ماذا يجري في هذا الزمن.. أهو الزمن ذاته الذي يقف فيه الرجل على حافة قبر أحدهم قائلاً.. يا ليتني كنت مكانك. ماذا يجري.. في هذا القرن النازف والبادي بالألم ومهد الجوع. ماذا يجري.. وأنت في كل برهة تشاهد الوجوه المكدودة والأيادي الناحلة والصراعات القبلية والعرقية وتراث الدم والكوارث والقهر.. وكأن التاريخ هنا منذ بداياته. إنه الزمن الذي يرغمنا على اختيار الانطواء بدرجة الابتئاس. إنه الزمن الذي يقف فيه الأب وسط وابل من الرصاص قد قصد نتوءات جمجمته البارزة من الفقر في سبيل الحصول على شربة ماء لأولاده الذين فروا من كعوب البنادق.. بل من أفواهها! أي افتراس ينتظر الإنسان في الخارج.. وكأننا لا نحيا لغير ضوء الرصاص. إنه زمن ساكن النسيم.. غامر الفجر.. مطرق الرأس.. في محاجره دموع كثيرة تستنفدها الوحدة ويستذرفها الفراق. إنه زمن مزقت فيه الطلقات سكون الليل. إنه الزمن الذي ظل فيه التاريخ مرهقاً تحت وطأة المدافع والمطر الصاروخي.. لكنه حين يفيق تراه رث الهيئة زري السحنة يتعثر في الجثث الملقاة على قارعة الطريق وعلى حافة مذابح القدس الشريف وبين أجساد أطفال الخليل ودير ياسين وبين أودية سيناء وتحت سقف الأممالمتحدة ومؤتمرات السلام التي أطلق فيها الحمام الأبيض إلى عنان السلام مئة مرة ولم تعد بفعل فاعل وتدبير مدمر. إنه الزمن الذي لا يهتم بالعواطف والقصائد والشعارات والأهازيج وظل يتأرجح بين المواقع الدموية والخطب العصماء. إنه الزمن الذي وضع الحضارات فوق جماجم الشعوب. إنه الزمن الذي ستفخر فيه المرأة بأن حقيبتها اليدوية قد صنعت من جلد إنسان بعد أن كانت من جلد حيوان مفترس، لو علم بأن جلده المسلوخ سيتحول إلى حقيبة نسائية لدعا ربه إني مظلوم فانتصر ولدعا ربه غير مرة أن يكون من المنقرضين. إنه الزمن الذي جاء فيه العيد مخاطباً: حضرت ولم أجد أحداً!! إنه زمن الإطاحة بالثمار تحت ذريعة تحديث الشعوب وعولمة المدن. إنه زمن كتابة نص الغزو بحذاقة. إنه زمن المناخ الدموي الذي يُطيح بالكريم مقابل البخيل ويُطيح بالروحاني لمصلحة الانتهازي. .. إنه زمن اصطفاف القراصنة.. وزمن قصائد المراثي وروايات الموتى وقصص البكائيات. إنه زمن محاصرة الشعوب واغتيال العدل. إنه زمن أصبح فيه الموت هو المثل الأعلى.. واعتبار الإنسان حشرة هو اللغة السائدة. إنه زمن أصبح فيه طعام الماشية أفضل بكثير من طعام البشر. إنه زمن الرقص على الدم. راضي المصارع الشمري - حائل