يوم العلم رمز السيادة والانتماء    رابطة مشجعي مانشستر يونايتد "قلقة" من عواقب الملعب الجديد    جمعية أضواء الخير توزّع أكثر من 5,000 وجبة إفطار صائم    بطولة "مدرك" الرمضانية.. رياضة تنافسية ورسالة توعوية بجازان    بتوجيه من سمو ولي العهد.. المملكة تستضيف محادثات بين أمريكا وأوكرانيا في جدة    أمير تبوك يستقبل رئيس مجلس بلدية معان بالمملكة الأردنية الهاشمية    أمير تبوك يدشن حملة "جسر الأمل"    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفروعها تحتفي بيوم العلم    نائب أمير تبوك يوم العلم مناسبة غالية تمثل مصدر فخر ورمز للتلاحم والوحدة الوطنية    الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تعتمد زمالة جراحة الأذن وأعصابها وقاع الجمجمة الجانبي    تعليم جازان يحتفي بيوم العلم بفعاليات تعزز قيم المواطنة والانتماء    باحثات سعوديات يدرن مركز الترميم والمعالجة بمكتبة المؤسس    غرفة المدينة تنظم منتدى"المستقبل المستدام للحرمين الشريفين"    بيولي: النتائج تختلف عن الأداء في النصر    "الحواسي" يستعرض مع قيادات تجمع القصيم الصحي فرص التحسين والتطوير    أخصائي شؤون طلابية: احموا المدارس من العدوى    تعاون بين دي إم جي إيفنتس و Messe München لإقامة معرض IFAT في المملكة العربية السعودية عام 2026    البرلمان العربي يرحب باتفاق اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية السورية    أوكرانيا تثني على بداية "بناءة" للمباحثات مع الولايات المتحدة في السعودية    وزارة الداخلية توضح محظورات استخدام العلم السعودي    أمير المنطقة الشرقية: مجتمعنا يتميز بالتكاتف والتعاضد    هطول أمطار في 7 مناطق.. والشرقية تسجل أعلى كمية ب 6.2 ملم في حفر الباطن    نمو اقتصاد اليابان بمعدل 6ر0% خلال الربع الأخير    مساعد رئيس مجلس الشورى تستعرض أمام لجنة المرأة بالأمم المتحدة مسيرة تمكين المرأة في مجلس الشورى ومشاركتها بصنع القرار    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين قرارَ حكومة الاحتلال الإسرائيلي قطع الكهرباء عن غزة    الاحتلال قطع الكهرباء ودمر محطات المياه ومنع إدخال المساعدات.. تحذيرات أممية من جوع وإبادة جماعية في غزة    25 شهيدا وجريحا في القطاع خلال 24 ساعة    18 % ارتفاع الحاويات الصادرة    العلم السعودي.. احتفاء برمز الوحدة والفخر    بلادي عزيزةٌ.. وأهلها كرامٌ    مواصفات العلم السعودي عبر التاريخ    البسامي يراجع خطط القطاعات الأمنية المشاركة بالحرمين    في إياب ثمن نهائي نخبة آسيا.. الأهلي لتأكيد التأهل أمام الريان.. والهلال لتخطي باختاكور    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول الأوفر حظاً للتأهل.. وليفركوزن يحتاج معجزة    تحت رعاية سمو ولي العهد.. مؤتمر مبادرة القدرات البشرية يناقش تسخير الإمكانات للتنمية    فخامة رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    جيسوس: لا مجال للخسارة    الفوزان إخوان.. وهَبات من الخير    بلدية النعيرية تطلق فعاليات رمضان يجمعنا في نسختها الثالثة بمقر بسوق الأسر المنتجة    يوم العلم والكشافة السعودية    هل تنسحب أمريكا من حلف الناتو    جمعية الدعوة بأجياد توزع أكثر من 4000 مصحف مترجم على ضيوف الرحمن خلال العشر الأولى من رمضان    دبلوماسية الحرمين في أرض النيلين    هل تخدعنا التفاصيل؟    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    لقد عفوت عنهم    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    الخليج وصيف الدوري السعودي الممتاز لكرة الطاولة    التاريخ الشفهي منذ التأسيس.. ذاكرة الوطن المسموعة    أمير حائل يكرّم طلاب وطالبات تعليم حائل الفائزين بجائزة "منافس"    250 مظلة متحركة بساحات المسجد النبوي    %90 مؤشر الرضا عن أمانات المناطق    أمسية شعرية في ثلوثية الراحل محمد الحميد    مبادرة مواطن تحيي بيش البلد    أبو سراح يطلق مجلس التسامح بظهران الجنوب    محافظ الطائف يُشارك أبناء شهداء الواجب حفل الإفطار    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    8 طرق لاستغلال شهر الصوم في تغيير النمط الغذائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أولى أمسيات النشاط الثقافي
ندوة تكريم الشيخ عبدالله بن خميس تتناول سيرته الثقافية د. الضبيب: الجيل الذي ينتمي إليه ابن خميس كان جيلاً عصامياً د. أسعد: هناك أماكن أخرى في حياة الملك المؤسس وردت في كتابات ابن خميس ضمن ما كتبه عن بعض الأعلام الجغرافية
نشر في الجزيرة يوم 25 - 01 - 2002

من النشاط الثقافي لمهرجان الجنادرية، أقيمت مساء أمس أولى أمسيات المهرجان بقاعة الملك فيصل للمحاضرات وذلك بندوة الشيخ عبدالله بن خميس، والتي تناولت شخصيته ونتاجه الأدبي وسيرته الثقافية من خلال أوراق عمل الندوة التي شارك بها:
أ.د. أحمد بن محمد الضبيب.
أ.د. أسعد سليمان عبده.
د. عبدالرحمن بن صالح الشبيلي.
وقد أدار هذه الأمسية سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الاستاذ خالد بن حمد المالك.
خالد المالك
د. أحمد الضبيب
د. أسعد عبده
د. عبد الرحمن الشبيلي
تحدث في البداية د. أحمد الضبيب وقال:
إن الحديث عن الأديب عبد الله بن خميس هو حديث عن الجيل الذي ينتمي إليه.. جيل الرواد في بلادنا السعودية، جيل استمد مكوناته الفكرية من تراث أمته الإسلامية العريض والعميق، وقام تكوينه في الدرجة الأولى على أساس متين من العلوم الشرعية فحفظ القرآن أو معظمه اطلع على كتب التفسير والحديث، وأخذ بقسط وافر من علوم الفقه، وكانت اللغة العربية بثرائها العظيم وتجلياتها المتعددة كتاباً مفتوحاً أمامه، بعد أن درس متون نحوها وصرفها، وغاص في أعماق معجماتها، واغترف من معينها الصافي، فاتصل بديوانها الشعري الغني الممتد منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وتتلمذ على أعاظم شعرائها، وعلى كبار كتابها، وتشبع هذا الجيل بتاريخ الأمة فوعى أحداثها، وراقب مسيرتها، وأدرك موقعها بين الأمم، فبهرته انتصاراتها، وأعجبته بطولاتها، وتغنى بانجازاتها، وهزته هزائمها وجرحته انتكاساتها.
وأدرك هذا الجيل أن بلاده تحتل موقعاً متميزاً في الثقافة العربية، ومكانة لا ينافسها عليها أحد في وطنه العربي، ذلك أنها مهبط الوحي ومتنزل الكتاب الكريم، وموطن الرسالة، وموئل العلم والعلماء، ومستودع التراث العربي القديم لكل العرب.
ووجد أن مظاهر طبيعتها، من جبال ووديان وسهول ومناهل، تتردد أسماؤها في كتب الأسلاف، ويتشوق إليها المعاصرون، يحاولون استجلاء غموضها وأسرارها بمحاولة تحديد أماكنها، فرأى من واجبه أن يعود إلى هذه الأماكن بالبحث، واستشعر أن عليه واجباً لا يقوم به سواه ألا وهو الوقوف على كتب الجغرافية العربية التي تحدثت عن مواضع هذه الجزيرة ودراستها، ومحاولة وصفها وصفاً جديداً، يقوم على المشاهدة والتحري واستعمال الوسائل العلمية الحديثة.
وإلى جانب ذلك أحس هذا الجيل بمشكلات مجتمعه منذ البداية، وقد أدرك هذا المجتمع وهو يفيق من غفوة طال مداها، بعد أن أيقظه عبد العزيز من نعاسه، وفتح له آفاق الحياة المعاصرة، فكان على هذا الجيل أن يختط لنفسه في الكتابة طريقاً سوية، تواكب البناء، فسخر فكره وعقله وموروثه وخبرته في سبيل نهضة تحفظ لبلاده أصالتها، وتحثها على التقدم بخطى سريعة نحو المستقبل، فكانت مشاركاته الصحافية والفكرية صدى لما يعتمل في صدره من شوق للاصلاح، وتوق إلى التطوير.
كان هذا الجيل الذي ينتمي إليه ابن خميس جيلاً عصامياً، اعتمد على خالقه، أولاً ثم إلى جهوده الذاتية وامكاناته المحدودة، لم توفر له من الوسائل ما تنعم به الأجيال الحاضرة. كان طعامه الكفاف، ومسكنه بيوت الطين أو الحجر وسراجه ذبالة من الجاز ليست لديه المراكب الفاخرة ولا الوسائل المتطورة، وكانت الطباعة في بلاده محدودة، ولم يكن الحصول على مصادر المعرفة من كتب ومجلات متيسراً بسهولة، كتب ما كتب بيده ونسخ ما نسخ بقلمه، ولم يكن لديه من التقنيات المعاصرة ما يساعده على الكتابة أو الحفظ أو الاسترجاع.
كانت ذاكرته المدربة هي مستودع الحفظ وأداة الاسترجاع.
هذه المرحلة التي تحدثنا عنها هي مرحلة التكون والتفتح والمشاركات المبكرة لدى رائدنا الكبير الشيخ عبد الله بن خميس، وهي المرحلة التي بنيت عليها أسس هذه الريادة، فالبذور الأولى التي بذرت في هذه المرحلة هي التي نمت وبسقت وأينعت في السنوات اللاحقة.
لعلك الآن وقد وصفت لك بيئة التكون والتفتح قد أدركت مصادر ثقافة ابن خميس ومواردها، ووصلت معي الى النتيجة التي وصلت إليها في رسم الخطوط العامة لشخصية الشيخ الفكرية، وهي أنه عربي مسلم واسع الثقافة، معتز بأصالته الى حد كبير، ومنفتح على ثقافة عصره، مهموم بهموم أمته ومشغول بقضايا وطنه، مستقل برأيه معتد به، ولعلك أدركت معي أيضاً أننا ازاء شخصية تتسم بالموسوعية وتعدد الاهتمامات الفكرية، تتداخل لديه المعارف والخبرات، ومع ذلك، ومن أجل تحديد بعض المؤشرات العامة في المسيرة الأدبية الطويلة لابن خميس فإننا سوف نتناول منها أربع نقاط هي:
1 ابن خميس الشاعر.
2 ابن خميس كاتب المقالة.
3 ابن خميس الباحث.
4 ابن خميس الناقد.
ابن خميس الشاعر
لعلنا نستطيع التأريخ للمحاولات الشعرية المنشورة الأولى لعبد الله بن خميس بسنة 1366ه عندما القى قصيدة في مدرسة دار التوحيد بين يدي الأمير عبد الله الفيصل ونشرتها أم القرى بعنوان وأصبحت رمزاً في مقدم نهضة وذلك في العدد رقم 1163 بتاريخ 22/7/1366ه / 31/6/1947م. كما ألقى خارج المدرسة وبين يدي الملك عبد العزيز في الحوية قصيدة نشرتها أم القرى في عددها المرقم 1229 بتاريخ 28/11/1367ه (1/10/1948م).
أما على مستوى النشر في دواوين فإن أول ديوان أصدره هو ديوانه على ربى اليمامه الذي صدر في طبعته الأولى سنة 1397ه أي بعد ما يقارب الثلاثين عاماً مما نشر له في أم القرى، ثم صدر ديوانه الثاني بعنوان الديوان الثاني سنة 1413ه. اذا حسبت هذه المادة بين بداياته الشعرية الأولى المنشورة وسنة اصداره الديوان الأول مع ما تلاحظه من حجم الديوان الصغير نسبياً أدركت أن الشعر لم يكن وسيلة مهمة للتعبير عند ابن خميس، فالشعر لا يلح عليه دائماً، ولا يكون هاجساً من هواجسه، ولقد كان ابن خميس واضحاً وصريحاً ورائعاً أيضاً عندما تحدث عن علاقته بالشعر فيما يشبه الاعتراف في مقدمة الديوان الأول فقال: وإذا كان لي أن ألتمس لنفسي عذراً تجاه الشعر، وما عسى أن أكون قد قصرت فيه.. فهو أنه لم يعطني إلا بمقدار ما أعطيته، ولم يواتني إلا بمقدار ما واتيته فالشعر صعب الانقياد، شموس المواتاة.. له طقوس يؤثرها وأجواء يحلق فيها، ودوافع ودواعٍ يأنس بها ولها، فإلى جانب الملكة والاستعداد الفطري فلابد أيضاً أن يكون الجو مهيأ لمنادمته، والمجال صالحاً لمناغاته. وما هكذا كنت معه فلقد أعْزُبُ عنه زمناً طويلاً، وأعيش في غير موكبه حقبة، وتكون أسفاره عني بمنأى ونديه عني بمحال، ثم تأتي خاطرة عجلى، أو دافع طارئ، أو مناسبة ملحة، فأعاوده فيأبى، وأداعبه فيتمنع، وأغازله وأفاكهه ولم أزل به حتى يعطيني بعضه، وينفحني برفد ضئيل ومد قليل. وما هكذا لو كنت معه على عهد، ومع معطياته على وعد، أحوم دائماً حول ورده، وأتعهد مغناه، ولا تنقطع صلتي بسوحه، واذا لكان بي حفيا، وكان عطاؤه سخياً، ولكنه، وهذه معاملتي معه، يقارضني مقارضة، ولا يعطي إلا بقدر ما يأخذ، على أنني والحالة هذه أكتفي بما أخذه مني وما أخذته منه، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، (1)، ويذهب ابن خميس إلى أبعد من هذا بقوله في مناسبة أخرى متحدثاً عن نفسه: عَشِق الشعر ورواه وغنى به وحفظه ولما ينتصف العقد الثاني من عمره، ثم حدثته نفسه بقرض الشعر فأطاعها وظل ردحاً من الزمن يستجيب لدواعي الشعر فينظم، وتوحي إليه نفسه بأن قد أجاد وبلغ مبلغ الشعراء، فدفع بشعره إلى الصحف فوجد من يقول له أحسنت، فمضى ينظم وينشر وقد تواتيه الاجادة لو يتابع محاولاته، فقد يكون لديه بصيص من الملكة الشعرية، ولكنه ترك الشعر أو تركه الشعر حينما دخل معترك الحياة العملي.. ولم يكن ما بلغ درجة الرضا عنده من هذا الشعر ليستحق أن يستقل بديوان فرأى أن ينشره تباعاً على صفحات المجلات، ويرجو أن يعتبر ما ينشر في هذه الصحف على علاته هو الشعر الذي يعترف به لنفسه، أما ما عداه فشعر طفولة وضحولة ولو حظي بعطف فإنه ورم لا شحم وسراب بيباب (2).
