من بوابة الوطن .. من بوابة الثلج والصقيع حيث الحماد يمتد كراحة اليد ونسائم الغربي يصافح فجرها المخضل بالندى وقطرات الطل تلثم شجيرات الرمث والغضا والآذان تشرئب لثغاء قطعان الماشية وهي تخطو صوب مفال اخضرت من وسمية علتها ذات مساء. من هنا... من اطراف بادية الشام حيث الارتحال باتجاه الكلاء والمرعى من طريق التجارة المعرّقة والقوافل وموارد الركبان، من الأرض التي تطل على خط الحدود وتحدق صوب الهلال الخصيب.. سهل حوران وجبل العرب والقصور الصحراوية «الاموية» من الأرض التي تغفو تحت رمالها بصمات التاريخ وشواهده.. من الأرض التي قالت عنها كتب التاريخ «قريات السواد»، وأيضاً «بنات قين»، و«وادي النعيم»، و«وادي السر»، و«البياض»، وقريات الملح وووو... تسميات توقفنا امام حكايات كثيرة وجوه أكثر.. وهنا تتشكل حكايات وتنسج قصص... تتقافز الصور... وتتداعى وينفض الغبار وتتراءى لك الأشياء عندما تغسل الألوان. وجوه عديدة شكلت تطلعاتها وافردت للحلم مساحات بحجم تفاؤلها. ثقبت لأشعة الشمس منافذ في جدران صمتها كي تقف تحت الضوء. شرّعت للفرح الاتي كل اركانها واشعلت الشموع لتكسر حدة الليل ورفعت الصوت كي تشق خيمة السكون. مدت الأكف مصافحة كل الناس ... معانقة كل الوجوه ولتجتاز بهم حدود العلاقة وعلاقة الحدود. افاضت بكل ما خالجها سنين طوالاً عل الحديث يبني لغة حوارية وان جاء الحوار من طرف واحد. أو ان لغة الحوار لا يراد فهمها واستيعابها .... لكنها تظل قادرة على ان تشرع كل الأبواب للحوار العقلاني وان تباينت لغته ومفرداته وهي كذلك... نحن نعرف ان مناطق الاطراف ذات حكاية واحدة... ربما ... لكن الشخوص يتعددون. انما هي تملك قدرة الحركة وقدرة على الاخصاب والمقدرة نفسها على المجاراة في وقت تختار غيرها الاستكانة في منطقة الظل. زرعت حين ضن الزرّاع فتوشح المكان بالخضرة واشرقت زواياه بالنوار أطفأت ملامح وايقظت الحلم من غفوته وتهيأت لاستقبال حكاية أخرى.. حكاية رائعة.. وشرعت رواق البيت ل «تعلله شمالية»، .. علت مساءها واعتلاها «بدر»، جعل للحوار لغة مفهومة وللحديث مفرداته التي غابت .. غُيبت.. بدت التعللة تتسع لكل الاصوات والوقت يتسع لكل المتحاورين . مستوعبا كل اللغات. حاضناً كل الوجوه الراغبة. القادرة على اثراء الحوار والتعاطي مع المتحاورين بلغة لا تلج دهاليز أو تعبر مسالك تلفها الظلمة. تحول ذلك الحلم إلى «ليلة»، مخضبة بالحناء تحمل الانفاس الشمالية في ليلة مقمرة تشحذ الوجوه ان تحلق في فضاء النقاء والطهر. وبدت الاحلام مزنرة الليل بوهج لم يكن. شكلت تلك الليلة مساحة تنفست في فضائها اطراف الذاكرة... هي وجه رائع حين يعلها الوسمي ورائعة حين يشكل الربيع لوحتها ويرسم بألوانه على ارض لا يزال مطالع آكامها مرهوناً بمساحة الحلم... ذلك الحلم القادم من جزء تشكل على حافة حدود الوطن... يطالع كل الاتجاهات ويتنفس من أي اتجاه... * عن بوابة الوطن «القريات»، احدثكم ومنها اتحدث لكم. هذه القلادة التي تزين الجيد وتعتلي الهامة وتستشرف آفاق المستقبل وتتطلع لأكف من سيصوغ مستقبلها سمو اميرها عبدالإله بن عبدالعزيز وسمو نائبه الأمير فهد بن بدر حفظهما الله. «الوجة الاخر» لكل شيء هنا في هذا الجزء العزيز من الوطن الاعز تميط اللثام عنه «الجزيرة»، عبر رحلات ميدانية وراء الحقيقة ومن اجل الحقيقة.. رحلات لقراها