سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القريات بوابة الوطن بوابة التاريخ 4/6 « الجزيرة » تفتش أوراق وتقرأ لكم من ذاكرة قرى الملح والقفل والصقيع
العثمانيون فرضوا جباية على الملح مقدارها «مجيدي» سنة 1870م
قوافل آيبة بحمول القمح والعدس حيث بياض الملح وأرض الغيد
حلقات يكتبها: سليم صالح الحريص صورها/ حمدان حسين عثمان ينطلقن بعيد الفجر صوب الجبل الابيض والسهول الخضراء يحملن متاعاً وحلماً وخوفاً.. يخطون بتأن وروية في مصافحة مع الصقيع والثلج والمطر. تسير القافلة والطفل يبلل هاماتهم.. نسائم الغربي تعانق الحاجبين.. تغزو مفاصلهم.. تلثم اوجانهم لكن عنانهم يذوب حين يعودون بما ذهبوا اليه. قفل وخطار.. ملح وتمر ورفقة طيبة الثغرة.. الهزيم مرورا ب«رجم المداوير».. ام الجمال صعودا حتى المروج الخضراء في سهل حوران. حيث بصرى الشام بتاريخها وآثارها وقرى الجبل الأخرى. رحلة تبدأ.. وقوافل آيبة بحمول القمح والعدس حيث بياض الملح وارض الغيد. أقدام تطأ الارض واخفاف تصافح الثرى. لا تتعب الاقدام والمطايا لا تمل من المسير صباح الخير يا جبل العرب.. صباح الحنطة في حوران والبلقاء. .. من هنا.. من ارض الملح حيث يمتد الحلم الازهى والوشاح الابيض على فضاء ارضنا. من المطوخ التي كانت تدر الخير على ابناء القريات يطالعكم تاريخها بفخار. حيث نظم الرعيل الأول اهازيجهم كلما طالعهم قرص الشمس صبيحة يوم جديد.. عطاء جديد.. فبنوا للجود مضافاتهم وكان شعلة مواقدها «الملح». سباخ الملح ذات دلالات كثيرة.. خير عم الجميع وجود فتح مضافاتهم لكل ضيف ونعمة خصهم الله بها فكان كالغوادي تتسقى منها فيضة. تطل على سباخ الملح من خلف خارطة الأيام واسفار الحكايات فتهطل الصور الجميلة كغمام يلاطف قمة الصعيدي وام الفناجيل. تفتش عن حكايتهم مع الملح او حكاية الملح معهم. الملصفة أو «المطخ» يحدثك عن كل الحكايات ويتحدث لك بصدق عن ابن القريات الذي تفصد عرقه ذات ظهيرة او عن كفوف اخشوشنت او وجه قروي منحته حرارة الشمس القائظة سمرتها. عن خطواتهم بعيد الفجر.. قبل ان تصبّحهم الشمس بذوائبها.. خطوا صوب المطخ يحملون القفة والمكحارة والمطق وادواتهم. ونقاؤهم الذي يحملونه في سرائرهم وابتسامة ل«الذعذوع» الغربي الذي يعانقهم بلطف.. بحنو.. بحماس.. بنشاط وحداء يحملهم على العمل كلما وهنت السواعد او فترت الهمّة. هب الهواء يا ذاري... كيل بليّا مصاري أو .. اضحى الضحى يا نايم... لا تفوتك الغنايم التجارة هذه الأرض وإنسانها الذي انحصر نشاطه بين تجارة الملح والتمر والماشية، فأعطى كل جهد وقوة فجادت عليه بما مكنه من العيش بعرق الجبين. هنا قرايا الملح.. حيث تجيبك ارضها وتلخص للسائل عن أمسها الذي امتد عشرات بل مئات السنين. تختصر خطوات القفل من «الرقبان فالرتامي - فالطريق المنقا فالهزيم ثم الازرق وام الجمال وصولاً الى قرى الجبل وكبراها بصرى حيث تناخ القوافل ويسوق الملح والتمر. حلمها تراه كلما استدارت الشمس للمغيب وتوارى ضوءها عن هامة النخيل. يظهر لك