والواقع أن احساس الشيخ المرهف بتفاوت شعره وعدم اطمئنانه إلى جودة بعضه، يتحدث عنه في أكثر من مناسبة وهو بذلك يدل على صدق أصيل، ونفس تواقة إلى التجويد، متطلعة إلى المستوى الأفضل دائماً.
فإذا تركنا موضوع الاقلال في النتاج الشعري المنشور وتفاوت نصوصه، وبحثنا في الموضوعات التي طرقها ابن خميس وجدناه ينطلق في معظم ما نظمه من شعر من منطلقات ثلاثة: المنطلق الوطني، والمنطلق القومي، والمنطلق الإسلامي، ويدخل ضمن المنطلق الأول ذلك الشعر الذي لا يفتأ يعبر به ابن خميس عن هيامه ببلاده طبيعة وتاريخاً ورموزاً، يتبدى ذلك في كثرة وصفه لمظاهر الطبيعة في المملكة بصورة عامة، وفي اليمامة على التحديد. وفي مدائحه لملوك الدولة وأمرائها، ورثائه لعظمائها واشادته بمشاريعها، ودعوته للاصلاح والتقدم، والوسطية الدينية وترك التزمت والانحلال ومن ذلك قوله:
لهفي على الإسلام من متزمت
جعل الديانة ذلة وجمودا
أو من شباب جاءه متأخراً
بخلاعة يدعونها تجديدا(3)
أما المنطلق الثاني فقد استأثرت معظم موضوعات قصائدة بقضية العرب الأولى، قضية فلسطين وقد خصص لها ثمانية من القصائد في ديوانه الأول على ربى اليمامة وقصيدتين في ديوانه الثاني، لكن ذلك لا يمثل كل ما قاله ابن خميس في فلسطين، فقد كانت فلسطين حاضرة في معظم وطنياته وقومياته واسلامياته، وهو فيما انتجه من شعر يتعلق بالأمة العربية دائم الاحساس بما منيت به من ضعف وتقهقر وهوان:
عجبي من أمة قد أنجبت
خيرة الدنيا وفخر الحقب
أسلمت من مجدها ما أسلمت
وتمطت في يباب مجدب(4)
أما المنطلق الثالث في عالم ابن خميس الشعري فهو المنطلق الإسلامي، وهو يتخلل معظم قصائده التي يدعو فيها الى ترسم الهدي النبوي، والاعتزاز بالتراث الإسلامي، والافادة من تاريخ هذه الأمة، وترك الجري وراء الناعقين من مفكري الشرق والغرب، وفي أوقات كان المد الماركسي فيها يكتسح بعض بلدان المنطقة ويظهر في كتابات أدبائها، كان ابن خميس يتصدى لذلك من منطلقه الاسلامي:
شرفي ما عشت أني مسلم
نسبي هذا وهذا مذهبي
لست من (بكين) استوحي الهدى
إنما أبغي الهدى من يثرب(5)
أو يقول:
حكموا الدستور عن قرآنهم
واصطفوا لينين بغياً دون طه
أمة تَزْوَرُّ عن اسلامها
لسراب غيره تبت يداها
لقبت اسلامها رجعية
شاه وجه البغي والعدوان شاها
خلها في غيها سادرة
كيف تهدي من هواها في شقاها(6)
تلك هي المنطلقات التي يصدر عنها نتاج ابن خميس الشعري وتسيطر عليه. أما الموضوعات التي نظم فيها فان معظم قصائده يمكن أن تندرج ضمن شعر الوصف، ولعل من المفيد أن نتوسع في اطار هذا الشعر فلا نقصره على وصف الطبيعة والديار وهو الموضوع المحبب لابن خميس وانما نجعله شاملاً لوصف حال الأمة وما تعانيه من ذل وظلم وهزيمة وما كان يسمى في السابق من شكوى الزمان والحال، أو بكاء المدن والبلدان العربية أو نحو ذلك، أما شعر الفخر فان أمتنا في هذا العصر لم تفعل شيئاً تفخر به على صعيد الانجاز الحضاري، ولذلك فان ابن خميس لا يفتأ في كثير من وطنياته وقومياته يفخر بالماضي وبالأسلاف، محاولة منه لاستنهاض الهمم وبعث الحياة في الرمم. وقد نظم ابن خميس إلى جانب ذلك في أكثر أغراض الشعر كالمدح والرثاء والاخوانيات، أما شعر الغزل فقد أفرده في ديوانه الأول بقسم دعاه وجدانيات أو عبث الصبا وكأنه بذلك يتبرأ منه بعد سن الكهولة، أو يصمه بالنزق غير المستحب.
والواقع أن الباحثين في شعر ابن خميس الغزلي يختلفون من حيث كونه شاعراً معدوداً في شعراء الغزل أم لا. ولعل أول من تطرق إلى هذه النقطة الدكتور بكري الشيخ أمين الذي قسم الشعراء الغزليين في المملكة إلى ثلاثة أقسام، وجعل ابن خميس مثالاً للقسم الأول الذي يعرض شعراؤه عن النظم في فن الغزل ويأبى أن ينقل على لسانه قصيد فيه، اعتقاداً منه أن ذلك يهبط بمقام الرجال، أو لأن مركزه في المجتمع يفرض عليه أن يكون جاداً.. أو لأن أفراد هذا الفريق لم يحبوا حباً قوياً يكفي لتفجير الشعر الغزلي في قلوبهم (7).
أما الدكتور محمود رداوي، في كتابه عن ابن خميس وآثاره الأدبية، فيعرض لهذه النقطة من خلال ما لاحظه من تقسيم بعض الكتب المدرسية لشعراء الغزل في المملكة إلى ثلاث فئات ناقلة دون أن ينتبه الرداوي كلام بكري الشيخ أمين. وبعد أن يورد نماذج من شعر ابن خميس الغزلي يصفه بانه شاعر الغزل السعودي من الطراز الأول وليس من الصنف الأول الذي يقرؤه طلبة الثانوي في كتبهم المدرسية (8).
ولعل خير من درس هذه النقطة بعمق الدكتور بدوي طبانة، الذي رأى أن شعر ابن خميس يصف المرأة الجميلة لكنه لا يصف المرأة الحبيبة، كما لاحظ أن نفس ابن خميس في شعر الغزل قصير قصراً ملحوظاً اذا ما قورن بشعره في الأغراض الأخرى، وخلص من ذلك إلى القول بأن ابن خميس لا تجد له بين شعراء الغزل والنسيب إلا مكاناً ضيقاً محدوداً ، ومهما يكن من أمر فإن ابن خميس لا يضيره ذلك فهو من شعرائنا الذين لمعت أسماؤهم وبرزت أعمالهم، وهو من أقدرهم في الوطنيات والقوميات، وما يناسب الحماس واستنهاض الهمم، لما يمتاز به من صوت شعري جهير، وتعبير لغوي جزل، ومخزون تراثي عميق.
ابن خميس كاتب المقالة
تعد كتابة المقالات الاجتماعية من أبرز اسهامات الشيخ عبد الله بن خميس، وقد جمعها في كتابه فواتح الجزيرة الذي صدر سنة 404/1984م.
وبوبها في خمسة أبواب هي:
1 جروح وقروح يا فلسطين.
2 في حقل الاقتصاد.
3 تهيئة الجو لاصلاح المجتمع.
4 الدعوة إلى العمل.
5 تكوين الشخصية.
أما الباب الأول فهو موضوع كان ابن خميس فيه صوتاً متميزاً لكل عربي مسلم يأبى الضيم ويستنكر الظلم، ويتوق إلى حصول هذه الأمة المنكوبة على أقل حقوقها، في قضيتها المزمنة التي طال فيها انتظار العرب، وكثر فيها اخفاقهم، بفعل سياسات خاطئة، تمزقهم وتشرذمهم، وتسلط قوى الشر والظلم عليهم. ومقالات ابن خميس في هذا الموضوع تفيض بالعاطفة المشبوبة التي تنبع من حرقة وألم يشعر بهما الجميع، وهو يرى تشجيع المقاومة وجمع الأموال لها، وتسليحها، ويتعجب من هذا البلاء الذي حل بهذه الأمة فلم تعد تشعر أو تحس، ولم تعد قادرة على الحركة للأخذ بالثأر، واسترداد المسلوب من كرامتها. يقول في احدى هذه المقالات: لا أدري ما هو المهماز الذي سوف يحرك وجداناتهم، ويوقظ ضمائرهم ويستثير حميتهم.. اذا لم تكن هذه النكبة كافية لذلك.. وما هو هذا الدم السكسوني الذي خالط دمهم، وجعل الأحداث تضرب منهم حديداً بارداً ودماً صارداً.. بينما أسلافهم استثارهم صوت امرأة ظلمت فحردت فصاحت.. (9)
أما مقالاته في حقل الاقتصاد فهي تعرض لأفكار عملية، القصد منها النهوض بالحياة الاقتصادية وحسن الاستفادة من ثروات البلاد، ووجوب استصلاح هذه الثروات، واستثمارها داخلياً بدلاً من تسربها الى الخارج، وتكوين اقتصاد قوي تركن إليه البلاد بعد الله عند نضوب النفط. ومن أفكاره التنويرية وجوب الاهتمام بالعلم الذي يطور اقتصاد البلاد، ويجعلها في مأمن من الاعتماد على الآخرين، وفي مقال له يرى أن الزيت لم يحدث تحولاً جذرياً في تقوية الاقتصاد وحماية الصناعة المحلية فهو يقول: ففتحنا بلادنا للأسواق الأجنبية، ولم نضع حداً لما تنتجه بلادنا وما لا تنتجه، وما يمكن أن تؤمنه فنحميه ونشجعه وننميه، وما لا يمكن فنأخذ منه بقدر لا بل ترك ما كان على ما كان (10)، وفي مقال آخر بعنوان وجهوا ثروتنا القومية يستعرض ما تقوم به الدول الناهضة من جهود لحماية اقتصادها القومي، ثم يصف ثروة هذه البلاد فيرى أنها ثروة عفوية أشبه ما تكون بثروة اغنياء الحرب، وصلت الى كثير من الايدي بطرق المصادفة والحظ، ولم يكن لاجتذابها من ايدي الآخرين اثارة من علم اكتسب به، ولا حذق تجاري جلبها.. فهي مضطربة مرتبكة تتأثر بأدنى اهتزاز، وتترنح لأوهى سبب، ومآلها الى التلاشي والاضمحلال(11) ويستعرض بعد ذلك اوجها من الانشطة التجارية، ويعقب على ذلك بالطلب من الحكومة ان تلتفت لفتة صحيحة.. لاننا نريد اصلاح اقتصاد مرتبك، في امة غير متعلمة كثرت الثروة في ايديها، واذا لم تستعمل في الخير والطرق النافعة استعملت في الشر، ثم كان مآلها النضوب والاضمحلال(12). ومن افكاره اللافتة للنظر في هذا المجال دعوته الى تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد والحفاظ على ثروة البلاد، ومهاجمته سياسة السوق المفتوحة فهو يقول: ان نظرية حرية المال وترك الناس يتصرفون بأموالهم كيف شاءوا نظرية بالية، تلجأ اليها حكومة عاجزة عن التصرف، او امة بلغت من الوعي والادراك في عموم شعبها ما يجعلها تأمن تصرفاته، وتطمئن الى حنكته وتجاربه، ومع ذلك فقد ماتت هذه النظرية، ونحن لا حكومتنا عاجزة، ولا شعبنا بلغت به الحنكة والفقه المالي ان تترك له الحبل على الغارب يتصرف كيف شاء(13) ويتضح في هذا القسم من الكتاب اهتمام بنهضة الزراعة، التي يعدها ابن خميس مصدر الامن الغذائي المطلوب لهذه البلاد، ويرى ان الاستيراد قد طغى حتى قضى عليها(14).
ولاشك ان الحديث سيطول بنا لو حاولنا الاشارة الى افكار ابن خميس الوطنية التنويرية في هذا الكتاب والتي تتناول جوانب مهمة من حياتنا، من اقتصاد واجتماع وتربية وادب وسلوك، وبيئة خلال فترات كانت المملكة فيها تمر بمرحلة البناء وتكوين البنية التحتية، وما رافق ذلك من طفرة مالية اقترنت بها سلبيات عالجها الكاتب بروح وطنية خالصة مخلصة، كان فيها واضحا صريحا غير مجامل ولا موارب.
