكه فضلاً عن الحدائق التابعة للقصور القائمة فيه لذلك يمكن أن نتصور منطقة العقيق في فترة ازدهارها مساحة خضراء يتخللها مسيل مائي واسع شبه متعرج فيها أشجار النخيل والفواكه وبساتين الخضار وغيرها. وفيه القصور المسورة المتلاصقة حيناً والمتباعدة شيئاً حيناً آخر، غير أن هذه الحالة الزاهرة انتهت عندما تقلصت المدينة في القرن الهجري الثالث وهجرت القصور وتهدمت، وتصف المصادر التاريخية مياهه ومياه الآبار فيه بالعذوبة، ولذا يتزود منها أهل المدينة والمسافرون إليها، ومن أشهر آباره بئر عروة، ويسمى القسم الذي يبدأ من جبل عير إلى زغابة العقيق الأدنى وهو داخل حرم المدينة وقد ورد في الأحاديث بأن العقيق واد مبارك، ففي صحيح البخاري باب بعنوان: قول النبي - صلى الله عليه وسلم- العقيق واد مبارك وفيه حدث عن عمر بن الخطاب -رضي الله- عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك. وقد فرشت أرض المسجد النبوي في عهد عمر بن الخطاب بحصى ناعمة من أرض العقيق، وقد امتد العمران حالياً إلى أطراف العقيق حتى ذي الحليفة، ومازال مجراه يمتلئ بالماء كلما هطلت أمطار غزيرة والجدير بالذكر أن في الجزيرة العربية عدة أودية تحمل هذا الاسم ولكن أشهرها عقيق المدينة. وكلمة العقيق مشتقة من العق وهو الشق، وربما يكون قد سمي بهذا الاسم، وكذلك الأودية المسماة به لأنه في الأصل سيل يشق الأرض ويجري في مجراه. وادي قناة: أحد الأودية الكبيرة التي تأتي إلى المدينة ويروى أن مسيله يبدأ من جبال الطائف حيث تتجمع فيه عدة أودية في الطريق إلى أن يصل إلى المدينة من جهتها الشمالية الشرقية ويمر من جنوبي جبل أحد باتجاه الغرب، ويميل قليلاً إلى الشمال حتى يلتقي مع وادي العقيق عند زغابة. ويصب في مجمع الأسيال. وتذكر المصادر التاريخية أنه فاض بسيل عظيم عدة مرات، وخشي الناس أن يجتاح المدينة. وسمي في بعض المصادر سيل سيدنا حمزة لمروره بمنطقة أحد. كما تذكر أن مجراه قد تغير في شرقي المدينة عام 654ه، فقد حدثت في تلك السنة تغيرات مناخية كثيرة، وشهدت المدينة أمطاراً وزلزالاً، وانفجر بركان ضخم في أطراف حرة واقم، وفاض وادي قناة وهدد المدينة من شرقيها، ولكن الحمم المتدفقة من البركان سدت مجراه باتجاه المدينة، فتحول شمالاً وتجمعت خلفه بحيرة عظيمة ظلت عدة سنوات كثرت فيها المياه الجوفية في المزارع، وجرى الوادي باتجاه الشمال قليلاً وابتعد عن المناطق السكنية ثم تابع مجراه جنوبي أحد، ومازال مجراه كذلك حتى اليوم، يفيض عندما تكثر الأمطار. وادي مهزور: مهزور: واد بالمدينةالمنورة يمتلئ بالمياه عندما تكثر الأمطار، تتجمع مياهه من مناطق تبعد عن المدينة أربعين ميلاً، ويدخل المدينة من حرة واقم، «الحرة الشرقية»، ويسير غرباً مع وادي مذينيب في منطقة قربان، ويصبان في مجرى بطحان، وعلى أطراف مهزور قامت مزارع نخيل، وبساتين خصبة. وعندما جاء اليهود إلى المنطقة نزل بنو قريظة على قسم مهزور، وبنو الحصون والآطام، وأنشأوا المزارع، وفي عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم-، اختلف بعض الصحابة في تقسيم مياهه بينهم، واحتكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فحكم لهم أن الماء اذا بلغ الكعبين لا يحبسه من يمر به عمن يليه. وتذكر المصادر التاريخية أن وادي مهزور سال سيلاً عظيماً في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه- حتى خاف الناس أن يغرق المدينة فَسُدَّ مجراه إليها بردم كبير، وأنه سال أيضاً عام 156ه، وخاف الناس أن يجتاج المسجد النبوي، فاستنهض أمير المدينة عبدالصمد بن علي بن عبدالله بن العباس الناس لتدارك الأمر، فدلتهم امرأة عجوز من أهل العالية على موضع كانت تسمع الناس يذكرونه فحفروه فوجدوا قناة واسعة فأجروا السيل إليها فدخلها ومضى منها إلى وادي بطحان. ويبدو أن هذه القناة كانت على مجاري الوادي إلى بطحان. وادي مذينيب: مذينيب: واد يمتلئ بالمياه عندما تكثر الأمطار، مصدره من حلائي وصعب «جبلان كبيران بحذاء جبل الأغوات»، ويدخل في حرة واقم «الحرة الشرقية»، جنوبي منطقة قريظة، ويتجه غرباً بميل بسيط نحو الشمال حتى يلتقي مع وادي مهزور في منطقة قربان. وعندما جاء اليهود إلى المنطقة نزلوا على قسم من وادي مذينيب وأنشئوا الحصون والمزارع وظلوا فيها إلى أن أجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن المدينة، فسكنها المهاجرون.