بدأت المخابرات المركزية الامريكية (CIA) ووزارة الخارجية في التودد بشدة الى جنرالات العراق الذين يعيشون في المنفى بأوربا والولاياتالمتحدة، وهم الجنرالات الذين ترى فيهم الولاياتالمتحدة مفتاحا للاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، وهذا ما أكده المسؤولون الامريكيون والمنشقون العراقيون. لقد زادت هذه العروض بدرجة كبيرة مما سبب ضيقا وتضجرا لدى بعض العاملين بوزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) وبعدما اعلن الرئيس بوش ان العراق وايران جزءان من (محور الشر) مع كوريا الشمالية صعّد المسؤولون الامريكيون حملتهم الكلامية البليغة، وفي الاسابيع الاخيرة التقى المسؤولون الامريكيون اثنين من الجنرالات العراقيين السابقين وهما فوزي الشمري الضابط الشيعي ونجيب صالحي قائد الحرس الجمهوري الاسبق. في لندن التقت هذه الاطراف مع حضور وفيق السماري رئيس المخابرات العسكرية السابق الذي هرب من العراق عام 1994م، وكان المقصود من هذه الاجتماعات استكشاف ما يمكن ان يفعله الضباط للمساعدة في الإطاحة بنظام صدام حسين والطريقة التي يرد بها الجيش على هذه الاطاحة. قامت المخابرات المركزية الامريكية بتصعيد اتصالاتها مع شخصية عراقية كبيرة اخرى هي نزار خزرجي الذي كان رئيس اركان الجيش والذي يعيش في المنفى في الدنمارك ويعتقد انه ما زال يحتفظ بعلاقات مع بعض الضباط داخل العراق، وقد قال بعض ضباط المعارضة ان صحيفة (الحياة) التي تصدر من لندن ذكرت ان خزرجي كان المرشح البارز على رأس القائمة الامريكية التي ضمت اكثر من 55 ضابطا عراقيا منشقا كي يقوم بدور (قرضاي العراقي) وفي ذلك اشارة الى حكومة حامد قرضاي المؤقتة التي تحظى بتأييد الولاياتالمتحدةالامريكية، وإن الضباط الموجودين في القائمة الامريكية جميعهم من المسلمين السنيين. هذا وقد انكرت الخارجية الامريكية وجود هذا التقرير قائلة انه سابق لأوانه، ولكنها وصفت هذه اللقاءات بأنها حاسمة بالنسبة لجهودها نحو توسيع قاعدة المساندة للاطاحة بالنظام الذي تعارضه ثلاث ادارات فمن المؤكد ان اي تغيير في النظام يجب ان يعتمد على العناصر العسكرية الموجودة بالداخل وذلك على حد قول مسؤول بوزارة الخارجية لم يفصح عن هويته. ومع هذا فإنه ليس كل فرد يرى الحكمة في عروض وزارة الخارجية الامريكية والمخابرات المركزية، فالشقاق ليس امرا مدهشا في ظل معطيات تاريخ عدم الاتفاق بين وزارة الخارجية الامريكية والبنتاجون (وزارة الدفاع) حول كيفية اتخاذ اجراء بشأن العراق. ويشكو ناقدو البنتاجون من ان المفاتحات الاخيرة تقوض المساندة للكونجرس (المؤتمر) الوطني العراقي وهو عبارة عن مجموعة معارضة تلقت دعما ماليا امريكيا قدره 12 مليون دولار، وفي اوائل شهر يناير قطعت الخارجية الامريكية دعمها المالي عن المؤتمر الوطني العراقي معلنة ان المنظمة لم تكن قادرة على تقديم بيان عن ملايين الدولارات التي استلمتها. وبعد عدة اسابيع استؤنفت عمليات سداد الاموال بعد ان وعدت المنظمة بتحسين وتطوير حساباتها، ويتمتع المؤتمر الوطني العراقي بمساندة ملموسة داخل الكونجرس الامريكي ووزارة الدفاع (البنتاجون) ولكن غالبا ما يلقى الاحتقار من وزارة الخارجية الامريكية والمخابرات المركزية. وقد ذكر ريتشارد بيرل الذي كان مسؤولا في ادارة ريجان حيث خدم كرئيس لمجلس سياسة الدفاع في البنتاجون «ان ما رأيته في الاسابيع الاخيرة هو مجهود يائس من خصوم المؤتمر الوطني العراقي.. واعتقد ان ذلك امر أحمق قصير النظر». ويخشى بيرل ان ترسل جهود الخارجية الامريكية والمخابرات المركزية رسالة غامضة الى الاقليم، ويضيف بيرل: (يبدو ان ذلك الامر مسبب لضرر كبير ويخلق حالة من الفوضى). وتصل المناقشة والجدل الى قلب النزاع القائم منذ زمن طويل بشأن الطريقة التي تتم بها بلورة السياسة المناهضة للعراق والتي لم تسجل نجاحا منذ انهاء حرب الخليج عام 1991م. ولسنوات طويلة عمل المؤتمر الوطني العراقي الذي هو مظلة اسمية للمعارضة العراقية كمركز للجهود الامريكية الرامية الى خلع صدام حسين، كما أن أحمد شلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي يمثل شخصية تتمتع بالجاذبية والفعالية والنفوذ المؤثر، ولكنه داخل المعارضة العراقية المنقسمة يظل شخصية مسببة للشقاق والخلاف حيث يصفه منتقدوه، بأنه شخصية استبدادية متعجرفة، ويصفه