اما اسلوب ابن خميس في هذه المقالات فهو اسلوب واقعي عاطفي جزل متدفق يستعمل فيه كثيرا من الادوات المساعدة على ايضاح الفكرة كالاستمداد من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وأبيات الشعر والامثال، الى جانب استعمال المجاز استعمالا واسعا والاكثار من العبارات ذات الطابع الانشائي.
ابن خميس الباحث
للشيخ عبد الله بن خميس نتاج غزير في البحث الادبي، كان له في معظمه قصب السبق والريادة، ويمكن ان تقسم بحوثه الى ثلاثة اقسام ادبية وتاريخية وجغرافية وسوف اقصر حديثي هنا على اهم اعماله البحثية الادبية اذ ان اعماله التاريخية والجغرافية قد تتناول من قبل زملاء آخرين، وان كان من الصعب كما أسفلنا ان نضع حدودا وفواصل بين اعمال ابن خميس لكونها تصدر عن ذات واحدة، امتزجت داخلها معارف وخبرات وتجارب يصعب الفصل بينها.
ان اول كتاب بحثي لابن خميس فيما اعلم هو كتابه: الادب الشعبي في جزيرة العرب الذي صدر سنة 1387ه هو كتاب رائد بحق فهو اول كتاب تطرق الى الشعر النبطي في الجزيرة العربية دارسا لتاريخه ونشأته، وخصائصه، واغراضه وتصويره للبيئة وعلاقته بلهجات الجزيرة العربية، الى جانب الحديث عن معانيه، وادواره واوزانه، وأدواته البلاغية وما اصابه من ترف لفظي وبديعي.
يبدو ابن خميس في هذا الكتاب محبا لهذا اللون من الشعر، متذوقا له تمام التذوق، حريصا على تدوينه والمحافظة عليه، ولقد حاول الشيخ التأكيد على ان هذا الشعر سليل او قسيم للشعر الفصيح لا يختلف احدهما عن الآخر الا باللغة، وذلك تطوير وتوسيع لرأي خالد الفرج الذي اشار اليه في مقدمة ديوان النبط(15)، ورأي الدكتور طه حسين الذي نشره في بحثه عن الحياة الادبية في جزيرة العرب فقال: وهو اي الشعر الشعبي كما اسماه في موضوعاته ومعانيه واساليبه مشبه كل الشبه للأدب العربي القديم الذي كان ينشأ في العصر الجاهلي وفي القرون الاولى للتاريخ الاسلامي، ذلك لأن حياة العرب في البادية لم تتغير بحال من الاحوال (16) بل ان ملاحظة ذلك قد سبقت هؤلاء بزمن ابعد، فحين نشر المستشرق سوسين في بداية القرن العشرين الميلادي مجموعة من الشعر النبطي اشار الى ان هذا الشعر يعد امتدادا مباشرا للشعر العربي القديم في الموضوعات والشكل واللغة(17).
ومع ان من الطبيعي ان يكون الشعر النبطي شبيها بالشعر الجاهلي القديم من بعض الوجوه المتعلقة بالنظم وبعض المعاني والاغراض، بسبب الظروف الجغرافية والاجتماعية المتشابهة الا ان من الصعب وضعه ندا للشعر الفصيح، كما استنتج طه حسين، سواء في العصر الجاهلي او عصور الازدهار الادبي العربي.
كان جهد الشيخ عبد الله بن خميس في دراسة العلاقة بين هذا الشعر والشعر القديم اصيلا مستوعبا، بسط الحديث في فصول متعددة، وعالج هذه العلاقة من خلال دراسة اغراض الشعر، وتصوير البيئة، والمعاني المطروقة في هذين النوعين من الشعر والتفت الى الالوان البلاغية في الادب العربي وعرض ما يماثلها في شعر النبط وحاول حصر اوزان هذا الشعر بعد مقارنة بعضها ببحور الشعر الفصيح وأكثر من الأمثلة والشواهد.
بعد اصدار كتابه الرائد عن هذا الشعر تابع الشيخ اصدار المؤلفات في هذا الحقل مثل كتابه عن راشد الخلاوي وكتابه اهازيج الحرب او شعر العرضة، وكتابه الرابع بعنوان رموز من الشعر الشعبي تنبع من اصلها الفصيح ولعله آخر كتاب صدر له في هذا المجال.
ويعد كتاب راشد الخلاوي كتابا رائدا ايضا كشف به الشيخ عن شخصية شاعر من اقدم شعراء النبط، حيكت حوله الاساطير والحكايات فحاول ابن خميس تمحيص تلك الاخبار، والحكم عليها الى جانب انه درس شعره من خلال بعض موضوعاته كالحكمة، والوصف، كما تحدث عن معلوماته الفلكية التي قعَّد بها كما يقول ابن خميس قواعد ووضع مقاييس وخطوطا عامة يستطيع مستوعبها ان يلم إلماما واسعا بهذا العلم (18).
ولعل مما يميز هذا الكتاب انه احتوى على قدر طيب من نصوص هذا الشاعر التي قد لا توجد في غير هذا الكتاب(19).
ومع ان الشيخ كان وما زال متحمسا للشعر النبطي الا ان من الحق ان نقول ان حماسه ينصرف الى الشعر النبطي القديم الذي صور الحياة في الجزيرة العربية قبل عصر النهضة الحديثة، لذلك فهو يتحفظ على النماذج الشعرية الحديثة منه، فهو يقول: ربما جاء قوم يقحمون لغة الفن، والصناعة والازياء، وما يتعالم به المتعالمون، ويتنطع به المتنطعون، مما خطفوه من لغات الاقوام في شعرنا الشعبي فيجيىء بغليا لا طعم له ولا رائحة.. وهذا الجانب يجعلنا نتحفظ في احتضان الشعر الشعبي فعصر الثقافة والعلم والتدريس والبحث في هذا العصر يقلل من قيمة الشعر الشعبي، التي نلحظها في عصور مضت ليس ثمة ما يحفظ تاريخها ويكشف معمياتها سوى ما يمدنا بها الشعر الشعبي، الى جانب ما فيه من اواصر وثيقة تربطنا بلغتنا الفصحى وادبنا الخالد(20).
ابن خميس الناقد
ان المتحدث عن جهود الشيخ عبد الله بن خميس في النقد سوف يجد ضالته في كتاب جمع فيه معظم نتاجه النقدي ذلك هو كتابه من جهاد قلم في النقد ففي هذا الكتاب جمع الشيخ جملة من المقالات التي نشرها في الصحف او المجلات في هذا الموضوع واذا كان الشيخ قد تناول في بعض هذه المقالات بعض الكتب الصادرة في المملكة بالنقد والتقويم فانه في كثير من المقالات قد وقف رادا على من انتقدوا كتبه أو خالفوه في آرائه.
ان معظم الكتب التي نقدها ابن خميس هي كتب تاريخية او جغرافية وقليل منها ينتمي الى المجال الادبي بمعناه الضيق، فمن الكتب التي نقدها:
كتاب خمسون عاما في جزيرة العرب للشيخ حافظ وهبة و تاريخ البلاد العربية السعودية للدكتور منير العجلاني، و شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز لخير الدين الزركلي وكتاب الرياض عبر أطوار التاريخ للشيخ حمد الجاسر. ومن الكتب المحققة كتاب لمع الشهاب وكتاب عنوان المجد لابن بشر، وكلاهما من تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، وكتاب بلاد العرب للغدة الاصبهاني تحقيق الشيخ حمد الجاسر وغير ذلك.
اما فيما يخص الادب فلم اجد في الكتاب نقدا لديوان شعري او دراسة ادبية وما جاء في الكتاب مما يتصل بالابداع لا يتعدى الردود على ناقدي بعض كتب الشيخ سواء في الادب الفصيح كالرد على ناقد كتابه الشوارد او في الادب الشعبي كالرد على ناقدي كتابه من احاديث السمر وبعض من خالفه الرأي في بعض قضايا الشعر النبطي.
وابن خميس في نقده للكتب التاريخية والجغرافية يصدر عن علم جم، وبصيرة نافذة في المادة التي يتناولها فهو يصحح ويقوّم، ويدلي بحجج يرمي بها الى اثبات وجهة نظره ولاشك ان نقده لهذه الكتب يضيف اليها والي الحقل كثيرا من الفوائد.
واسلوب ابن خميس في نقده والرد على من خالفوه موضوعي في اغلب الاحيان يعتمد فيه كثيرا على مخزونه المعرفي الديني واللغوي والتراثي وعلى سبيل المثال اذا التمس له الناقد ملاحظة لغوية خطأه فيها استخدم الشيخ ما يستطيع من تسويغ لاستعماله اللغوي، معتمدا على شواهد الفصل والوصل والذكر والحذف والاساليب البلاغية، وما اثر عن العرب من استعمالات او ما ورد في اللهجات القديمة، وشواهد ذلك كله متوافرة في كتب التراث تجد ذلك في رده على الدكتور محمد السليمان السديس عندما نقد السديس كتابه من احاديث السمر (21)، وفي نقاشه مع عبد القدوس الانصاري عندما كتب عن كتابه المجاز بين اليمامة والحجاز»(22)، وقد يعنف احيانا اذا آنس من مخالفه محاولة للتخطئة مقصودة، او اشتم نية للتحدي، وفي هذه الحالة يلجأ للسخرية والتهكم، وتسفيه رأي المخالف وتجهيله كما نجد في رده على منتقد كتابه «الشوارد»(23)، وقد يلجأ الشيخ الى الرد على الناقد بنقد مقاله ليبين له جواز الخطأ عليه، وانه ليس بمعزل عنه وانك لتجد امثلة على ذلك في ردوده على محمد السديس(924، وعبد الستار الحلوجي(25)، والطريف ان الحلوجي اورد في نقده اربع غلطات لغوية، فرد عليه ابن خميس باستخراج سبع غلطات لغوية من هذا النقد وعقب عليه بقوله: «هذه سبع غلطات لغوية في بحثك، اخذتها على رؤوس الثمام، وصادفتني عرضا وانا اتصفحه.. وما ابرىء نفسي، ولكني اقول: هلا التمست لاخيك عذرا قبل ان تلزمه بأربع غلطات في كتاب لئلا يلزمك بسبع غلطات في مقال(26).
وبعد فإن الشيخ عبد الله بن خميس رائد جليل له من الاعمال الادبية والاسهامات الفكرية مالا يمكن ان يحاط به في دقائق محدودة، وحسبنا اننا تحدثنا في هذه العجالة عن مسيرته الادبية في اهم مظاهرها، تاركين للدارسين المتخصصين دراسة التفاصيل الكثيرة والغنية في هذه المسيرة وانهم لواجدون منها الكثير.
جغرافيا ابن خميس
ثم بعد ذلك ألقى د. أسعد عبده ورقته التي خصصها عن اهتمامات ابن خميس في الجغزافيا فقال:
شرف كبير لي ان أشارك في هذه الأمسية، التي يكرم فيها المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الاستاذ الكبير/ عبدالله بن محمد بن خميس العلم والرائد في أكثر من مجال، ومن ذلك مجال جغرافية المملكة العربية السعودية.
* الموضوع:
سأحاول في كلمتي المتواضعة هذه إلقاء شيء من الضوء على جانب من أعماله الجغرافية التي أهمها كتبه: (المجاز بين اليمامة والحجاز) و(معجم اليمامة) و(معجم جبال الجزيرة) إضافة إلى مقالات نشرها في صحف ومجلات ثقافية، وبحوث في مجلة «العرب» ومحاضرات ألقاها في جامعات وغيرها.
* الأعلام الجغرافية محور اهتمامه الجغرافي:
محور اهتمام ابن خميس في كل انتاجه الجغرافي هو (الاعلام الجغرافية) يدرسها في (المجاز بين اليمامة والحجاز) على امتداد الطريق من الرياض إلى مكة المكرمة متأثرا بكتاب (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار)، لرائد دراسة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية محمد بن بليهد رحمه الله الذي درس الأعلام الجغرافية على امتداد الطريق من جدة إلى الرياض (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار/ج2/ص137179) ويدرسها في كتابه الجغرافي الثاني في منطقة اليمامة أما في (معجم جبال الجزيرة) فيدرس نوعا واحدا فقط من الأعلام الجغرافية، هي الجبال، ومنطقة الدراسة في هذا المعجم هي كل الجزيرة العربية، والأعلام الجغرافية هي أيضاً موضوع كل أعماله الجغرافية الأخرى من مقالات وبحوث ومحاضرات.
* طريقته في دراسة الأعلام الجغرافية:
التزم ابن خميس في دراسة الأعلام الجغرافية بأمور معينة، بينها في مقدمة (المجاز بين اليمامة والحجاز/ط3/ص9)، حيث قال: «أحدد مكان العلم، وأضبطه بالشكل، وربما بالحرف، وأصفه وصفا موجزاً وأورد جل ما قيل فيه من شعر ان وجد، وأورد ما ذكره عنه علماء المنازل والديار كله أو جله... وأشير إلى الخلاف في التسمية أو التحديد، وأورد ما قيل فيه من الشعر الشعبي مما يصل إلى علمي، وأبين أين يقع هذا العلم بالنسبة لديار القبائل قديما وحديثا غالبا، وأشير إلى ماوقع فيه أو حوله من أحداث، أو قصص، أو آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية، أو آثار، أو أخبار.. وأذكر ما كان مرادفاً له، وما حدث في اسمه من تحوير أو تأثير.. كل ذلك على وجه الأغلب والأشمل.
