ورد في لسان العرب لابن منظور: الخدع: إظهار خلاف ما تخفيه، وخديعة وخُدْعة أي أراد به المكروه وختله من حيث لايعلم، والعرب تقول: خادَعْت فلاناً، إذا كنت تروم خدعه، وعلى هذا يوجه قوله تعالى: {يٍخّادٌعٍونّ پلَّهّ وّهٍوّ خّادٌعٍهٍمً..} [النساء: 142] معناه أنهم يُقدِّرون في أنفسهم أنهم يخدعون اللّه، واللّه هو الخادع لهم، أي المجازي لهم جزاء خِداعهم. يقول راجح (1972م) في كتابه «أصول علم النفس»: الغرض من السلوك هو ما يتصوره الفرد في ذهنه من غايات يقصد إلى بلوغها، أو يعزم على تجنبها، والغرض دافع شعوري يثير السلوك ويوجهه ويملي على الانسان الوسائل الملائمة لتحقيقه. هناك أنماط متعددة من السلوك يقوم بها الإنسان في حياته من بينها الخداع. والمخادع إنسان يظهر غير مايدور في خلده لهدف معين عنده يريد الوصول إليه، وقد يستخدم في خداعه وسائل متعددة قد تغري المخدوع على تصديق ما يرمي إليه المخادع. يقول الجاحظ في كتابه «الحيوان»: تصاد العصافير بأهون حيلة، وذلك أنهم يعملون له مصيدة، ويجعلون له سلة في صورة المحبرة التي يقال لها: اليهودية المنكوسة الأنبوبة، ثم يُنزل يترك في جوفها عصفور واحد، فتنقض عليه العصافير ويدخلن عليه، وما دخل منها فإنه لايجد سبيلاً إلى الخروج منها. فيصيد الرجل منها في اليوم الواحد المئين، وهو وادع، وهن أسرع إلى ذلك العصفور من الطير إلى البوم إذا جعلن في المصائد. ويقول الجاحظ أيضاً: وفي المثل: أن شيخاً نصب للعصافير فخاً، فارتبن به وبالفخ، وضربه ضرب الشيخ البرد. فكلما مشى إلى الفخ وقد انضم على عصفور، فقبض عليه ودق جناحه كسره ، وألقاه في وعائه دمعت عينه مما كان يصك يضرب وجهه من برد الشمال، قال: فتوامرت تشاورت العصافير بأمره وقلن: لابأس عليكن، فإنه شيخ صالح رحيم رقيق الدمعة! قال: فقال عصفور منها: لاتنظروا إلى دموع عينيه، ولكن انظروا إلى عمل يديه. وقد التفت إلى هذا المعنى الشاعر ديك الجن، وكان قد قتل زوجة ثم أسف عليها: يقول: قتلتها سفهاً وجهلاً وتبكيها بكاء ليس يجدِي كصياد الطيور له انتحاب عليها، وهو يذبحها بجدِّ ويقول أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها عضد الدولة: وَمَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبِّ جُوداً وَيَنْصِبُ تَحْتَ ما نثر الشِّباكا ويقول أيضاً في نفس القصيدة: إذا اشْتَبَهَتْ دُمْوعٌ في خُدُودٍ تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَباكى ويقول داكو في كتابه «الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث»: يعتبر المتباكي في نظر علم النفس إنساناً مخادعاً يظهر غير مايبطن، إما لإظهار مشاركته لمن حوله في أحزانهم، أو أنه يقوم بدور معين لغرض في نفسه. خاتمة القول: قال عصفور الجاحظ: «لاتنظروا إلى دموع عينيه، ولكن انظروا إلى عمل يديه». *الرياض: ص.ب 87416