أمسكت قلمي وتناولت شيئا أبيض اللون مسطراً بلون أزرق فاتح بشكل مستقيم ومتوازي وبينهما مسافة تقاس بالملي متر عرفاً يطلق عليها «ورقة» مع عدد لا بأس به من مثيلاتها متناثرة داخل أروقة الغرفة، أطلقت العنان لمدادي فوق هذه الأسطر بحبر أسود من «الشال» عن كل شيء محاولاً الوصول للهدف. لكن باءت محاولاتي بالإخفاق متذرعاً باصطدامي بالواقع المرير، للتجربة الأولى عدت لأكرر المحاولة تلو الأخرى تمزيق ذلك المسمى مجازاً ورق إرباً إرباً هذا مصير من لم يكن مطيعاً. مددت يدي لخالقي يا رب سلم يا عالم السرائر وما تخفي الضمائر. دنوت إلى السرير وجلست بعد عناءٍ. شردت للحظات بحلم جميل ثم حان موعد دقات عقارب الساعة المنزوية في ركن مائلاً قليلاً عن منضدة مستديرة حمراء اللون . يآه إنها تشير إلى الثالثة والربع ؟!! بعد منتصف الليل السرمدي . وجفناي لم تذق طعم النوم منذ ليلة البارحة!! ماذا حدث؟؟ هل كنت صائباً أم غير ذلك؟؟ ودار في تلكم البرهة من الزمن ولحظاته فكري بالأسرار المؤلمة ماذا كان؟؟ اهتزت قوة صمودي أمام ما لم يكن بالحسبان وارتعشت أوصالي وانكماش الورقة في ليلة قارصة البرودة من ليالي شتاءٍ صحراوي صعب!! اصطكت رجلاي وجلست القرفصاء مبتعداً عن انكماش تلك الورقة العنيدة!! شبكت أصابعي لأصدر صوت فرقعة لهن!!! لأقتل وحشة السكون وللهروب من انكماش الورق فعدت لأحاول إعادتها لوضعها المفترض ممتدة على تلك المنضدة حمراء اللون ولكن للأسف تجمد الدم في عروق الأصابع جميعها!! بدأت أرتجف كعصفور ابتل جسده الضعيف المتهالك بالماء البارد!!! قبضت على أناملي بأسناني من شدة الصقيع!! ولم تعد تلك الأسطر للورقة الآنفة العناد كما كانت من قبل فأسطرها متعرجة وهيهات ان تعود إلى سابق عهدها!! دنوت من النافذة قليلاً وخلفي صوت «حرفشة» الورقة بعد تجميعها عشوائياً وطويها ككرة دائرية ركلتها بعيداً عني!! الظلام حالك!! وحفيف الهواء يبعث بأشجار الشارع التي هي الأخرى تجمدت بفعل الطقس!! لم أر شيئا أو أسمع سوى صوت مواء القطط!! داخل إحدى البراميل المركونة في زاوية الرصيف!! دمعة حزن تشاركني لحافي المتهدل من الزمن!! عدت لأدراجي حيث السرير ولم يقطع الصمت؟!! الرهيب سوى أنفاسي المتقطعة داخل القوالب الإسمنتية الأربعة؟!!! وعادت تلك الورقة بقوة إلى مكانها الآمن لتستريح من العناء في سلة مخروطية الشكل تدعى «مهملات» !!! وداعاً إلى غير رجعة غير آبه بالقلق والعناء المستمر بفعل هذه الورقة العجيبة!!!.