أي ان ابن خميس ألزم نفسه الإجابة على أول أسئلة الجغرافي عند دراسة المكان، وهو سؤال (أين؟)، كما ألزم نفسه الإجابة على ثاني أسئلة الجغرافي، وهو سؤال (كيف؟)، كذلك ألزم نفسه النظر إلى المكان نظرة شمولية، تتضمن ذكر معلومات متنوعة عن المكان.
إضافة إلى تلك الالتزامات، وضع ابن خميس في كل كتاب من كتبه الجغرافية، فهارس متنوعة، بعضها ملحق وان سمي فهرساً، احتوى الجزء الأول من «معجم اليمامة» مثلا على فهارس جاءت في أكثر من مئة صفحة.
وجاء ضمن الفهارس في هذا الكتاب قائمة «المصطلحات الجغرافية»، وهي ذات قيمة للجغرافيين.
ويتصف تعريف المصطلحات في هذه القائمة بالاختصار، إلا ان ابن خميس قد يفصل في تعريف مصطلح من المصطلحات عند الحديث عن علم جغرافي، عرف (الخابية) مثلا في قائمة (المصطلحات الجغرافية) تعريفا مختصراً بقوله: «هي الروضة يكون لها جيوب ومخابئ في الرمال» (معجم اليمام/ج1/ص648) وفصل في تعريفها تحت مادة (التَّنْهَاة)، حيث ذكر ان هذه الروضة «يتخللها من الشمال سواق تفضي إلى رياض صغيرة تسمى (الخوابي) جمع خابية، وهي مستقر الماء، والروضة الصغيرة لاترى إلا من قرب، فكأنها مختبئة.. بها ما بالروضة الأم من شجر ونبت وجمال.. تمدها هذه السواقي بما تفيضه عليها مياه الروضة.. وتزيد هذه الخوابي وهذه السواقي وهذه الحبال الرملية تتخللها.. تزيدها متعة وجمالاً..» (معجم اليمامة/ج1/ص206).
كما احتوت بعض كتب ابن خميس على مصورات جغرافية (خرائط) تعد إضافة أخرى إلى ما التزم به، وذات فائدة للقارئ.
والوفاء بهذه الالتزامات، والإضافة إليها هو ما أعطى أعمال ابن خميس الجغرافية مالها من أهمية، عند المثقفين وعند الجغرافيين المتخصصين.
* غير متخصص في الجغرافيا:
لم ينتج ابن خميس ما أنتجه في مجال الجغرافيا بحكم تخصصه الجامعي، وإنما بحكم شعوره بالمسؤولية تجاه بلاده، وحبه لجزيرة العرب ولغتها وتراثها؛ هذا الحب هو الذي جعله شغوفا بالتجوال في البلاد، وهو الذي ولد لديه القدرة على البحث الجغرافي على الطبيعة وفي صفحات الكتب، وجعله يستمتع بما بذله ويبذله من جهد في البحث والكتابة، بل جعله يزهد في كثير من المغريات ويتفرغ للعلم والثقافة، ويثابر على بذل الجهد في هذا المجال، مما أدى إلى هذا الإنتاج الوفير.
ومما يعبر عن حبه لجزيرة العرب، وعن ميوله الجغرافية، وعن نظرته إلى المكان نظرة شمولية، قوله في (معجم اليمامة/ج1/ص13) وعلى الرغم من انني منذ شدوت وأنا أعشق من جزيرة العرب مغانيها، وأتشوق سهولها، وأحن إلى مرابعها ومراتعها، وأحب جبالها ووهادها ولا تشبع لي عين فيها من نظر، ولا أذن من خبر، جعلت التجوال فيها هواية ودراسة، والوقوف على أطلالها ودمنها شوقا، أتمثل قول شاعرها وأمثاله:
إذا أنتَ لم ترعَ العهودَ لمنزل
فلسْتَ براعٍ حقَّ أهل المنازلِ
هذا العشق لبلاده جعله يركز على دراسة جغرافيتها، كتب عن (اليمامة)، وعن الأعلام الجغرافية التي بين اليمامة والحجاز. وعند ما عبر حدود المملكة إلى الخارج، في كتابه (معجم جبال الجزيرة)، بقي في داخل حدود الجزيرة العربية.
* عشقه بلاده جعله يعجب بليلى:
وحينما تطلع إلى نهضة في بلاده، مثل تلك النهضة الموجودة في بلاد أخرى، كتب (شهر في دمشق)، ولم يذهب إلى أبعد من دمشق إلا من خلال حديثه عن الجيولوجية الألمانية (سناف) أو (ليلى) التي جاءت لتبحث عن المياه الجوفية في أواسط نجد، ويقارن ماتتحمله تلك الفتاة الغربية من مشاق في بلاد غريبة، مع ابن الجزيرة العربية المتخرج من الجامعة أو المدرسة ويريد ميدانا «هينا لينا.. وأن يكون المكتب مؤثثا تأثيثا فخما وان تكون المرتبة عالية..» يقضي الليل في سهرة طويلة «في منادمة الورق ومناغاة الأرق..» (المجاز بين اليمامة والحجا/ط3/ص102 104). يتفاعل مع بعض ماينشر.
قد يتفاعل ابن خميس مع ما تنشره الصحف، فيما يقع ضمن اهتماماته الجغرافية، ومن ذلك ماكتبه عن (مزاليج) قائلاً:«ولما نشر عن اكتشاف النفط.. في حقل (مزاليج)، أحببت أن أعطي القارئ الكريم إلمامة موجزة عن (مزاليج) هذه».
ثم يقول: إن «الخبر الذي نشر في صحفنا قد حلى (مزاليج) بالألف واللام، وهو غلط لغوي، (فمزاليج) علم كمحمد وخالد وسعد، ولايجوز دخول الألف واللام عليه». (من جهاد قلم في النقد/ ج1/ص329332).
* ابن خميس والجمعية الجغرافية السعودية:
حضر ابن خميس الحفل الذي أقامته الجمعية الجغرافية السعودية مساء يوم الخميس 20/11/1391ه بمناسبة الموافقة على إنشائها، وارتجل كلمة قال فيها: «مرحبا بالجمعية الجغرافية السعودية، وإن كنا قد استبطأناها... ومن المؤسف ان هذه البلاد.. لاتزال فيما يتعلق بالجغرافيا، وبعلوم جزيرة العرب، عالة على الآخرين.. ولكن إن شاء الله سنصل إلى ماكنا نؤمله ونريده..».
وابن خميس هو صاحب فكرة ان تقوم الجمعية بجمع ما احتوته كتب «المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية» في موسوعة واحدة. وقد تمكنت الجمعية بفضل من الله، ثم بدعم سخي من صاحب السمو الملكي ولي العهد، وصاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض، تمكنت من تنفيذ هذه الفكرة.
* الأماكن في حياة الملك عبدالعزيز:
يلقي ابن خميس محاضرات ثقافية عن أعلام جغرافية في المملكة ومن ذلك محاضرته بعنوان «الأماكن الجغرافية في حياة الملك عبدالعزيز» التي ألقاها مساء يوم الأحد 27 من ذي الحجة 1417ه بقاعة المحاضرات بمكتبة الملك فهد الوطنية، في إطار الموسم الثقافي لدارة الملك عبدالعزيز لذلك العام. ومما جاء في هذه المحاضرة.
«عاش الملك عبدالعزيز رحمه الله في رياض اليمامة الغناء فترات طويلة، قضاها في ربوعها ومعالمها وأعلامها، حينما تزدهر وتزداد نضارة، وتتبرج حسنا وجمالا.. لقد عشت مع الملك عبدالعزيز في رحلاته في (التنهاة) و(خريم) و(الخفس) و(البجادية)، ولقد كان لي فيها ذكريات..» واشتملت المحاضرة على وصف للروضات، ولمخيم الملك عبدالعزيز، وجدوله اليومي، ومجلسه، واستقبالاته لوفود تأتيه من داخل المملكة ومن خارجها، ومنها استقباله نوري السعيد، الذي كانت طائرته أول طائرة استقبلتها (روضة التنهاة). (جريدة «الرياض»8 ذو الحجة 1417ه).
وإضافة إلى ماذكر في هذه المحاضرة، فإن هناك أماكن أخرى في حياة الملك المؤسس، وردت في كتابات ابن خميس ضمن ما كتبه عن بعض الأعلام الجغرافية. من ذلك ماذكره في «المجاز بين اليمامة والحجاز» من ان في (مويه هكران): «.. قصر بناه الملك عبدالعزيز رحمه الله وغالبا مايبيت على هذا الماء في ذهابه أو إيابه للحجاز أو منه بالسيارات، قبل عهد الطائرات» (المجاز بين اليمامة والحجاز/ط2/ص190).
* الملك عبدالعزيز جغرافياً:
كتب ابن خميس في (معجم اليمامة /ج1/ص444) ان ثلاثة من أبناء الملك عبدالعزيز رحمه الله خرجوا من مخيمه في (خريم) للقنص، وكانوا صغاراً، ولما جاءوا عند (الدويدات) تعطلت سيارتهم، فبعثوا مرافقا لهم راجلا للمخيم من أجل إسعافهم فلما وصل وجد الملك عبدالعزيز على أحر من الجمر، فلما أخبره بما حدث، سأله الملك رحمه الله «هل هم في (دويدات السرو) والا في (دويدات جهام)» فبهت المرسول لأنه لم يكن يعرف هذه من تلك، وتلعثم، وقال: «فيهن كلهن»، فضحك الملك، وأمر بإسعافهم في الحال.
* مصادره ومراجعه:
ونسأل عن مصادر معلومات ابن خميس ومراجعه التي اعتمد عليها في انتاجه الجغرافي، فنجد أنها: مادونه من معلوماته الخاصة، وجمهرة مراجع جغرافية جزيرة العرب، وما تلقاه من الرواة مشافهة أو نقلا.. وما جمعه من معلومات في رحلات ميدانية (المجاز بين اليمامة والحجاز /ج3/ص9) ويورد ابن خميس في كل عمل من أعماله، مصادر معلوماته والمراجع التي رجع لها.
* أسلوبه:
كتب ابن خميس انتاجه الجغرافي بأسلوب أدبي ساد عند أدباء جيله، كما بينت دراسة محمود رداوي التي عنوانها (الريادة والشاعرية في رحلات ابن خميس).
يصف ابن خميس الطائف بقوله: «ينداح على منبسط من الأرض فسيح، تطرزه الهضاب الحمر، وتتخلله الأودية الخضر، وتنبسط فوق أرضه حصباء مرجانية متألقة.. أنى اتجهت في سهوله وسفوحه وجدت متنزها..» (المجاز بين اليمامة والجاز /ج3/ص255).
ويقترب أحياناً إلى حد ما من الأسلوب العلمي، فيقول عن (علية) مثلا أنها «تكوين عظيم، فارع، ممتنع.. وهي وان كانت داخل (جبل طويق)، إلا أنها مفصولة عنه من جهاتها الأربع بفجاج، تجعلها تتربع وحدها وتشرف على ماحولها متعالية متأبية ساخرة.. فهي تشرف على (سهول الخرج) العربية، وترى هذه الهضبة منها كأنها عارض يملأ الأفق، وتشرف على (وادي نساح) من الجنوب، وتشرف على (وادي نعام) و(الحريق) و(أسفل الحوطة) من الشمال، وتشرف على أودية (الجفير) و(مرقان) و(المجهولة) و(حنيظلة) من الناحية الغربية...» (معجم اليمامة) /ج2/ص175176).
* يأخذ القارئ معه:
وعندما وصل في (المجاز بين اليمامة والحجاز /ج3/ص229 230) إلى جبل «الخلص» وقلعة «مشرفة» التي بجانبه، خاطب القارئ، وكأنه يمسك بيده وهو يخاطبه، قائلاً: «أريدك.. ان تقف حيث هذا الجبل، وهذه القلعة، ولا تكلف نفسك أكثر من خطوات يسيرة تخطوها معي... وستجد نفسك مدفوعا لتسلق هذا الجبل المتطامن.
* رأي أدبي من خلال معلومة جغرافية:
يقول ابن خميس: «إذا استقر بصرك بعد ان تجيله في هذه المناظر، فدعه يقف عند هضبة جرداء شماء فارعة، لونها أحمر يميل إلى الكمتة، هذه تسمى (الشظيا)... قف متأملا وقل شعرا، وان لم تستطع فقله هاذيا على طريقة خوارج الشعر في شعرهم الذي يسمونه (حرَّا) وماهو بحر (معجم اليمامة/ج2/ص177).
وبعد: فإن ابن خميس وأمثاله من الرواد في مجال الجغرافيا وغيرها، ثمرة من ثمار جهود هذه الدولة المباركة، التي رعتهم منذ عهد الملك العبقري عبدالعزيز، رعاية علمية تربوية، في دار التوحيد بالطائف، ثم في كلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة، ثم واصلت رعايتها لهم ولغيرهم، وشجعت الالتحاق بدور العلم في داخل البلاد وخارجها، وقامت وتقوم بتقدير العاملين المخلصين وتكريمهم.
جهوده في الصحافة
ثم بعد ذلك ألقى د. عبدالرحمن الشبيلي ورقته التي تحدث فيها عن جهود ابن خميس في مجال الصحافة والإعلام فقال:
ستظل المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية تعترف بالفضل لجهود حمد الجاسر وعبد اللّه بن خميس في نشأة الصحافة والطباعة فيها.
ففي ذي الحجة سنة 1372ه «أغسطس 1953م» ، أصدر حمد الجاسر «مجلة اليمامة» وهي أول مطبوعة صحفية في هذه المنطقة، مطبوعة في بداية الأمر في القاهرة، ثم بادر مع مجموعة من المثقفين والمستثمرين إلى إنشاء شركة الطباعة والنشر الوطنية «مطابع الرياض» التي أنتجت أول إصداراتها في سنة 1374ه .