مؤيدوه الامريكيون بأنه الزعيم المحتمل لفترة ما بعد صدام في العراق، ولكن بوصفه مسلماً شيعياً مثل الكثيرين من خصوم صدام في جنوبالعراق فإنه غير قادر على تجنيد وتعبئة ضباط من الجيش الذي يسيطر عليه المسلمون السنيون، وإن علاقاته مع الجيش محدودة بسبب غيابه الطويل عن العراق، فقد ترك العراق عام 1958م، وقد ذكر مسؤول سابق في وزارة الدفاع (ان المؤتمر الوطني العراقي لديه نفوذ مؤثر حول المدن الصغيرة وفي بعض الدوائر في البنتاجون وعند بعض اعضاء الكونجرس الجمهوريين، ولكن ليس لديه مكانة في مجتمع الاستخبارات أو الدولة)، وقد صرح بوجهة النظر هذه ادوارد اس ووكر الذي راقب وأشرف على منطقة الشرق الاوسط بوزارة الخارجية إبان ادارة كلينتون حيث قال ووكر (إن المؤتمر الوطني العراقي عاجز عن فعل أي شيء فالمؤتمر الوطني العراقي ليس ممثلا لجبهة معارضة عريضة وقد اخترقته المخابرات العراقية، وقد شاهدت ذلك في التقارير التي اطلعت عليها، كما ان هناك مجموعة هامة من المعارضين العراقيين الذين لا يريدون الانطواء تحت قيادة المؤتمر ومع هذا فإن المؤتمر يحتفظ بمؤيديه وأنصاره خاصة بين صفوف الصقور في البنتاجون من أمثال نائب وزير الدفاع بول ولفوويتس الذي رسم خطة اشبه بخطة افغانستان التي تجمع بين قيام القوات الامريكية بأعمال القصف مع مساعدة القوات الامريكية للمعارضة وسوف تؤسس الحكومة في الاراضي المنزوعة عنوة من صدام حسين، وسوف يتم تشجيع جيش صدام على التمرد ضده، ويضيف ولفوويتس قوله: لا أعتقد انه يتوجب علينا هزيمة الجيوش الصدامية حيث انني اعتقد ان جيوش صدام سوف تهزم صدام نفسه. ومع هذا هناك ثلة من الاشخاص من خارج البنتاجون يقولون ان المؤتمر الوطني العراقي يمكن ان ينجز هذه المهمة في الاسابيع الحالية، وقد قام مسؤولون من وزارة الخارجية الامريكية وبعض المسؤولين الآخرين بزيادة جهودهم من اجل حشد وتعبئة المساندة من جنرالات العراق، فالجنرال الصالحي كان قائدا كبيرا في الجيش والحرس الجمهوري وقد هرب من العراق عن طريق مناطق الاكراد في الشمال عام 1995م ولذلك فقد حظي هذا الجنرال باهتمام امريكي واسع، وتصف وزارة الخارجية الامريكية الاتصالات معه بأنها تتم بصفة منتظمة نوعا ما، ومن ذلك اللقاء الاخير الذي استمر لمدة ساعة، ويؤكد مسؤول عراقي معارض: (ان هناك لقاءات تمت قبل هذا اللقاء الاخير، ولكن في خلال الاسبوعين الماضيين او الاسابيع الثلاثة الاخيرة كان الامريكيون اكثر جدية من قبل، فهم يحاولون بناء مؤتمر وطني عراقي آخر، فالجيش العراقي به اغلبية شيعية ويسيطر عليه المسلمون السنيون ويسيطرون ايضا على الخدمات الأمنية، وينظر الجميع الى صالحي بوصفه حلقة وصل مع كبار الضباط). وقد ذكر صالحي انه اكتشف نغمة جديدة في التعامل مع الادارة الامريكية حيث قال لصحيفة (جلوب) انه سمع كلمات مشجعة من الادارة وقد وعد بحضور الاجتماع الذي تسعى الخارجية الامريكية الى تنظيمه في اوربا خلال هذا الربيع، وسوف يجتذب الاجتماع بعض ضباط الجيش العراقي السابقين. ومن الشخصيات العراقية المهمة الاخرى السماري الذي انتقل الى لندن منذ خمس سنوات، ويقول السماري: انه تقابل مع مسؤول امريكي ودبلوماسي في السفارة في شهر يناير لاجراء مباحثات تركزت على طريقة تجاوب الجيش العراقي مع التغيير.. قد أرادوا معرفة كيفية النظر الى الجيش العراقي بعد رحيل صدام. ومن المعتقد ان خزرجي يحظى بمساندة المخابرات المركزية الامريكية CIA، ومن المعروف ان خزرجي هرب الى الاردن عام 1996م، ويقول المنشقون العراقيون أنه كانت هناك خطوة لإحضاره الى الولاياتالمتحدة بعد احداث 11 سبتمبر ولكن هذه الخطط تعثرت بسبب وجود تحقيق في الدنمارك بسبب وجود ادعاءات عن جرائم حرب شاهدها خزرجي ومن ذلك استعمال الغازات السامة ضد الاكراد في حلبجة عام 1988م وقد أنكر خزرجي المسؤولية قائلا ان صدام حسين وابن عم له هما اللذان اصدرا الاوامر باستخدام هذه الغازات. ويقول مسؤولون امريكيون انهم ما زالوا مهتمين بما يمكن ان يفعله خزرجي، وبالطبع هناك سبب للاعتقاد في وجود اتصالات له داخل العراق، وهذا هو مصدر قوته، فهل هذا يعني انه سيكون قرضاي القادم؟ ويجيب على هذا السؤال ويتلي برانر الرئيس السابق لمركز المخابرات المركزية في بغداد: (لا اعني ذلك) هذا على الرغم من أنه التقى خزرجي في أوائل هذا العام بمنزله في كوبنهاجن.