لهجرها ولتجمعاتها السكانية «بوابة الوطن»، لنطالع الوجة الاخر ندقق في تفصيله وننقل لكم بصدق واقع الحال. * هنا اقف في اقصى نقطة من الوطن وعلى بعد كيلومترات قليلة جدا من خط الحدود من مدينة القريات حيث نامت ردحا من الزمان نقية بنقاء ملحها الابيض فاستيقظت صباح يوم جميل واغصان الزيتون تورق على جبينها ليتمازج بياض الملح مع خضرة الزيتون والناس على الفطرة وخصال هي ارث باق يحافظ عليه. من المنطقة الطرف حيث تمازجت هنا وعلى ارضها وجوه مختلفة وعلى نفس الارض تقاطعت العديد من الخطوط وتشكل تجانس بشري وتلاقح ثقافي وخليط من الناس التقوا هنا في شمال القلب حيث يتعانق الصقيع مع ارتفاع الارض وحيث اتاحت الجغرافيا فتح النوافذ لترى ارض الحضارات حولك.. على بعد خطى منك .. من نطقة الحدود. * القريات أو هي بوابة الوطن كما نسميها اليوم حيث يقف التاريخ مطلاً بأحداثه وحكاياته وآثاره ويصافحك الحاضر ببيوت الشعر التي دخلتها مقتنيات العصر وصوت الطار المصاحب ل«سامرية» توقظ الأمس من غفوته وصورة «الحاشي» متنقلاً بين صفوف الدحة. هنا من «الحماد»، وحتى «الحديثة»، المنفذ إلى العيساوية وما وراءها وما هو دونها كانت صحراء جملتها الوان الربيع بقيت امسا بإرثه وموروثه حاضراً بتقدمه وتقنياته بادية شكلتها المدنية ومدنية لم تستطع فصلها عن ارثها وموروثها فكان التمازج صعبا لكن الاصعب ما افرزته لنا من نتائج. نعلم ان التناقضات كثيرة لكن ما بين الحلم والواقع جسران يمتدان دون ان يلتقيان انما هناك شريط تتوسده مدن تغفو على ايقاعات جعلت من خاصرتها تتراقص كبندول. اتعبه الرقص ذات اليمين وذات الشمال فبادرها النعاس. اسبلت اهدابها واسلمت للنوم رأسها.. حلمت انها صعدت منصة التميز.. منصة التتويج لتباهي من سبقنها في هذا التفرد رغم عمرهن القصير.افاقت بعد ان تخطاها الزمن وتجاوزتها القطارات . استيقظت من غفوتها.. انها لم تكن على المنصة ولم تتمنطق الوشاح بل كانت مفاجأة حيث عرفت ان القطارات مرت باطرافها دون ان يقف احدها أو يجعل منها محطة توقف ولو لأجزاء من الوقت كي تعرف بأنها لم تكن مدرجة على طريق عبوره... هكذا وجدت القريات نفسها ذات يوم ومضى اليوم وبقيت الحال تجسد ا نكسار خاطر مدينة كانت تراهن على أهميتها ... كانت تراهن على موقعها وكانت تراهن على انها.... وبقيت تراهن على رهاناتها التي لم تكن مبنية على اسس.. انها احلام والاحلام لا تجسد واقعا ولا تشيد انجازا ولا تبني الا قصوراً من تراب. * لم تكن القريات الا تلك الصورة التي رسمتها كلماتنا.. التمنيات كثيرة . الاحلام كثيرة والتطلعات تتجاوز حدود الكلام والصور. * انها مدينة تعشق التمدن.. ترغب في التقدم لكنها تحب الظهور بمظهر الانيقة ... الجميلة الحسناء اكثر ومع هذا لم تنل من احلامها الا ان وضعت رأسها بين كفيها متحسرة على حلم زارها ذات ليلة فطار مع تباشير الصباح فوجدت نفسها مغردة خارج السرب تحلق وحيدة تتطلع للمشارف لكن الاقدام لا تقوى على الخطو... السير بذلك الاتجاه.... بقيت في حلبة المصارعة ... حية تصارع من اجل البقاء.. حية تتنفس لكنها تخلت عن الاحلام والتطلعات فاكتفت بحياة ضجرة وتأمل في المستقبل ... غد ... بعد غد المهم كيف هو المستقبل وكيف سيكون؟؟ وما هي الصورة التي ستكون عليها ؟؟؟ لا أدري.. لا أملك تصورا معينا لكنني وانا هنا في القريات اعرف واقع الحال واعرف اشياء كثيرة قد لا يعرفها الا القلة من ابنائها.. لكنني اقول حيث تطأ قدماك ارض القريات تشعر بحميمية العلاقة... انس المكان وطيبة الامس باقية وبساطة الحياة رغم اننا نعتقد بأن حياتنا هنا لا تختلف عن غيرنا لكن من يزور القريات يشعر بفوارق كثيرة وتباين كبير.. وانا لا أؤكد ذلك انما هي احاسيس الاخرين. هذه القريات امامك صفحة واضحة تستطيع ان تقرأ ملامحها خلال ساعات لكن الأصعب تفسير العلاقة بين هذه المدينة وابنائها.. ما هو السر؟؟ ما هو الشيء الخفي؟؟ ليس رابط انتماء فحسب .. ليس عشقا لكنه شيء اكبر.. اكبر .. الصورة يفسرها الشاعر صالح المنيع الشراري بهذه اللوحة الشعرية: كل ما يممت وجهي للجنوب ودي ابعد عن «دفا» برد الشمال يرتفع صوت الغلا من كل صوب كل شيء بديرتي يصرخ تعال ديرتي.. صدر حضن كل القلوب هي شعاع الشمس واقمار الليال كل قطرة ملح باعماقي تذوب من ثراها كنها صافي زلال بس حمرة شمسها وقت الغروب واقعا ممزوج بالوان الخيال كل خصلة عن وصايفها تنوب ماهو الا ذكر بقيات الخصال كان ذنبي حبها.. كلي ذنوب وكان عيبي عشقها كلي خمال حالف اني عن غلاها ما اتوب لين تنطق بالحكي صم الجبال هذه صورة لارتباط ابناء القريات بها.. لوحة عن حبهم لها لكن ما هي اللوحة الآخرى؟؟ ما هو واقع الحال؟؟ كيف هي الصورة؟؟ ما هي تطلعات المدينة.. القرى.. الهجر.. كيف ينظر الابناء لمستقبلها؟؟ اذن لابد ان تقترب اكثر من المكان بل كل الامكنة .. بل من الناس كي تقرأ الاشياء مفصلة بينة وواضحة .. قصور. نعم... أخطاء؟؟ بالتأكيد... تراكمات وقضايا خدمية؟؟ والاجابة نعم.. ذلك ان ما تشاهده يعطيك انطباعاً بأن هناك قصوراً والقصور ما هو الا نتاج لأمور قد حدثت وانتهى إلى ما انتهي إليه من صور وصور ومزيد من الصور التي تعكس تشوهات المكان. كل الطرق تنقلك إلى مواقع تريد ان تدقق فيها ولا تريد ان تراها. * أنت هنا في «بوابة الوطن»، والاسم يعني شيئا مثاليا . صورة ولا أبهى منظراً ولا أجمل لكن واقع الحال يقدم لك صورة لا تبهج توحي لك بأنك خارج رحم التنمية .. بعيداً عن ينابيع تدفق الخير. رغم انني اجزم بأن القريات قد حظيت ببعض الخدمات وتطورت بعض المرافق لكنها ليست كل شيء ولا تعني الوصول إلى المبتغى والهدف المنشود. فالمشوار طويل والطريق إلى باحات الاشراق لازالت تشحذ الاقدام ان تسرع بالخطى وتحضرني كلمة لسمو الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز أمير المنطقة في لقاء صحفي والتي اختصرها بكلمتين «المنطقة فاتها الكثير»، !!!!! وهذا يعني ان المنطقة تفتقد للكثير والكثير من المنجزات ان هي تحققت ستبلغ مدن المنطقة التطور المنشود والمكانة اللائقة. القريات ... هذا هو الحال!!! حين تقدم إلى القريات عبر بوابتها الدولية منفذ الحديثة، تصدمك الحديثة بصورة مزعجة ومؤلمة «ولنا معها جولة»، أو ان كان قدومك عبر الطريق الدولي «1»، التابلاين والذي يشكل شريانا اقتصاديا هاما لا اعتقد انك ستشعر بالطمأنينة وانت تسلكه ومثله الطريق الآخر «الجوف»، والذي اصبح كالوجه المصاب بالجدري لسوء ما آل اليه الحال وغياب تام لوزارة المواصلات وكلا الطريقين سنتعرض لهما في احدى الجولات ... اما ان كان وصولك للقريات عبر مطارها فلا شك انك عانيت الكثير قبل صعودك للطائرة بفعل الضغط والازدحام الذي تشهده رحلات القريات كل عام