ثم نهض عبد اللّه بن خميس لإصدار المطبوعة الصحفية الأهلية الثانية، وهي «مجلة الجزيرة» الشهرية الأدبية والاجتماعية التي ظهر عددها الأول في ذي القعدة سنة 1379ه «أبريل 1960م»، وكان هو صاحب الامتياز ورئيس التحرير، وقد صدر بينهما مجلتان حكوميتان هما: مجلة الزراعة «ذو الحجة 1374ه» ومجلة جامعة الملك سعود «ذو القعدة 1377ه».
واستمرت هاتان المطبوعتان الصحيفتان الأهليتان في الصدور حتى اليوم بعد أن تحولتا من صحيفتين يملكهما صاحبا الامتياز إلى مؤسستين عملاقتين يشارك في ملكيتهما مجموعة كبيرة من المثقفين والمستثمرين، وأصبحتا تنشران مجموعة أخرى من الإصدارات الصحفية والثقافية، وصار لكل واحدة منهما مطبعة خاصة بها.
والتزاماً بعنوان هذه المشاركة وموضوعها، فإنها ستتطرق إلى العناصر الستة الآتية:
إصدار هجر في الأحساء.
الجزيرة: المجلة ثم المؤسسة.
عضوية المجلس الأعلى للإعلام.
أحاديثه الإذاعية.
مطابع الفرزدق.
كتاباته الصحفية.
أيها الإخوة والأخوات:
من المؤكد أن عبد اللّه بن خميس كان سعيداً وهو يرى الجريدة السعودية «الأم» أم القرى تنشر شيئا من إنتاجه الشعري المبكر الذي كتبه في مناسبات مختلفة، وهو ما يزال دون الثلاثين من العمر طالباً في دار التوحيد بالطائف، وأن يحظى وزميله الطالب عثمان بن إبراهيم الحقيل بالسلام على الملك عبد العزيز سنة 1367ه ، وأن يلقيا في حضرة جلالته قصيدتين بهذه المناسبة، والمعتقد أن تلك القصائد كانت أول تجربة لنشر إنتاجه الفكري في الصحف «الأعداد 1129، 1157، 1163، 1229، 1238».
وقد ذكر لي عمران بن محمد العمران أن ابن خميس كان منذ أواخر الستينيات الهجرية وأوائل السبعينيات يكتب، بين حين وآخر، في جريدة البلاد السعودية التي كان عبد اللّه عريف يرأس تحريرها، وذكر الدكتور عبد اللّه الوهيبي في مقال نُشر له عن عبد اللّه بن خميس في كتاب النهضة الأدبية في نجد لحسن الشنقيطي «صدر عام 1370ه» أن له قصائد نُشرت في تلك الفترة في جريدة المدينة المنورة، ثم ذكر حمد الجاسر في ذكرياته الصحفية التي نشرها في مجلة العرب أن عبد اللّه بن خميس قد أشرف أثناء دراسته في كلية الشريعة بمكة المكرمة على إعداد مجلة اليمامة التي طبعت في جدة، كما كان ابن خميس يكتب فيها أحياناً منذ أن بدأت في الصدور في أواخر 1372ه .
لكن هناك تجربة صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمتها، تمت في الأحساء على يد طلاب المعهد العلمي في الهفوف، تحت إشراف مديرهم آنذاك عبد اللّه بن خميس تأبى إلا أن ترفع رأسها شاهداً على بداية التاريخ الصحفي للأحساء، وعلى السجل الإعلامي لابن خميس، وهي مجلة «هجر» التي لم يصدر منها إلا عدد واحد، لتكون مع ذلك أول مجلة صدرت في الهفوف وأول عمل صحفي قام هو برعايته، قبل صدور مجلة الجزيرة بثلاثة أعوام.
فلقد عمل عبد اللّه بن خميس بعد تخرجه من كلية الشريعة في مكة المكرمة مديراً للمعهد العلمي بالهفوف لمدة عامين، ويذكر عدد ممن عاصر ذلك أن المعهد شهد في عهده نشاطاً فكرياً ملحوظاً في المجال الثقافي والأدبي.
كان في المعهد مجموعة من الطلاب النابهين، الذين قادوا فيما بعد النهضة الأدبية والصحفية في المنطقة الشرقية، فعملوا على نشر إنتاجهم الفكري في صحيفة حائط سُميت «الضياء الجديد» صدرت منها بضعة أعداد، ظهرت كلها في سنة 1375ه» ثم خطوا خطوة أخرى نحو نشر المتميز من إنتاجهم في مجلة أدبية اجتماعية مطبوعة يصدرها النادي الأدبي في المعهد.
فصدرت مجلة هجر في شهر محرم 1376ه «أغسطس 1956م»، بتشجيع من أستاذهم ومديرهم الذي كتب افتتاحيتها، بوصفه رئيساً للتحرير وتولى عبد اللّه شباط سكرتارية تحريرها، وشارك في الكتابة فيها مجموعة أساتذة المعهد مثل مناع القطان وعثمان بن سيار ومحمد زايد وعطية محمد سالم، ومجموعة من طلبة المعهد ومنهم: عبد اللّه بن عبد الرحمن النعيم «سكرتير النادي» وعبد اللّه شباط ومحمد بن الشيخ عبد اللّه المبارك وأحمد بن محمد النعيم وعبد الرحمن بن عثمان الملا ومحمد أحمد السماعيل وإبراهيم المبارك وسعود النعيم، كما كتب في المجلة عدد من مشايخ الأحساء مثل محمد ابن عبد القادر «قاضي المبرز» وعبد اللطيف أبو بشيت «إمام جامع الخبر».
وقد طبعت المجلة في مطابع المصري في بيروت، وكانت عالية الجودة طباعة ومحتوى وإخراجاً، ولعل سبب صدور عدد واحد منها فقط يعود إلى انتقاله إلى موقع وظيفي آخر.
ولم يكد ابن خميس يستقر في الرياض، عائداً من مكة المكرمة والأحساء ليصبح مديراً لكليتي الشريعة واللغة العربية سنة 1376ه ، ثم مديراً عاماً لرئاسة القضاء سنة 1379ه ، حتى داعب خياله تحقيق حلمه القديم بإصدار مجلة شهرية أخرى، تعنى بخدمة الأدب والثقافة في الجزيرة العربية، وتشد من أزر شقيقتها اليمامة.
ومن دارته في شارع الخزان بالرياض أشرقت الفكرة، بتشجيع من محبيه وزملائه وتلامذته الذين كانوا يلتقون عنده كل مساء، ومن بينهم عثمان الصالح وعبد العزيز المسند ومحمد بن عبداللّه المسيطير «الشاعر» وغيرهم، كما عمل معه في التحرير كل من علي العمير وعبد الرحمن المعمر ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان وعبد العزيز الربيعي وإبراهيم السيف وغيرهم.
ثم اتخذت المجلة من أحد دكاكين شارع السويلم مقراً لها، كما اختارت مطابع الرياض، التي كانت يديرها حمد الجاسر، لطباعة أعدادها، إذ لم تكن لمجلة الجزيرة هذه أي علاقة بمطابع الجزيرة التي كانت قد أسست في الرياض بعد أقل من عام «شوال 1380ه أبريل 1961م».
ومع انتقاله إلى عمله الجديد وكيلاً لوزارة المواصلات، أسند إدارة التحرير وسكرتاريته إلى بعض تلاميذه الصحفيين، مكتفياً بالإشراف العام عليها بوصفه صاحب الامتياز ومستمراً في كتابة افتتاحياتها.
ثم استمرت الجريدة في الصدور بانتظام مدة أربع سنوات، حتى توقفت مع صدور العدد السادس من السنة الرابعة «جمادى الأولى 1383ه» مفسحة المجال لتطبيق نظام المؤسسات الصحفية الجديد.
كان مجلس الوزراء قد قرر إلغاء الامتيازات الفردية للصحف السعودية، وتحويلها إلى مؤسسات يشارك في ملكيتها وإدارتها مجموعة من رجال الصحافة والثقافة والأعمال، وعلى إثر ذلك توقفت اليمامة والجزيرة والقصيم والبلاد وعكاظ والمدينة المنورة والندوة والرائد وقريش والرياضة، ثم أصدر نظام المؤسسات الصحفية في 24/8/1383ه .
وبصدوره ، دعا مؤسس الجزيرة مجموعة من كتّاب مجلته وبعض الشخصيات الأخرى إلى اجتماع عقد في إحدى أمسيات شهر رمضان المبارك في دارته الجديدة في شارع جرير بحي الملز بالرياض، وتقدموا بتاريخ 14/9/1383ه بطلب إلى وزارة الإعلام وقّعه ثلاثون مؤسساً «يمثلون الحد الأدنى لقيام أي مؤسسة صحفية بموجب النظام الجديد» لإنشاء مؤسسة تصدر جريدة يومية تحمل الاسم القديم نفسه «الجزيرة» ومجلة شهرية باسم «المجتمع» فوافقت الوزارة بتاريخ 10/11/1383ه .
في اليوم التالي، عقدت الجمعية العمومية اجتماعها الأول، لوضع تصوراتها حول مجمل الأمور المالية والإدارية والتحريرية والفنية للمؤسسة، وتم انتخاب عبد اللّه بن محمد بن خميس مديراً عاماً للمؤسسة وعبد العزيز بن حمد السويلم رئيساً لتحرير الجزيرة، واختير مقر المؤسسة في مبنى تجاري تابع لبلدية الرياض بالصفاة.
وقد صدر العدد الأول من الجزيرة صباح يوم الثلاثاء 20/2/1384ه «30/6/1964م»، ومرة أخرى حدد في الصفحة الأولى سياسة الجزيرة في عهدها الصحفي الجديد، واستمرت تصدر «كل يوم ثلاثاء» بشكل أسبوعي مؤقتاً ولمدة ثمانية أعوام ونصف حتى سمحت لها الظروف بالصدور يومياً بدءاً من يوم الأربعاء 12/8/1392ه «20/12/1972م».
أما مجلة «المجتمع»، فكانت المشروع المؤجل، الذي لم يقدر له الصدور في حدود المدة التي يسمح بها النظام، لكن مناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثاني لدول مجلس التعاون الخليجي بالرياض في محرم 1402ه «نوفمبر 1981م» أعطت فرصة لرئيس تحرير الجزيرة آنذاك «خالد المالك» أن يبدأ ملحقاً مسائياً للجريدة، قدر له أن يستمر ويتطور بطريقة تلقائية ليصبح جريدة مسائية موازية لشقيقتها «الجزيرة» دام صدورها، بين نجاح وإخفاق، مدة عشرين عاماً.
وقد قررت المؤسسة أن توقف المسائية بتاريخ 25/1/1421ه «19/4/2001م على أمل أن تصدر مجلة تعنى بالأسرة، وتكون بديلاً للمسائية، وبعثاً لفكرة مجلة «المجتمع».
المهم في الأمر، أن المؤسسة وإصداراتها ظلت تعترف بالفضل لمؤسسها الذي استمر يحظى بتقدير كل المؤسسين، وباختياره عضواً في كل مجالس الإدارة المتتالية حتى يومنا هذا، كما قامت المؤسسة بتكريمه في حفل افتتاح مقرها الجديد في 19/11/1417ه ، وأطلقت اسمه على مبنى المطابع عرفاناً بدوره الكبير في رعايتها في مهدها وطفولتها وشبابها.
وبقيت الجزيرة والمسائية على مدار الأعوام وعاءين يختصهما مؤسس الجزيرة بنشر إنتاجه الفكري من بحوث أو مقالات أو افتتاحيات أو شعر أو دراسات نقدية أو ردود.
وقد أورد الكتاب الوثائقي الذي أصدرته مؤسسة الجزيرة الصحفية يوم الثلاثاء 19/11/1417ه «18/3/1997م» تفاصيل أوسع عن قصة صدور الجزيرة «الأم» وقيام المؤسسة الصحفية، التي اقترن اسمها، بعاطفة وحميمية ، مع عبد اللّه بن خميس.
أيها الإخوة والأخوات:
وقبل الحديث عن الوجه الصحفي لابن خميس والحديث عن كتاباته الصحفية في الجزيرة والمسائية أو غيرهما، ومنهجه التحريري في افتاحياته، والحملات الصحية التي قادها، تجدر الإشارة إلى ثلاث محطات مهمة في حياته الإعلامية:
الأولى: عضوية المجلس الأعلى للإعلام.
الثانية: برنامجه الإذاعي الشهير «من القائل».
الثالثة: مطابع الفرزدق.
فمن المعروف أن المجلس الأعلى للإعلام، قد مرّ بثلاث مراحل رئيسية في تشكيله:
الأولى: في عام 1387ه «1967م» عندما تكوّن برئاسة وزير الإعلام آنذاك «جميل الحجيلان» في شكل لجنة لتخطيط السياسة الإعلامية لم تدم طويلاً.
الثانية: في عام 1396ه «1976م» عندما شكل باسمه الحالي «المجلس الأعلى للإعلام» برئاسة وزير الإعلام الأسبق «د. محمد عبده يماني» وكان عبد اللّه بن خميس أحد أعضائه، وقد عقد المجلس في تشكيله آنذاك ما يقرب من «20» اجتماعاً.