سفر الأيام مخطوطا تحت ظلال الأبنية التي احتضنت بعضها وفي مواقد الدفء التي هُجرت ومن ساحة مناخ خال إلا من الريح التي تعوي به وتتلاعب برملة كلما هبت هبوب او عصف عاصف. ومن ذاكرة جيل ترسخت الصورة في اذهانهم.. من ساروا مع القفل وخطت اقدامهم تنهب الدرب.. تعتلي تلا وتهبط واديا.. يقودون المطايا صوب طويل الثلج وسهول القمح والنماء. في رحلة تذهب بخير وتعود محملة بالزاد والمؤن. هذا هو ملح القريات وها هو حنين الابناء للارض المملوحة نقرؤه من السطر الأول. يقول: سعود الرويلي: تحدري يا دمعتي واسترسلي لا تستحين عيب ان ذكرت ارضي بقيتي في عيوني جامدة يا ملح ارضي.. غربتي مع ونة القلب الحزين مع ذكرياتي بالمساء بأرضك بعين شاردة تجمعن واقفن علي يلهبن ارسال الونين وشطون فكر جامحات صادرات وواردة أقوال الرحالة يقول الرحالة الألماني «جوليوس اوتنق» الذي زار وادي السرحان عام 1883م، اشتهر ملح القريات بأنه حلو وليس مراً مثل الملح الموجود في تدمر - سوريا ويضيف هذا الرحالة بقوله: اعتاد اهل هاتين القريتين ويعني «كاف وإثرة» استخراج الملح بصورة منتظمة نوعا ما طوال السنة وعلى مسافة ساعتين من قرية كاف والى الجنوب الشرقي منها تشمخ في سهل «النبت» سمر غطي وقليب الملح ويعني «العقيق» حيث اقام شيخ قرية كاف/ عبدالله مملحة مستغلا المياه السطحية فشق قناة وموقع بركة ويشير الرحالة نفسه ان العثمانيين في أثناء تواجدهم في المنطقة وذلك عام 1870م فرضوا جباية على الملح ومقدارها «مجيدي» واحد عن كل حمولة ملح وتسمى هذه الضريبة «الميري» وبعد ان يكون الموظف قد حقق مقداراً جيداً من الضرائب يعود سعيداً الى دمشق ليسلم هذا المبلغ الى «السراي» مقر الحكومة. وتشير الوثيقة العثمانية والتي تحمل الرقم 902 بتاريخ 23/3/1290ه الموافق 21/مايو 1873م الى أهمية المملحة التي يقصد بها قريات الملح. اما الوثيقة ذات الرقم 871 وتاريخ 14/7/1290ه الموافق 7/9/1873م فتقول نصاً: ان المملحة وهي على بعد يومين من حوران يرجى الحصول منها على عوائد جمركية تقدر بمبلغ 000 ،150» قرش سنويا وتحقيق مبلغ «50 - 60» الف قرش بعد دفع المصاريف. وقد رئي أخيراً ضم المملحة الى ولاية سوريا لأهميتها وما تحققه من عوائد. هذا من جانب اما الجانب الآخر فيرى الرحالة «ارتشيب فوردر» الذي زار المنطقة عام 1901م ان نشاطاً تجارياً كبيراً كان يمثله الاتجار بالملح بقوله: في طريقنا الى كاف عثرنا على خيمة فأبلغنا الرجال ان قافلة كبيرة ستمر بنا ليلا في طريقها الى كاف لجلب الملح. كانت ليلة مقمرة وكنا نجلس حول النار عند مدخل الخيمة حين اقبل علينا رجل ليقول انه سمع صوت اجراس الجمال ويبدو انها القافلة وقد كان الامر كذلك ويكمل «فوردر» الحديث قائلاً: لقد تم بسرعة تحميل امتعتي على الجمل وامتطيته بعد ذلك وقاده رفيقي الى قلب الصحراء وعلى ضوء القمر كنت ارى كتلة سوداء تقبل علينا وكانت تلك الكتلة هي القافلة الموعودة وسرنا مسافة ربع ساعة ثم توقفنا في انتظار هذه القافلة. جاءنا بعد قليل بعض العرب يمتطون صهوات الخيل وابتدرونا قائلين: من انتم؟ وماذا تريدون؟ فأجبناهم ثم وصل الجزء الأول من القافلة الموعودة وهو يتكون من اربعمائة جمل ثم مر علينا الجزء الثاني والثالث ثم الجزء الأخير وكان كل جزء يتكون من الخيالة المسلحين بالحراب والبنادق والسيوف والمسدسات ويضيف ان تعداد الأجزاء الثلاثة الأول من القافلة بلغ ستمئة جمل «وهذا يعني ان تعداد القافلة جميعها يزيد على ثمانمئة جمل» ويستطرد الرحالة قائلاً: انهم طلبوا منا ان نأخذ قسطا من الراحة.. والرحلة يجب ان تكون على مراحل لان الجمال محملة بالقمح والشعير اللذين ستتم مقايضتهما بالملح والتمر. قيمة الملح حدثني عدد ممن عاصروا حقبة الملح والقفل قائلين: الملح بالنسبة لتلك الأيام سيولة نقدية نشتري بها كل ما نحتاجه من غذاء وكساء فنبيع «مد» الملح بمد ونصف من القمح والحمص والعدس او الشعير والذرة وكنا نقوم بنقله الى سوريا ويسمون «القفل او الخطر» وايضا التمر الذي نجنيه من نخيلنا في القرى وحين لا يذهب من أبناء القريات قفلا فإن ابناء سوريا والاردن وفلسطين يفدون الينا لشراء الملح ويفدون الينا ضيوفاً معززين مكرمين مثلما نجده عندهم واكثر ولنا صلتنا الاجتماعية الوثيقة مع كل ابناء هذه الجهات التي ازدادت وثوقا مع الأيام. والمناخ في كاف هو ملتقى هؤلاء القفل اما عندما نذهب بملحنا وتمرنا الى جبل العرب فإن اكثر ما يضايقنا «الدرك» ومن يصادرون حمول إبلنا وهذا ايام حكم الفرنسيين وكذلك دفع «القوشان» وهي الرسوم، واستمررنا على هذه الحال الى ان وحد صقر الجزيرة هذه البلاد ووجدت المالية فكان يأتي مدير المالية ليأخذ مقابل كل حمل ريالا واحدا وفيما بعد صرنا ندفع الرسم كل شهر. ويضيفون: كانت رحلتنا تستغرق زهاء الاسبوعين بين الذهاب وتمكننا من بيع ملحنا وتمرنا واكتيال القمح وطحنه او شراء حاجاتنا الأخرى ومن ثم العودة الى قرانا اما عن تعداد قافلتنا فهي لا تقل عن العشرة افراد وحين العودة عبر الطريق نفسه وعند اقترابنا من قرية كاف وهي الأولى على طريق العودة نقوم باطلاق الاعيرة النارية لإخبار من بالقرية بأن القفل قد عادوا فيقابلنا الاطفال بفرح وبهجة وسعادة قل نظيرها اليوم وليحظوا بما حملناه من هدايا مثل «ضلوع الفاطر والكعيكبان او الفخ» ومن ثم ركوب الابل وهي محملة بالمؤن وهذه الصورة تؤكد تلك العلاقة الأسرية الوثيقة بين كل افراد المجتمع القروي. من ذاكرة خطّار حدثني اخي عابد ابراهيم الهلال عليه رحمه الله عن رحلة له مع«الخطر» فقال: اعتاد سكان قرى القريات قبل سنين على تسويق ملحهم في سوريا والاردن وغيرها وقدّر لي ان اكون «قافلا» في إحدى تلك الرحلات والتي اجدني كلما تذكرتها شعرت بالسعادة واللذة رغم ما كابدناه من تعب الطريق وخوفه ولصغر سني في ذلك الوقت. كانت تلك الرحلة تضم ما يقرب من العشرة اشخاص من بينهم الجد/ حمدان الحمد الجباب - رحمه الله - وعبدالله مفضي الخميس - عافاه الله - وكنت في الثالثة عشرة من العمر ولدينا بعير واحد وبحكم السن فقد اودعني مع الجد حمدان. حين