والسعودية تقدم رحلاتها إلى القريات على استحياء ووجل رغم الحاجة الملحة والضرورة للعديد من الرحلات خاصة في موسم الصيف والعطل الدراسية. حين تقودك قدماك لجولة في المدينة بأحيائها القديمة والحديثة تخرج محملاً بالصور... حاملاً هموم مدينة وتراكمات الامس وما قبله وما بعده واسئلة تحار في البحث عن اجابات لها.. ان تجد ما يبرر ما تراه من اخطاء وسلبيات لها اول وليس لها آخر.. تقف وجها لوجه مع مدينة كان لها في ايامها الخوالي مكانة ومكان حيث كان للجغرافيا اهمية وللتاريخ عنوان يقرأ بتمعن وتدقيق. القريات... المدينة... البوابة... الثغر... المنفذ... مسميات اتكأت عليها تنتظر ماذا يقدمن لها؟ وماذا يمنحنها؟ في بحثها عن مكانة تليق بتاريخها... في بحث عن مستقبلها وهي اليوم تتطلع لحق.. عن حقوق.. بحثاً عن الذات ... وفي دوامة الركض ... الهرولة بين هذا وذاك تعثر اقدامها اسئلة حائرة... اسئلة معلقة والاجابات غائبة. هكذا تظهر لنا صورة القريات اليوم باهتة.. شاحبة..الصورة هكذا رأيناها أو هكذا تشاهد! حين تلم الشمس نفسها وهي ترنو صوب المغيب تظهر لك صورة المدينة وقد لبست ثوبا شفافا من الغبار المتصاعد من شوارع ترابية عديدة وفي احياء كثيرة لم تعرف الاسفلت بعد ولم تتعرف على مكوناته ... ورائحة عطرية نفاذة منتنة تصحب سحب الدخان والتي تحجب السماء ناتجة عن محرقة نفايات البلدية والواقعة شمال المدينة والتي كتبنا عنها «الجزيرة 13/1/1418ه». ومن حرائق جانبية يشعل نيرانها عمالة ومواطنون في رحلة البحث عن النحاس والحديد وعلى جانب الطريق الدولي المحاذي للمدينة من جهة الشمال وعلى عينك يا تاجر... لا تهاب من احد ولا تخشى جزاء. ومن ثم تجبر الامطار والسيول الاخيرة البلدية لنقل مكب النفايات شمال المكان ولكن ليصافح أيضاً المسافرين عبر الطريق الدولي «التابلاين»، وبالقرب من الاذاعة وكأن البلدية ترفض ان يغادر أي مسافر أو يجتاز حدودها الا وتعطره من عطرها! وهذه حيلة العاجز دائما.. اليس من الواجب البحث عن مكان منزو وبعيد ولا يؤثر على السكان؟ هل فُقدت الأمكنة ؟؟ لا أعتقد ولكن.......! ان تبدأ من حي الفيصلية وحيث المياه السطحية المالحة تعاقر الاسمنت وتفتته ومياه الصرف الصحي تغطي الشوارع وتتسلل بين المنازل ناثرة الروائح الكريهة مشكلة مكاره صحية ومرتعاً للبعوض ومكانا لتكاثره.. المنازل عقدت صداقة وصحبة مع صهاريج النضح التي وجدت ضالتها في استنزاف جيوب المواطنين وبشكل مستمر وبلا انقطاع وهذا الحي تحديداً يشكل بؤرة لأوبئة كثيرة واضرار صحية على ساكنيه ومشكلة الصرف مقلقة للمدينة عموماً ولكافة الأحياء والتجمعات السكانية فيها لكن الحقيقة ان «الفيصلية»، الحي الاكثر تضررا والامل معقود على الاستعجال بتنفيذ مشروع الصرف الذي اعتمدت المرحلة الأولى منه في ميزانية هذا العام ونتمنى المباشرة في تنفيذه في القريب العاجل خاصة وان الانتظار طال لهذا المشروع الحيوي والمهم اذا علمنا بأنه قد تم ترسية المشروع متكاملاً عام 1405ه وبعد ان جرى تسليم الموقع للشركة المتعاقد معها وقبل المباشرة الغي المشروع لظروف الميزانية في ذلك العام وها نحن في العام 1422ه فهل يكتب له رؤية النور وان ترى القريات هذا المشروع وهي شابة عمراً وخط الشيب شعررأسها والتجاعيد ومظاهر الشيخوخة زارت وجهها قبل ان تحين شيخوختها؟ غداً الحلقة الثانية