الثالثة: في عام 1401ه «1981م» عندما شكل برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز «وزير الداخلية» وهو التشكيل الذي استمر حتى الآن مع بعض المتغيرات، فكان ابن خميس أحد أعضائه حتى 3/1/1403ه «20/10/1980م» عندما قدم اعتذاراً عن عدم الاستمرار في العضوية، بسبب عارض صحي ألمّ به في ذلك العام، وقد اختير الدكتور راشد المبارك محله عضواً في المجلس، كما كان ابن خميس عضواً في لجنته التحضيرية التي تعقد جلساتها في فترات متقاربة، وقد شارك من خلال عضويته في التشكيلين وفي اللجنة التحضيرية بإعداد مشروع السياسة الإعلامية التي أقرت في سنة 1402ه، وبدراسة العديد من الموضوعات التي مرت بالمجلس.
أما بالنسبة لبرنامجه المعروف «من القائل»، الذي يحاكي في أسلوبه البرنامج الشهير «قول على قول» الذي كان حسن الكرمي يعده ويقدمه من إذاعة لندن، فبرغم أنه لم يستمر سوى ثلاثة أعوام «في الفترة من 30/2/1402ه إلى 16/3/1405ه» فإنه كان من بين أفضل البرامج الثقافية التي قدمتها إذاعة الرياض، وأكثرها شعبية، ذلك أنه كان يجيب على أسئلة المستمعين عن قائل بعض الأبيات في الشعرين العربي والشعبي وعمن تنسب إليه بعض الأمثال المشهورة في التراث العربي، والأجود من ذلك أنه حرص على تدوين ما تضمنه البرنامج في كتاب مطبوع من أربعة أجزاء تزيد صفحاتها على «2500» صفحة، كما تم تنسيقها وطبعها على تسجيلات إذاعية بصوته.
أما عن مطابع الفرزدق ، فقد أسسها سنة 1397ه وهي ما تزال إحدى دور النشر والطباعة المتميزة في الرياض، وأسهمت منذ تأسيسها في طبع المئات من الإنتاج الفكري المحلي، فضلاً عن طباعة مؤلفات مؤسسها التي بلغت قرابة الثلاثين مؤلفاً، بعضها متعدد الأجزاء، مع إعادة طباعة ما تنفد طبعاته.
وإذا اعتبر أن عبد اللّه بن خميس قد بدأ الشعر والنقد والكتابة مبكراً، فإن الباحث لا يكاد يجد له إسهامات صحفية كبيرة في الصحف الصادرة في الستينيات والسبعينيات الهجرية، مما يدل على أنه لم يلج إلى عالم الكتابة الصحفية المحترفة إلا بعد صدور مجلة الجزيرة، لكنه ما أن برز اسمه كاتباً وشاعراً وأديباً وباحثاً حتى انتشرت كتاباته وأبحاثه في عدد كبير من المجلات المحلية والعربية، ومن أبرزها: اليمامة والمنهل والعرب والمجلة العربية والدارة والفيصل والحرس الوطني ومجلة مجمع اللغة العربية والقافلة، وغيرها، وقد رصدت مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية «في العدد الأول من سنتها السادسة، محرم جمادى الآخرة 1421ه» قائمة ببليوجرافية بأبرز آثاره.
لكن ابن خميس يريح الباحث من عناء العودة إلى قواعد المعلومات وفهارس الدوريات للبحث عن كتاباته، فهو قد جمع معظم ما كتبه من أبحاث ومقالات في سلسلة «من جهاد قلم، 3 أجزاء» بما فيها فواتح الجزيرة بالذات التي ضمنها الافتتاحيات التي طالعتنا بها مجلة الجزيرة في عهده.
وقد اعترف في مقابلة أجرتها معه المجلة العربية في عدد ذي الحجة 1419ه «1999م» أنه ربما كتب أحياناً تحت اسم رمزي مستعار، وذكر لي عمران بن محمد العمران أنه كان يكتب تحت توقيع «فتى اليمامة»، عندما كان طالباً في دار التوحيد.
وربما يكون رأيه في الصحافة وما ينبغي أن يكون عليه منهاجها، وهو الذي أبداه في أول كتبه «شهر في دمشق 1374ه 1955م» هو أول وأوضح رأي يطرحه ابن خميس قبل أن يبدأ في ممارسة الصحافة، حيث حدد الخط الأمثل للصحافة بقوله: «إن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود».
ويبدو أن عبد اللّه بن خميس، الذي ستتناول هذه الندوة فيما تتناول أسلوبه في الأدب والنقد والتأليف والرحلات والبحث والتحقيقات البلدانية والشعر بنوعيه الفصيح والشعبي وفي الكتابة، قد تأثر صحفياً بمجلة الرسالة وبأسلوب صاحبها أحمد حسن الزيات، حيث يذكر محمود الردّاوي في كتابه عن ابن خميس وآثاره الأدبية «ص12» «أن صلته بالزيات صلة قديمة ، صلة قراءة لا صلة لقاء، وصداقة أدب لا صداقة أرب، وكانت مجلته «الرسالة» هي المفضلة والصديق له من بين سائر المجلات، ولقد كان الزيات أستاذه الأول والأخير في تكوين قلمه».
ثم ينوه محمود الردّاوي بدور ابن خميس في الحركة الصحفية السعودية وبدور مجلته الشهرية في ازدهار العمل الصحفي أولاً، وفي خدمة قضايا المجتمع، والإرهاصات التي كان يستشرف بها المستقبل الأفضل، فيواصل ويقول «ص178»: «إنه يعي جيداً أهمية الصحافة في نهضة الشعوب، وفي غرس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية، وكان يعي أنها وجه من وجوه الفكر المعاصر ولون من ألوان الثقافة، وأنها أصبحت علماً من العلوم كما هي فن من الفنون .. ».
« .. وإن من يدرس تاريخ الصحافة في المملكة لا يمكن أن يتجاهل دور مجلة الجزيرة وصاحبها في فترة من الفترات الحرجة والحاسمة في تاريخ المملكة ..».
ثم يصف محمود الرّداوي كيف يتعامل ابن خميس الأديب مع قضايا السياسة من منظور صحفي فيقول «ص 188»:
» .. على أن تحليله السياسي يظل مصبوغاً بألوان أدبية بلاغية، فهو يحيل النص السياسي إلى نص أدبي والرؤية السياسية تستحيل إلى رؤية نقدية».
ثم يقول في ص199»: «... لذلك كانت كتابات ابن خميس الصحفية تخرج عن نطاقها الرسمي والآني الصحفي لتحلق في أجواء سامية وأبعاد متألقة للفن الأدبي والنثر الرفيع».
وإذا ما تصفح الباحث في فواتح الجزيرة، والمقالات الصحفية التي كان يحررها في مجلته، يجد أن ابن خميس قد تبنى قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة ومهمة وفي مقدمتها شؤون فلسطين، وقاد حملات صحفية من بينها موضوعات الزيت والماء وشؤون العمل، والحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للمجتمع، ولقد قال لي ذات مرة: إنه كتب في موضوعات المياه ما يصل في حجمه إلى كتاب، ويظل كتاب فواتح الجزيرة، رغم مرور عقدين على جمعه وإصداره، يتجدد ويزداد قيمة ووزناً.
ومن يتصفح كتابه «من جهاد القلم»، يجد أن عبد الله بن خميس لم يكن ناقداً اجتماعياً وسياسياً وأديباً، فحسب لكنه كان منظّراً إعلامياً، يدعو «لقيام صحافة ناضجة تسيّرها الأفكار المستنيرة، وتحررها الأقلام النزيهة الواعية المتحررة من الأهواء، والمبتعدة عن الأغراض، ذات الفقه السياسي والثقافي والاجتماعي، المدركة لمصائر الأمم والعالمة برسالة الصحافة ودورها البناء» «فواتح الجزيرة ص368».
وعبد اللّه بن خميس، الذي كتب الكثير، وعاش هموم أمته، ودافع عن آمالها بفكر واع، ومعايشة حميمة صادقة لشؤون المجتمع وقضاياه، لا يكتفي بالتعبير النثري عن آرائه، وتقديم أمثلة حية لزملائه وتلاميذه في كيفية الكتابة والمعالجة بل يطرح هذا النموذج بأسلوب شعري مبتكر، يحدد فيه رسالة الصحافة ومسؤولياتها، فهو يقول في قصيدة بعنوان: صحافة أمة مرآتها: «فواتح الجزيرة ص370»:
ذات الجلالة ما تسامت سلطة
إلا وفوق سموها سلطاتُها
هي منبر صوت الشعوب يذيعه
ولفكرة ما أنهرت قنواتُها
ثم يقول:
من لي بها فصحى الحقيقة طلقة
فوق الرقيب تكون حرياتُها
وطنية المنحى فلا شرقية
توحي بواغل فكرها نفثاتها
لا هذه نبغي ولا غربية
تتحسس الدولار مرئياتها
عقّوا الصحافة واستباحوا صرحها
ومضى بها نحو الجحود جناتها
حزبية ما شئت أم فردية
قامت على مد الأكف حياتها
ومن الصحافة ما بها رجع الصدى
لا يستبين سرورها وشكاتها
فقدت حرارة فكرها فاستسلمت
تملي عليها القول إيحاءاتها
أين الحقيقة نستنير بضوئها
في أمة ظل الطريق هداتها
ما دام أرباب الصحافة دلّسوا
فمن المحقق أن تعيث غواتها
ومن الصحافة ما يكون غثاثة
نادت على إفلاسها شطحاتها
إلى أن يقول:
إني لأدعو في «الجزيرة» فتية
هم أهلها وحماتها ورعاتها
صونوا لذات الكبرياء جلالها
ولتبق في ذات السمو سماتها
فهي الحصان تنزهت عن ريبة
نكأت مغامز عرضها ضراتها
لي عندها عهد وعندي مثله
مذ فتّقت ورق الحياة نواتها
عشرون حولاً في الجهاد تجرحت
نحو الطموح تحثها خطواتها
ثمرات ما تبني الرجال وإنه
لأعز مفخرة الشعوب بناتها
ويبلغ تغنيه بحرية الصحافة والفكر أنه يشبه تلك الحرية بالجوهرة، ويتغزل بها شعراً بعد أن قطع علاقته بكل أنواع الغزل العاطفي في شبابه ليبقى على نوع واحد منه، فهو يتشبب بفتاة الفكر وينسج فيها أبياتاً يقول فيها:
«على ربى اليمامة ص391»
بعينيك ما أعيا الصحافة معناه
نظائر في دنيا الوجود وأشباه
بيان ولكن لا يُنهنه سحره
وفكر ولكن عزّ ما أبدع اللّه
وفن وما كل الفنون بمبدعٍ
وشعر ولكن أين للشعر علياه
وما نظرات منك إلا صحيفة
وما هن أقلام وما هن أفواه
فإن شئت ميدان الصحافة منبراً
وإن عزّ في دنيا الثقافة مرقاه
فصولي ب هاروت وماروت واكتبي
صحائف ما أحيا الإله وأفناه
فكم خبر في سر عينيك كامن
يُغنيه عزّاف ويتلوه أواه
وصوغي من الثغر المنور طرة
تعز على فن الحسين وطغراه
فما هو إلا وردة قد تجمعت
لترشف من ذوب السحائب أحلاه
وما هو إلا طاقة من شقائق
هو الورد أغلى ما يكون وأنداه
فتيقة مسك خلفها كنز جوهر
لتُخجل نظم الأقحوان ثناياه
على حر وجه ظل يقطر فتنة
تناجي به سر الجمال وتقراه
فأواه ما أحلى وأبدع ما به
من الحسن في سر الملاحة أواه
فهيت لمن يبغي الصحافة حرة
يفتّش عنها مرة في محياه
المملكة العربية السعودية تعترف بالفضل لجهود حمد الجاسر وعبد اللّه بن خميس في نشأة الصحافة والطباعة فيها.
ففي ذي الحجة سنة 1372ه «أغسطس 1953م» ، أصدر حمد الجاسر «مجلة اليمامة» وهي أول مطبوعة صحفية في هذه المنطقة، مطبوعة في بداية الأمر في القاهرة، ثم بادر مع مجموعة من المثقفين والمستثمرين إلى إنشاء شركة الطباعة والنشر الوطنية «مطابع الرياض» التي أنتجت أول إصداراتها في سنة 1374ه .
ثم نهض عبد اللّه بن خميس لإصدار المطبوعة الصحفية الأهلية الثانية، وهي «مجلة الجزيرة» الشهرية الأدبية والاجتماعية التي ظهر عددها الأول في ذي القعدة سنة 1379ه «أبريل 1960م»، وكان هو صاحب الامتياز ورئيس التحرير، وقد صدر بينهما مجلتان حكوميتان هما: مجلة الزراعة «ذو الحجة 1374ه» ومجلة جامعة الملك سعود «ذو القعدة 1377ه».
واستمرت هاتان المطبوعتان الصحيفتان الأهليتان في الصدور حتى اليوم بعد أن تحولتا من صحيفتين يملكهما صاحبا الامتياز إلى مؤسستين عملاقتين يشارك في ملكيتهما مجموعة كبيرة من المثقفين والمستثمرين، وأصبحتا تنشران مجموعة أخرى من الإصدارات الصحفية والثقافية، وصار لكل واحدة منهما مطبعة خاصة بها.
والتزاماً بعنوان هذه المشاركة وموضوعها، فإنها ستتطرق إلى العناصر الستة الآتية:
إصدار هجر في الأحساء.
الجزيرة: المجلة ثم المؤسسة.
عضوية المجلس الأعلى للإعلام.
أحاديثه الإذاعية.
مطابع الفرزدق.
كتاباته الصحفية.
أيها الإخوة والأخوات:
من المؤكد أن عبد اللّه بن خميس كان سعيداً وهو يرى الجريدة السعودية «الأم» أم القرى تنشر شيئا من إنتاجه الشعري المبكر الذي كتبه في مناسبات مختلفة، وهو ما يزال دون الثلاثين من العمر طالباً في دار التوحيد بالطائف، وأن يحظى وزميله الطالب عثمان بن إبراهيم الحقيل بالسلام على الملك عبد العزيز سنة 1367ه ، وأن يلقيا في حضرة جلالته قصيدتين بهذه المناسبة، والمعتقد أن تلك القصائد كانت أول تجربة لنشر إنتاجه الفكري في الصحف «الأعداد 1129، 1157، 1163، 1229، 1238».
