تعد مرحلة الطفولة، مرحلة مهمة جدا في حياة الإنسان، لأن معظم إن لم تكن كل، المقومات الشخصية لأي إنسان تتشكل خلال سنوات طفولته، لاسيما السنوات الأولى منها فتجد الكثير من الدراسات النفسية والتربوية تشير الى ان اغلب التطورات في الدماغ، ومراحل ترابط نقاط الاقتران العصبي تحصل قبل بلوغ الطفل السنة الثالثة من عمره، وتتكون من خلالها العديد من الملامح الشخصية للطفل، ثم تكتمل مراحل شخصيته عبر السنوات اللاحقة التي تمتد حتى السنة الثامنة عشرة من عمره. وفي ضوء هذه الأهمية الكبيرة لمرحلة الطفولة في حياة الإنسان، فقد حظيت موضوعات الطفولة المختلفة، واحتياجاتها المتعددة باهتمام الدول والمجتمعات في العالم، حيث تعنى معظم الدول بإصدار التشريعات والأنظمة التي تحقق مصالح الطفل الفضلى، كما تسعى الى توفير الموارد اللازمة لضمان الرعاية اللازمة للاطفال اسريا وصحيا وتعليميا.. وغير ذلك من اوجه الرعاية اللازمة لضمان النمو المتوازن لهم. ولا ينطلق اهتمام الدول بالاطفال من ضرورة ضمان العناية اللازمة لنموهم الشخصي فقط، وإنما ينطلق هذا الاهتمام من الإدراك الواعي لأهمية مرحلة الطفولة في الكيفية التي تحرز فيها الدول تقدمها، لأن اطفال اليوم هم من سيتسلمون زمام المسؤولية في التخطيط وإدارة برامج التنمية المختلفة في بلدانهم. كما ان موقع كل دولة في المجتمع الدولي، وتأثيرها في الاقتصاد العالمي، إنما يعتمد بعد الله سبحانه وتعالى، على قدرات أبنائها ورجالها، وهذه القدرات تتحدد وتتشكل بشكل كبير في مرحلة الطفولة من حياة الإنسان، لاسيما السنوات المبكرة منها. ولقد سبقت شريعتنا الإسلامية كل هذه المجتمعات بضمان حقوق الطفل والمحافظة على بيئته من قبل ولادته وحتى وبعد وفاته وفي جميع مراحل حياته، وسعى الإسلام لتحقيق حب الاطفال لدى الكبار لما في عالم الاطفال من جمال مليء بالبهجة والأحلام والسعادة والحب، وحديث القرآن عن الطفولة يفيض بالمودة والتكريم، فالله سبحانه وتعالى يقسم بالطفولة: {لا أٍقًسٌمٍ بٌهّذّا پًبّلّدٌ، وّأّنًتّ حٌلَِ بٌهّذّا پًبّلّدٌ، وّوّالٌدُ وّمّا وّلّدّ} [البلد: 1 3] ويصفهم بالبشرى: {يّا زّكّرٌيَّا إنَّا نٍبّشٌَرٍكّ بٌغٍلامُ \سًمٍهٍ يّحًيّى" لّمً نّجًعّل لَّهٍ مٌن قّبًلٍ سّمٌيَْا } [مريم: 7] ووصف الاطفال بقرة الأعين: {وّالَّذٌينّ يّقٍولٍونّ رّبَّنّا هّبً لّنّا مٌنً أّزًوّاجٌنّا وّذٍرٌَيَّاتٌنّا قٍرَّةّ أّعًيٍنُ } [الفرقان: 74] وجعلهم زينة الحياة الدنيا: {پًمّالٍ وّالًبّنٍونّ زٌينّةٍ پًحّيّاةٌ پدٍَنًيّا} [الكهف: 46] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم لنا عالم الطفولة بما يقربه من عالم الجنة فيقول: (الأطفال دعاميص الجنة) والدعاميص نوع من الفراشات الجميلة، وهم سبب لدفع العذاب كما ذكر ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: (لولا أطفال رضع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع، لانصب عليكم العذاب انصبابا)، ورغب في تكوين الأسرة والتخطيط لها وتنظيمها بما يكفل الانسجام والاحترام والمساواة لجميع افرادها وحقوقهم، وأعطى المحافظة على الاطفال وحمايتهم اهمية كبرى، وشدد على ضمان حق الاطفال في الحياة ووقايتهم من كل آفات الحياة، والمحافظة على بيئة الطفل لضمان سلامة نموه، فنجد الإسلام قد أوصى بالمباعدة بين الولادات، وحماية الطفل من الأمراض المعدية، وحفظ له حق الرضاعة الطبيعية، ووضع نظما شاملة لتربيته عمادها الحرية والاستقلالية الذاتية، مع إلزام الوالدين بالرعاية الكاملة لاطفالهم وتعليمهم وزرع حب الحياة الكريمة عندهم، واعتنى الاسلام بنظافة الاطفال وبيئتهم وتنمية عقولهم واجسامهم. كما عني الإسلام بكفالة الاطفال الايتام، ورعاية الاطفال مجهولي الهوية، ومنع تعذيبهم أو إساءة معاملتهم، ووضع الإسلام نظما مثالية لحماية الأم من التعرض للتعذيب او المعاملة اللانسانية في حالة سجنها، كما ضمن الحياة الكريمة للاطفال الجانحين والمعوقين. عمر بن ناصر العتيبي اللجنة الوطنية السعودية للطفولة