تركت القافلة جرى لنا وداع حافل من الأهالي حتى اختفت قافلتنا عن الانظار وقد مررنا في طريقنا ب«آبار الهزيم» وهي مورد للبادية على الحدود ثم وادي راجل فالأزرق حيث توجد فيها عين تسمى «العنقيّة» وتشتهر في ذلك الوقت بكثرة الضفادع، وتواصلت الرحلة عبر الحرة الواقعة ما بين الازرق والحدود السورية وهي وعرة ويكثر فيها نبات «الحوذان» الذي يلتصق بالارجل ويصعب التخلص منه كوننا لا ننتعل احذية وفي وقتها اجد متعة في المشي دون ركوب الراحلة وحين يركب احد رفاق الرحلة يعيرني حذاءه المصنوع من عجلات السيارة. وحسب ما بلغت به فإن القافلة لا تدخل الحدود السورية إلا بعد منتصف الليل خشية الاصطدام بالدرك. حين وصلنا الحدود كان الوقت بعد العصر فأنخنا الابل وفككنا حملها من الملح والتمر وقمنا بتجهيز عشائنا الذي لا يتعدى «الخميعا» من خبزة النار. فقام كبار السن بقسم القافلة الى قسمين قسم يتجه الى «بصرى» والآخر الى بلدة «عنز» وكان نصيبي ان كنت مع القافلة المتجهة الى «عنز» وبصحبة حمدان الحمد وملاوي حمدان ودويخل الثريا - رحمهم الله -. وبعد صلاة المغرب قرر الجد/ حمدان وعلى غير العادة دخول الحدود وكنا قبيل صلاة العشاء نجتاز ازقة بلدة عنز وقبل ان نصل الى بيت مضيفنا كان الدرك لنا بالمرصاد واذا بصوتهم الجهوري والسلطوي يقول: قف.. قف.. ولم يكن أمامنا سوى الاستجابة والتوقف حاول كبار السن اقناع الدرك بكل الوسائل إلا ان كل ما قالوه قوبل بالرفض في هذه اللحظة فرّت جمال الجد حمدان باتجاه بيت مضيفنا التي تعرف الطريق اليه جيدا بحكم ترددها إليه وسلمت من الدرك كون الدنيا ظلاماً ولم يفطن لها الدرك وبقيت رحال البقية في قبضة الدرك وانتهى المطاف بنا مع مطايانا في حوش مخفر الدرك وطلب منا ان ندخل الملح والتمر في مستودعات الدرك. كان البرد لاسعا وانتابنا شعور بالخوف والرهبة وقد نال احد رفاق الرحلة عقابا من الدرك لتلكنه في انزال حمل بعيره وقد حضر مضيفنا الى المخفر وانتهى الامر باخراجنا بكفالته وبقيت الرحال وحمولها وبتنا تلك الليلة وفي الصباح عدنا إلى المخفر لمعرفة ما سيتم بحقنا حيث عمل محضر قبض كما يسمونها «مهربات» وقد نلت ما ناله رفيقنا من عقاب لمحاولتي ابقاء صفيحة تمر بحجة انها زادنا في الطريق. بعد ذلك قرر مسؤول الدرك بعثنا مع المهربات والجمال وبحراسة الى بلدة «صلخد» وهي تبعد نحو 15 كم عن عنز. ويبدو انها هي المرجع وفي صلخد مكثنا يومين بعدها تقرر مصادرة الملح والتمر مع غرامة قدرها «30 ليرة سورية» عن كل بعير. عدنا بعدها الى قرية عنز بعد ان اطلق سراحنا وبعد اسبوع تقريبا كنا قد اشترينا ما يلزم من المواد الغذائية وعند الخروج من الجبل تسللنا من البلدة قبل طلوع الفجر وقد ودعنا مضيفنا عائدين الى القريات وقد ربطنا الجمال واحداً بالآخر خوفاً من تفرقها في الظلام وفي اثناء المسير وصمت يرافقنا واذا بشبح قد اقبل صوبنا فانحبست انفاسنا في صدورنا واخذنا تهامس.. الدرك.. الدرك ولكن هذا الشبح لم ينطق ببنت شفة واخذ يقترب منا واخيرا