وقد ذكر لي عمران بن محمد العمران أن ابن خميس كان منذ أواخر الستينيات الهجرية وأوائل السبعينيات يكتب، بين حين وآخر، في جريدة البلاد السعودية التي كان عبد اللّه عريف يرأس تحريرها، وذكر الدكتور عبد اللّه الوهيبي في مقال نُشر له عن عبد اللّه بن خميس في كتاب النهضة الأدبية في نجد لحسن الشنقيطي «صدر عام 1370ه» أن له قصائد نُشرت في تلك الفترة في جريدة المدينة المنورة، ثم ذكر حمد الجاسر في ذكرياته الصحفية التي نشرها في مجلة العرب أن عبد اللّه بن خميس قد أشرف أثناء دراسته في كلية الشريعة بمكة المكرمة على إعداد مجلة اليمامة التي طبعت في جدة، كما كان ابن خميس يكتب فيها أحياناً منذ أن بدأت في الصدور في أواخر 1372ه .
لكن هناك تجربة صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمتها، تمت في الأحساء على يد طلاب المعهد العلمي في الهفوف، تحت إشراف مديرهم آنذاك عبد اللّه بن خميس تأبى إلا أن ترفع رأسها شاهداً على بداية التاريخ الصحفي للأحساء، وعلى السجل الإعلامي لابن خميس، وهي مجلة «هجر» التي لم يصدر منها إلا عدد واحد، لتكون مع ذلك أول مجلة صدرت في الهفوف وأول عمل صحفي قام هو برعايته، قبل صدور مجلة الجزيرة بثلاثة أعوام.
فلقد عمل عبد اللّه بن خميس بعد تخرجه من كلية الشريعة في مكة المكرمة مديراً للمعهد العلمي بالهفوف لمدة عامين، ويذكر عدد ممن عاصر ذلك أن المعهد شهد في عهده نشاطاً فكرياً ملحوظاً في المجال الثقافي والأدبي.
كان في المعهد مجموعة من الطلاب النابهين، الذين قادوا فيما بعد النهضة الأدبية والصحفية في المنطقة الشرقية، فعملوا على نشر إنتاجهم الفكري في صحيفة حائط سُميت «الضياء الجديد» صدرت منها بضعة أعداد، ظهرت كلها في سنة 1375ه» ثم خطوا خطوة أخرى نحو نشر المتميز من إنتاجهم في مجلة أدبية اجتماعية مطبوعة يصدرها النادي الأدبي في المعهد.
فصدرت مجلة هجر في شهر محرم 1376ه «أغسطس 1956م»، بتشجيع من أستاذهم ومديرهم الذي كتب افتتاحيتها، بوصفه رئيساً للتحرير وتولى عبد اللّه شباط سكرتارية تحريرها، وشارك في الكتابة فيها مجموعة أساتذة المعهد مثل مناع القطان وعثمان بن سيار ومحمد زايد وعطية محمد سالم، ومجموعة من طلبة المعهد ومنهم: عبد اللّه بن عبد الرحمن النعيم «سكرتير النادي» وعبد اللّه شباط ومحمد بن الشيخ عبد اللّه المبارك وأحمد بن محمد النعيم وعبد الرحمن بن عثمان الملا ومحمد أحمد السماعيل وإبراهيم المبارك وسعود النعيم، كما كتب في المجلة عدد من مشايخ الأحساء مثل محمد ابن عبد القادر «قاضي المبرز» وعبد اللطيف أبو بشيت «إمام جامع الخبر».
وقد طبعت المجلة في مطابع المصري في بيروت، وكانت عالية الجودة طباعة ومحتوى وإخراجاً، ولعل سبب صدور عدد واحد منها فقط يعود إلى انتقاله إلى موقع وظيفي آخر.
ولم يكد ابن خميس يستقر في الرياض، عائداً من مكة المكرمة والأحساء ليصبح مديراً لكليتي الشريعة واللغة العربية سنة 1376ه ، ثم مديراً عاماً لرئاسة القضاء سنة 1379ه ، حتى داعب خياله تحقيق حلمه القديم بإصدار مجلة شهرية أخرى، تعنى بخدمة الأدب والثقافة في الجزيرة العربية، وتشد من أزر شقيقتها اليمامة.
ومن دارته في شارع الخزان بالرياض أشرقت الفكرة، بتشجيع من محبيه وزملائه وتلامذته الذين كانوا يلتقون عنده كل مساء، ومن بينهم عثمان الصالح وعبد العزيز المسند ومحمد بن عبداللّه المسيطير «الشاعر» وغيرهم، كما عمل معه في التحرير كل من علي العمير وعبد الرحمن المعمر ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان وعبد العزيز الربيعي وإبراهيم السيف وغيرهم.
ثم اتخذت المجلة من أحد دكاكين شارع السويلم مقراً لها، كما اختارت مطابع الرياض، التي كانت يديرها حمد الجاسر، لطباعة أعدادها، إذ لم تكن لمجلة الجزيرة هذه أي علاقة بمطابع الجزيرة التي كانت قد أسست في الرياض بعد أقل من عام «شوال 1380ه أبريل 1961م».
ومع انتقاله إلى عمله الجديد وكيلاً لوزارة المواصلات، أسند إدارة التحرير وسكرتاريته إلى بعض تلاميذه الصحفيين، مكتفياً بالإشراف العام عليها بوصفه صاحب الامتياز ومستمراً في كتابة افتتاحياتها.
ثم استمرت الجريدة في الصدور بانتظام مدة أربع سنوات، حتى توقفت مع صدور العدد السادس من السنة الرابعة «جمادى الأولى 1383ه» مفسحة المجال لتطبيق نظام المؤسسات الصحفية الجديد.
كان مجلس الوزراء قد قرر إلغاء الامتيازات الفردية للصحف السعودية، وتحويلها إلى مؤسسات يشارك في ملكيتها وإدارتها مجموعة من رجال الصحافة والثقافة والأعمال، وعلى إثر ذلك توقفت اليمامة والجزيرة والقصيم والبلاد وعكاظ والمدينة المنورة والندوة والرائد وقريش والرياضة، ثم أصدر نظام المؤسسات الصحفية في 24/8/1383ه .
وبصدوره ، دعا مؤسس الجزيرة مجموعة من كتّاب مجلته وبعض الشخصيات الأخرى إلى اجتماع عقد في إحدى أمسيات شهر رمضان المبارك في دارته الجديدة في شارع جرير بحي الملز بالرياض، وتقدموا بتاريخ 14/9/1383ه بطلب إلى وزارة الإعلام وقّعه ثلاثون مؤسساً «يمثلون الحد الأدنى لقيام أي مؤسسة صحفية بموجب النظام الجديد» لإنشاء مؤسسة تصدر جريدة يومية تحمل الاسم القديم نفسه «الجزيرة» ومجلة شهرية باسم «المجتمع» فوافقت الوزارة بتاريخ 10/11/1383ه .
في اليوم التالي، عقدت الجمعية العمومية اجتماعها الأول، لوضع تصوراتها حول مجمل الأمور المالية والإدارية والتحريرية والفنية للمؤسسة، وتم انتخاب عبد اللّه بن محمد بن خميس مديراً عاماً للمؤسسة وعبد العزيز بن حمد السويلم رئيساً لتحرير الجزيرة، واختير مقر المؤسسة في مبنى تجاري تابع لبلدية الرياض بالصفاة.
وقد صدر العدد الأول من الجزيرة صباح يوم الثلاثاء 20/2/1384ه «30/6/1964م»، ومرة أخرى حدد في الصفحة الأولى سياسة الجزيرة في عهدها الصحفي الجديد، واستمرت تصدر «كل يوم ثلاثاء» بشكل أسبوعي مؤقتاً ولمدة ثمانية أعوام ونصف حتى سمحت لها الظروف بالصدور يومياً بدءاً من يوم الأربعاء 12/8/1392 ه «20/12/972 1م».
أما مجلة «المجتمع»، فكانت المشروع المؤجل، الذي لم يقدر له الصدور في حدود المدة التي يسمح بها النظام، لكن مناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثاني لدول مجلس التعاون الخليجي بالرياض في محرم 1402ه «نوفمبر 1981م» أعطت فرصة لرئيس تحرير الجزيرة آنذاك «خالد المالك» أن يبدأ ملحقاً مسائياً للجريدة، قدر له أن يستمر ويتطور بطريقة تلقائية ليصبح جريدة مسائية موازية لشقيقتها «الجزيرة» دام صدورها، بين نجاح وإخفاق، مدة عشرين عاماً.
وقد قررت المؤسسة أن توقف المسائية بتاريخ 25/1/1421ه «19/4/2001م على أمل أن تصدر مجلة تعنى بالأسرة، وتكون بديلاً للمسائية، وبعثاً لفكرة مجلة «المجتمع».
المهم في الأمر، أن المؤسسة وإصداراتها ظلت تعترف بالفضل لمؤسسها الذي استمر يحظى بتقدير كل المؤسسين، وباختياره عضواً في كل مجالس الإدارة المتتالية حتى يومنا هذا، كما قامت المؤسسة بتكريمه في حفل افتتاح مقرها الجديد في 19/11/1417ه ، وأطلقت اسمه على مبنى المطابع عرفاناً بدوره الكبير في رعايتها في مهدها وطفولتها وشبابها.
وبقيت الجزيرة والمسائية على مدار الأعوام وعاءين يختصهما مؤسس الجزيرة بنشر إنتاجه الفكري من بحوث أو مقالات أو افتتاحيات أو شعر أو دراسات نقدية أو ردود.
وقد أورد الكتاب الوثائقي الذي أصدرته مؤسسة الجزيرة الصحفية يوم الثلاثاء 19/11/1417ه «18/3/1997م» تفاصيل أوسع عن قصة صدور الجزيرة «الأم» وقيام المؤسسة الصحفية، التي اقترن اسمها، بعاطفة وحميمية ، مع عبد اللّه بن خميس.
أيها الإخوة والأخوات:
وقبل الحديث عن الوجه الصحفي لابن خميس والحديث عن كتاباته الصحفية في الجزيرة والمسائية أو غيرهما، ومنهجه التحريري في افتاحياته، والحملات الصحية التي قادها، تجدر الإشارة إلى ثلاث محطات مهمة في حياته الإعلامية:
الأولى: عضوية المجلس الأعلى للإعلام.
الثانية: برنامجه الإذاعي الشهير «من القائل».
الثالثة: مطابع الفرزدق.
فمن المعروف أن المجلس الأعلى للإعلام، قد مرّ بثلاث مراحل رئيسية في تشكيله:
الأولى: في عام 1387ه «1967م» عندما تكوّن برئاسة وزير الإعلام آنذاك «جميل الحجيلان» في شكل لجنة لتخطيط السياسة الإعلامية لم تدم طويلاً.
الثانية: في عام 1396ه «1976م» عندما شكل باسمه الحالي «المجلس الأعلى للإعلام» برئاسة وزير الإعلام الأسبق «د. محمد عبده يماني» وكان عبد اللّه بن خميس أحد أعضائه، وقد عقد المجلس في تشكيله آنذاك ما يقرب من «20» اجتماعاً.
الثالثة: في عام 1401ه «1981م» عندما شكل برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز «وزير الداخلية» وهو التشكيل الذي استمر حتى الآن مع بعض المتغيرات، فكان ابن خميس أحد أعضائه حتى 3/1/1403ه «20/10/1980م» عندما قدم اعتذاراً عن عدم الاستمرار في العضوية، بسبب عارض صحي ألمّ به في ذلك العام، وقد اختير الدكتور راشد المبارك محله عضواً في المجلس، كما كان ابن خميس عضواً في لجنته التحضيرية التي تعقد جلساتها في فترات متقاربة، وقد شارك من خلال عضويته في التشكيلين وفي اللجنة التحضيرية بإعداد مشروع السياسة الإعلامية التي أقرت في سنة 1402ه، وبدراسة العديد من الموضوعات التي مرت بالمجلس.
أما بالنسبة لبرنامجه المعروف «من القائل»، الذي يحاكي في أسلوبه البرنامج الشهير «قول على قول» الذي كان حسن الكرمي يعده ويقدمه من إذاعة لندن، فبرغم أنه لم يستمر سوى ثلاثة أعوام «في الفترة من 30/2/1402ه إلى 16/3/1405ه» فإنه كان من بين أفضل البرامج الثقافية التي قدمتها إذاعة الرياض، وأكثرها شعبية، ذلك أنه كان يجيب على أسئلة المستمعين عن قائل بعض الأبيات في الشعرين العربي والشعبي وعمن تنسب إليه بعض الأمثال المشهورة في التراث العربي، والأجود من ذلك أنه حرص على تدوين ما تضمنه البرنامج في كتاب مطبوع من أربعة أجزاء تزيد صفحاتها على «2500» صفحة، كما تم تنسيقها وطبعها على تسجيلات إذاعية بصوته.
أما عن مطابع الفرزدق ، فقد أسسها سنة 1397ه وهي ما تزال إحدى دور النشر والطباعة المتميزة في الرياض، وأسهمت منذ تأسيسها في طبع المئات من الإنتاج الفكري المحلي، فضلاً عن طباعة مؤلفات مؤسسها التي بلغت قرابة الثلاثين مؤلفاً، بعضها متعدد الأجزاء، مع إعادة طباعة ما تنفد طبعاته.
