الإنسان منذُ ولادته يمرّ بمراحل متعدّدة من الطفولة إلى الشيخوخة، وكما نعلم أن لكل مرحلة متطلبات تمر فيها النفس البشرية حتى يصبح للفرد شخصيته المنفرد بها. تعتبر مرحلة الطّفولة المبكرة ما بين الولادة إلى سن البلوغ من أهمّ هذه المراحل في حياة الإنسان؛ ففي هذه المرحلة تتشكّل شخصيّة الطفل، فهي أشبه بقاعدة بناء لحياة الإنسان المستقبليّة. كذلك في هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى كثيرٍ من الأمان والطّمأنينة والرّعاية التي تسهم في منحه الثّقة بالنّفس وقوّة الشّخصيّة، وأن أي تقصير في هذة الجوانب يؤثر فيه. عرفت الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال (NSPCC) بأن العنف هو "أي سوء معاملة قد يضر بالطفل سواء، أكان جسديًا أو جنسيًا أو عاطفيًا، ويشتمل أيضًا على قلة الحب والرعاية والاهتمام". يعتبر العنف ضد الأطفال من أشد وأشهر أنواع العنف انتشارًا، حيث يؤثّر بلا شكّ في شخصيّتهم ومسار حياتهم. أساليب القسوة مع الأطفال تأخذ صورًا متعدّدة، فالعنف النفسي والمعنوي هو أكثر أنواع العنف إيذاء للطّفل؛ حينما يتعرّض للتنمر، أو يستغله بعض ضعاف النفوس، أو حينما يُمنع الطفل من ممارسة نشاطاته كبقية زملائه. كذلك حينما يُهجر الأبناء وتهمل تربيتهم إما للخادمة وإما لأحد الوالدين دون الآخر. وقد يتعرض الأطفال في سنوات الطفوله المبكرة للعنف الجسدي عن طريق الأسرة أو المدرسة على هيئة ضرب أو توبيخ، أو تكليف الطفل بما لا يطيق لينمو بعدها وهو يعاني عاهة نفسية. هذا العنف يولد أضرارًا ومخاطر جسيمة على الفرد والمجتمع، وينقص من قيمة الذات عند الأطفال. كذلك يسبب مشكلات عقلية كالقلق واضطرابات في الأكل والنوم ومواجهة كوابيس ومخاوف قد يُعاني منها الأطفال، فينشأون لديهم سوء التغذية وبُطء في النمو والتعلُّم، إضافة إلى إصابتهم بعديد من الأمراض والعُزلة وانخفاض التحصيل الدراسي. أضف إلى ذلك أنه يسهم على المدى الطويل في التمييز بين الأدوار الاجتماعية وانعدام المساواة بين الجنسين وازدياد الحقد والكراهية وكذلك الانتقام. نشرت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة 2006 تقريرًا يشير إلى تعزيز حقوق وحماية الأطفال، التي تنص على التصدي لأي نوع من أنواع العنف ضد الأطفال سواء داخل الأسرة أو المدرسة ودور الرعاية ومرافق الاحتجاز والأماكن التي يعمل فيها الأطفال، بالتالي لا يمكن تبرير أي عنف ضد الأطفال، فجميع أنواع العنف مرفوضة ويمكن منعها. في 2015 ذكرت منظمة اليونسيف في تقرير لها الإحصائيات الأخيرة عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأن 106 ملايين طفل يتعرضون إلى العنف المنزلي بمعدل 8 من كل 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين إلى أربعة عشر عامًا سنويًا. وكذلك يعاقب نحو 87 مليون طفل بمعدل 7 من كل 10 من الأطفال بالوسائل المادية. وكشفت هيئة حقوق الإنسان الإحصائيات الأخيرة لعام 2018، التي توضح المعدلات للحماية من أساليب العنف بنسبة 11. 11% بمجمل عدد 27 حالة. أيضًا هناك أسباب ودوافع للعنف ضد الأطفال، منها المشكلات الأسرية والضغوط النفسية، التي يعيشها أحد الوالدين، فبيئة الطفل قد تحث على الاعتداء على الأطفال، وتسمح بالإيذاء الجسدي واللفظي كجزء من التربية حتى يصبح اجتماعيًا مقبولًا لديهم كما يعتقدون. ومن المهم ألا ننسي الجانب الاقتصادي وتراجع الوضع المادي للأسرة، فالفقر وضعف الدخل والسَكن غير المُلائم وعدم تلبية المتطلبات الأساسية قد يعرض الطفل إلى العنف. الجدير بالذكر أن المملكة اهتمت وبشكل بارز في جميع المحافل الدولية بحقوق الطفل ومحاربة العنف بجميع أشكاله، حينما انضمت بدورها إلى اتفاقية حقوق الطفل المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1416، التي تنص على اتخاذ جميع التدابير لضمان حقوق الأطفال من جميع أنواع التمييز أو العقاب. إضافة إلى الاهتمام القائم حاليًا بإقامة مشروع لخلق منصة تتكفل بضمان سلامة الأطفال من جميع الجوانب لتضمن بيئة سليمة كفيلة ضد أي عنف قد يهدد سلامة الأطفال.