يرسم العرض السعودي صورة لما ستجلبه عملية السلام لشعوب المنطقة.. فإسرائيل كانت تناضل من اجل الحصول على الاعتراف بها والاندماج في المنطقة العربية التي احتلت أجزاء منها بعد طرد سكانها العرب. واذا كان هناك شخص مؤهل للقيام بدور فاعل وداعم لهذه المبادرة فليس هناك من هو أفضل من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، وذلك بسبب ما حققه من سمعة طيبة وشهرة كبيرة باعتباره زعيما قويا ورجلا صريحا ومباشرا ونزيها ونظيف اليدين، هذا علاوة على الثقل الاقتصادي والسياسي والروحي الذي تمثِّله المملكة العربية السعودية، كما ان هذه المبادرة عربية ليست لأنها من بنات أفكار زعيم عربي فقط، ولكن لأنها يجب أن تحظى بموافقة ومصادقة العالم العربي عليها وهو ما قد يحدث في قمة بيروت. وتأتي مبادرة الأمير عبدالله في وقت حساس بالنسبة للفلسطينيين والاسرائيليين اذ ان الظروف ملحة وعاجلة، فالشعوب العربية ترى من واجبها مساندة إخوانهم في فلسطين وعدم الوقوف ساكنين لأن ذلك يمثل ضعفا وخمولا أخطر من القيام بفعل ما على حد تعبير الناقدين. وقد كتب أحد كتَّاب العمود الصحفي في صحيفة النهار البيروتية: (ليس لدينا فكرة عن امكانية تحمل الأمة العربية لعمليات المهانة الأخلاقية التي لا تنتهي والتي توجه للفلسطينيين منذ عام ونصف العام). وبالطبع سوف يؤدي ذلك الى جر الأمة العربية الى الحرب وسوف تؤدي عمليات التصعيد في الاراضي الفلسطينية الى التعجيل بيوم المواجهة العسكرية، ولن يستطيع احد التوقع بالظروف والشكل الذي ستتخذه هذه المواجهة سواء كان ذلك في شكل مخطط له أو حسب ما تمليه الظروف. وقد كان يقال ان الانتفاضة الفلسطينية سوف تتبدد وتتلاشى بدون المساندة العربية ولكن المقاومة الفلسطينية بدون هذه المساندة أبلت بلاء حسنا قدر استطاعتها، فقد نمّت قدراتها بطريقة دراماتيكية فاعلة بحيث اوقعت خسائر كبيرة بين صفوف الاسرائيليين، وليس من المبالغة القول انه خلال الاسبوعين الماضيين سددت المقاومة الفلسطينية ضربات موجعة لنظام الردع الاسرائيلي الذي يعتمد عليه نظامه الأمني. وكان ذلك بمثابة فشل ذريع لرئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون الذي لم يتبق أمامه سوى ارتكاب المزيد من العنف وفي حالة فشله في ذلك فانه سيلجأ الى محاولة الاطاحة بالسلطة الفلسطينية واعادة غزو اراضيها بالكامل حتى لو اضطر الى ترحيل الفلسطينيين الى الاراضي العربية المجاورة، وهذه الاساليب هي بمثابة الحلول الشارونية التي تدفع نحوها غريزته الشريرة، وهذا بالتأكيد سيكون وبالا على اسرائيل والمنطقة التي ستنجرف نحو حرب شاملة. وفي هذه اللحظة التاريخية الحرجة ومن قلب الخمول العربي والفوضى في المنطقة خرجت مبادرة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لإنقاذ المنطقة من ويلات الحروب. ولكن السؤال هو: هل يستطيع رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون التقاط هذه المبادرة؟ السعوديون يوضحون أن المبادرة ليست موجهة الى شارون او الى الحكومة الاسرائيلية، بل هي موجهة الى الشعب الاسرائيلي الذي يدرك فشل شارون في تنفيذ مطامعه الخاصة بإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى. وفي الوقت الذي وصلت فيه حدة العداء الشعبي العربي تجاه اسرائيل الى خروج الأمير عبدالله ببرنامج على الشعب الاسرائيلي يجعله ينقلب على رئيس وزرائه شارون جالب الكوارث في محاولة لاسقاطه. وبالفعل تفهم بعض الاسرائيليين ذلك وها هو المراسل الدبلوماسي لصحيفة ها آرتس يكتب موضحا: هذا هو الوقت المضبوط الذي يجب ان تلتقط فيه احزاب معارضة اسرائيلية مسؤولة هذا التحدي العربي وان تضعه علانية على قمة جدول أعمالها السياسي. وقد حظيت مبادرة الأمير عبدالله بمساندة فلسطينية وعربية، ولكن مضى وقت طويل منذ أن اظهر العرب في الماضي مثل هذا التضامن نحو الهدف، كما ان الاوربيين يفضلون المبادرة، كما أعلن الرئيس جورج دبليو بوش ان المبادرة نافذة للدخول الى صلب الأزمة العميقة. ولكن ما تحتاجه المبادرة هو التجاوب الايجابي من الإسرائيليين، وهذا بدوره يتطلب حلا سريعا للصراع الذي بدأ بين هؤلاء المستعدين لاعتناق الحل التاريخي الوسط الذي يقدمه الفلسطينيون والعرب وبين هؤلاء الرافضين الذين يستعدون لخوض حرب مدمرة للذات الى ما لا نهاية.