تبين لنا ان هذا الشبح لم يكن إلا بعيري فقد افلت من القافلة في الظلام وسار على غير هدى وابتعد قليلا ثم عاد الى القافلة وبعد مسير تلك الليلة دخلنا الاراضي الأردنية. كان الصقيع والبرد قد زارانا مرات ومرات وبعد مسير لم يستغرق وقتاً طويلاً شاهدنا معالم قريتنا وكان الاهل قد علموا بما حدث لنا مع الدرك بعد ان بلغهم الشق الثاني من القافلة اوالذي عاد الى كاف قبلنا وعادة يجري استقبال للقافلة حين العودة ويخرج الناس رجالاً واطفالاً ونساء للترحيب بالقفل خارج المنازل بل ان الاطفال يتراكضون للسبق بلقائنا قبل دخول القرية للظفر بحلوى وما شابهها او ليركبوا على المطايا وقبل ذلك تطلق الاعيرة النارية للابلاغ عن وصول القافلة فيتباشر الأهل بوصولنا سالمين غانمين. هذه واحدة من قصص «الخطارين» المسوقين لملحهم وتمرهم في جبل العرب وفي قرى وبلدات حوران في ازمنة ما قبل التوحيد.. ما قبل الأمن والأمان.. ما قبل حقبة النفظ.. فيها الكثير من الصور جسدها ابناؤنا بتحملهم المشاق وتكبدهم التعب في سبيل الحصول على لقمة العيش الكريمة والشريفة. هم اهلنا تعبوا .. وبنوا.. واكرموا وفتحوا مضافاتهم بأريحية وطيب خاطر ليرسموا لنا بصبرهم منارات نسترشد بها في دروب الحياة فهل اقتفينا الأثر؟ أما الملح فهو لازال الثروة غير المستغلة في وقت توافرت فيه كل عناصر الاستفادة منه استخراجا وتصنيعا وتسويقا.. فهل تتبلور الأفكار...؟ وله يظهر الى الوجود مصنع بتقنيات حديثة يجعل من ملحنا رافداً اقتصادياً لابناء القريات بل المنطقة الشمالية عموماً؟؟ هذا التساؤل اطرحه على انظار سمو أمير منطقتنا - حفظه الله - عبدالإله بن عبدالعزيز الذي اعرف مقدار حرصه على تفعيل كل فكرة تصب في خدمة المنطقة لكنه ينتظر المبادرة منا فهل نفعل؟؟ هل نبادر اتمنى ذلك!!. هنا بيتنا الطيني القديم.. وعلى بعد خطوات ترى مطوخ الملح ترتقب الملاحين.. تنتظر الركبان.. تزورها.. تزورك الصور وتسمع الكثير من الأصوات.. تنسل من الأمس البعيد.. ترتقي فضاء المكان.. تشرف على ثغرة الرقبان على قافلة في طريقها الى المناخ. لا ركبان اليوم.. لا مناخ يحتضن الخطارين.. لا قوافل ترتاده.. فقط رمال تملأ فراغه.. وهمّ يسكن احداقه وفزع من فراغ الطرقات اليه.. هو المكان يعيدني الى ذكريات قريتي وملحها وناسها وضيوفها. استعيد استذكار الوجوه التي تربيت وسطهم ونشأت بينهم.. أين هم؟. انهم على بعد خطى منك.. يجاورون الصعيدي. ذهبوا وتركوا لكم شموعا أوقدوها ذات ليلة من أماسي الصييف.. تركوها تضيء لكم كلما كساكم الهم والاسى أوحشتكم امكنتهم.. هل اوحشتكم الأيام؟؟ هل اوجعكم الاغتراب؟ قد كان لك يا ملحنا صوت.. قد كان لك يا بياض ارضنا صولة وجولة وقد كان لاهلنا عشق لك.. عشقوك صيفاً وشتاءً واحبوك برداً ودفئاً فانشدوا لك.. غنوا لثراك. هب الهوا شمالي... هلا يا ريح الغالي هب الهوا من قبلة... تنبت شقارا وربلة واخيرا تبقين يا ارض الملح عنواناً لنا كلما رددنا هبت هبوب شمالي وبردها شيني ما تدفي النار لو حنّا شعلناها..