وإذا اعتبر أن عبد اللّه بن خميس قد بدأ الشعر والنقد والكتابة مبكراً، فإن الباحث لا يكاد يجد له إسهامات صحفية كبيرة في الصحف الصادرة في الستينيات والسبعينيات الهجرية، مما يدل على أنه لم يلج إلى عالم الكتابة الصحفية المحترفة إلا بعد صدور مجلة الجزيرة، لكنه ما أن برز اسمه كاتباً وشاعراً وأديباً وباحثاً حتى انتشرت كتاباته وأبحاثه في عدد كبير من المجلات المحلية والعربية، ومن أبرزها: اليمامة والمنهل والعرب والمجلة العربية والدارة والفيصل والحرس الوطني ومجلة مجمع اللغة العربية والقافلة، وغيرها، وقد رصدت مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية «في العدد الأول من سنتها السادسة، محرم جمادى الآخرة 1421ه» قائمة ببليوجرافية بأبرز آثاره.
لكن ابن خميس يريح الباحث من عناء العودة إلى قواعد المعلومات وفهارس الدوريات للبحث عن كتاباته، فهو قد جمع معظم ما كتبه من أبحاث ومقالات في سلسلة «من جهاد قلم، 3 أجزاء» بما فيها فواتح الجزيرة بالذات التي ضمنها الافتتاحيات التي طالعتنا بها مجلة الجزيرة في عهده.
وقد اعترف في مقابلة أجرتها معه المجلة العربية في عدد ذي الحجة 1419ه «1999م» أنه ربما كتب أحياناً تحت اسم رمزي مستعار، وذكر لي عمران بن محمد العمران أنه كان يكتب تحت توقيع «فتى اليمامة»، عندما كان طالباً في دار التوحيد.
وربما يكون رأيه في الصحافة وما ينبغي أن يكون عليه منهاجها، وهو الذي أبداه في أول كتبه «شهر في دمشق 1374ه 1955م» هو أول وأوضح رأي يطرحه ابن خميس قبل أن يبدأ في ممارسة الصحافة، حيث حدد الخط الأمثل للصحافة بقوله: «إن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود».
ويبدو أن عبد اللّه بن خميس، الذي ستتناول هذه الندوة فيما تتناول أسلوبه في الأدب والنقد والتأليف والرحلات والبحث والتحقيقات البلدانية والشعر بنوعيه الفصيح والشعبي وفي الكتابة، قد تأثر صحفياً بمجلة الرسالة وبأسلوب صاحبها أحمد حسن الزيات، حيث يذكر محمود الردّاوي في كتابه عن ابن خميس وآثاره الأدبية «ص12» «أن صلته بالزيات صلة قديمة ، صلة قراءة لا صلة لقاء، وصداقة أدب لا صداقة أرب، وكانت مجلته «الرسالة» هي المفضلة والصديق له من بين سائر المجلات، ولقد كان الزيات أستاذه الأول والأخير في تكوين قلمه».
ثم ينوه محمود الردّاوي بدور ابن خميس في الحركة الصحفية السعودية وبدور مجلته الشهرية في ازدهار العمل الصحفي أولاً، وفي خدمة قضايا المجتمع، والإرهاصات التي كان يستشرف بها المستقبل الأفضل، فيواصل ويقول «ص178»: «إنه يعي جيداً أهمية الصحافة في نهضة الشعوب، وفي غرس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية، وكان يعي أنها وجه من وجوه الفكر المعاصر ولون من ألوان الثقافة، وأنها أصبحت علماً من العلوم كما هي فن من الفنون .. ».
« .. وإن من يدرس تاريخ الصحافة في المملكة لا يمكن أن يتجاهل دور مجلة الجزيرة وصاحبها في فترة من الفترات الحرجة والحاسمة في تاريخ المملكة ..».
ثم يصف محمود الرّداوي كيف يتعامل ابن خميس الأديب مع قضايا السياسة من منظور صحفي فيقول «ص 188»:
» .. على أن تحليله السياسي يظل مصبوغاً بألوان أدبية بلاغية، فهو يحيل النص السياسي إلى نص أدبي والرؤية السياسية تستحيل إلى رؤية نقدية».
ثم يقول في ص199»: «... لذلك كانت كتابات ابن خميس الصحفية تخرج عن نطاقها الرسمي والآني الصحفي لتحلق في أجواء سامية وأبعاد متألقة للفن الأدبي والنثر الرفيع».
وإذا ما تصفح الباحث في فواتح الجزيرة، والمقالات الصحفية التي كان يحررها في مجلته، يجد أن ابن خميس قد تبنى قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة ومهمة وفي مقدمتها شؤون فلسطين، وقاد حملات صحفية من بينها موضوعات الزيت والماء وشؤون العمل، والحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للمجتمع، ولقد قال لي ذات مرة: إنه كتب في موضوعات المياه ما يصل في حجمه إلى كتاب، ويظل كتاب فواتح الجزيرة، رغم مرور عقدين على جمعه وإصداره، يتجدد ويزداد قيمة ووزناً.
ومن يتصفح كتابه «من جهاد القلم»، يجد أن عبد الله بن خميس لم يكن ناقداً اجتماعياً وسياسياً وأديباً، فحسب لكنه كان منظّراً إعلامياً، يدعو «لقيام صحافة ناضجة تسيّرها الأفكار المستنيرة، وتحررها الأقلام النزيهة الواعية المتحررة من الأهواء، والمبتعدة عن الأغراض، ذات الفقه السياسي والثقافي والاجتماعي، المدركة لمصائر الأمم والعالمة برسالة الصحافة ودورها البناء» «فواتح الجزيرة ص368».
وعبد اللّه بن خميس، الذي كتب الكثير، وعاش هموم أمته، ودافع عن آمالها بفكر واع، ومعايشة حميمة صادقة لشؤون المجتمع وقضاياه، لا يكتفي بالتعبير النثري عن آرائه، وتقديم أمثلة حية لزملائه وتلاميذه في كيفية الكتابة والمعالجة بل يطرح هذا النموذج بأسلوب شعري مبتكر، يحدد فيه رسالة الصحافة ومسؤولياتها، فهو يقول في قصيدة بعنوان: صحافة أمة مرآتها: «فواتح الجزيرة ص370»:
ذات الجلالة ما تسامت سلطة
إلا وفوق سموها سلطاتُها
هي منبر صوت الشعوب يذيعه
ولفكرة ما أنهرت قنواتُها
ثم يقول:
من لي بها فصحى الحقيقة طلقة
فوق الرقيب تكون حرياتُها
وطنية المنحى فلا شرقية
توحي بواغل فكرها نفثاتها
لا هذه نبغي ولا غربية
تتحسس الدولار مرئياتها
عقّوا الصحافة واستباحوا صرحها
ومضى بها نحو الجحود جناتها
حزبية ما شئت أم فردية
قامت على مد الأكف حياتها
ومن الصحافة ما بها رجع الصدى
لا يستبين سرورها وشكاتها
فقدت حرارة فكرها فاستسلمت
تملي عليها القول إيحاءاتها
أين الحقيقة نستنير بضوئها
في أمة ظل الطريق هداتها
ما دام أرباب الصحافة دلّسوا
فمن المحقق أن تعيث غواتها
ومن الصحافة ما يكون غثاثة
نادت على إفلاسها شطحاتها
إلى أن يقول:
إني لأدعو في «الجزيرة» فتية
هم أهلها وحماتها ورعاتها
صونوا لذات الكبرياء جلالها
ولتبق في ذات السمو سماتها
فهي الحصان تنزهت عن ريبة
نكأت مغامز عرضها ضراتها
لي عندها عهد وعندي مثله
مذ فتّقت ورق الحياة نواتها
عشرون حولاً في الجهاد تجرحت
نحو الطموح تحثها خطواتها
ثمرات ما تبني الرجال وإنه
لأعز مفخرة الشعوب بناتها
ويبلغ تغنيه بحرية الصحافة والفكر أنه يشبه تلك الحرية بالجوهرة، ويتغزل بها شعراً بعد أن قطع علاقته بكل أنواع الغزل العاطفي في شبابه ليبقى على نوع واحد منه، فهو يتشبب بفتاة الفكر وينسج فيها أبياتاً يقول فيها:
«على ربى اليمامة ص391»
بعينيك ما أعيا الصحافة معناه
نظائر في دنيا الوجود وأشباه
بيان ولكن لا يُنهنه سحره
وفكر ولكن عزّ ما أبدع اللّه
وفن وما كل الفنون بمبدعٍ
وشعر ولكن أين للشعر علياه
وما نظرات منك إلا صحيفة
وما هن أقلام وما هن أفواه
فإن شئت ميدان الصحافة منبراً
وإن عزّ في دنيا الثقافة مرقاه
فصولي ب هاروت وماروت واكتبي
صحائف ما أحيا الإله وأفناه
فكم خبر في سر عينيك كامن
يُغنيه عزّاف ويتلوه أواه
وصوغي من الثغر المنور طرة
تعز على فن الحسين وطغراه
فما هو إلا وردة قد تجمعت
لترشف من ذوب السحائب أحلاه
وما هو إلا طاقة من شقائق
هو الورد أغلى ما يكون وأنداه
فتيقة مسك خلفها كنز جوهر
لتُخجل نظم الأقحوان ثناياه
على حر وجه ظل يقطر فتنة
تناجي به سر الجمال وتقراه
فأواه ما أحلى وأبدع ما به
من الحسن في سر الملاحة أواه
فهيت لمن يبغي الصحافة حرة
يفتّش عنها مرة في محياه
عبدالله بن خميس المؤرخ
ثم تحدث الدكتور فهد بن عبدالله السماري أمين عام دارة الملك عبدالعزيز فقال:
الانسان أي انسان مجبول بفطرته على الفرح برؤية الثمار وقد اينعت وبان نضجها، وتزداد سعادته حين يرى ثمرة عمله تكبر وتنضج أمام عينيه فيتلقاها الآخرون بالثناء والدعاء. فيأتي
التكريم حين يأتي ترجمة صادقة لعمق الاحتفاء وفرحة التقدير والاعتزاز به.
وديننا الاسلامي العظيم هو دين التكريم الحقيقي بدءاً من تكريمه لانسانية الانسان بأن فضله على كثير من خلق تفضيلاً. قال الله سبحانه وتعالى :(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) سورة الاسراء الآية 70.
ثم زاده تفضيلاً بالعلم والفهم والادراك الواعي. قال عز وجل :(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الالباب) سورة الزمر آية 9.
ولأن منهج هذه البلاد هو المنهج الاسلامي الصافي فقد حرص قادتها ومجتمعها على تكريم أبنائها منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله والى يومنا هذا عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وأمد في عمره. وكان من أخص خصائص قادة هذه البلاد: قدرتهم الفائقة على استثمار المواهب والكوامن البشرية وتوجيهها الوجهة المنتجة المثمرة. وان من اليسير على كل ذي لب أن يدرك شواهد التكريم حاضرة في قلاع المملكة العربية السعودية الحضاري المتمثلة في نظمها التربوية والتعليمية ومناشطها الثقافية.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله تعددت شواهد تكريم الانسان السعودي.
ولعل من اوضح صور هذا التكريم: جائزة الدولة التقديرية للادب التي كان لاستاذنا الفاضل عبدالله بن محمد بن خميس قصب السبق فيها لكونه من الرواد في هذه البلاد.
والتكريم ليس غاية في حد ذاته، ذلك أننا حين نجتمع اليوم لتكريم علم من اعلام الفكر فإن هذا الاجتماع فيه تحفيز للهمم كي ترنو إلى المراقي الرفيعة التي وصل إليها علمنا المحتفى به، وهو تشجيع للتطلعات الشغوفة إلى الابداع حين تغترف من نهر القدوة معينها وزادها، وتهون امامها الصعاب حين تعرض أمامها المحطات التي تخطاها علمنا كي يصل إلى ما وصل إليه من مكانة علمية لم يصل إليها إلا بعد مثابرة وجد واجتهاد وصبر وتراكم تجارب واستزادة معرفية صابرة صبورة. قال الشاعر وقد صدق:
أخي لن تنال العلم الا بستة
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
وصحبة استاذ وطول زمان
ما قدمه استاذنا الفاضل من أعمال علمية جليلة لوطنه وأمته يستحق أن ندبج فيه عرائس المعاني التي يضيء صدفها الوجدان، ويعطر اريجها الجوانح.. فلا عجب بعد ذلك أن تبقى هذه اللحظات ذكرى طيبة في نفوس الجميع.
والذكر في النفوس كالجذور في الاشجار تمتد وتنبت وتثمر.
حين اتحدث عن علم اشم مثل الاستاذ عبدالله بن خميس فلا بد أن انبه إلى تنوع معارفه ومواهبه.. وهو تنوع اودى إلى تنازع أهل الفنون على الاستئثار بنسبته، كل يدعوه إلى فنه.
فأهل الادب يريدون الاستئثار به بدعوى أنه الضليع المتمكن بينهم.. وأهل الجغرافيا يدعون أنه معدود فيهم من الحاذقين.. ونحن أهل التاريخ نزعم أنه فينا ابن البجدة وعمود الخيمة. والقائمة قد لا تنتهي إذا اردنا استعراض قدرات استاذنا الفاضل ومواهبه الفذة المتعددة.
لعلي حين أوضحت لكم تعدد معارف استاذنا ناهيك عن عمقها قد سوغت لنفسي أن أقصر حديثي في هذا المحفل الثقافي المبارك على الجوانب الابداعية التي ميزت جهود استاذنا الفاضل عبدالله بن محمد بن خميس في مجال الدراسات التاريخية فحسب.
واذا نظرنا إلى الجانب التاريخي في عطاء استاذنا الفاضل ابن خميس فاننا سوف نجد أنه اسهم في ذلك من خلال محورين مهمين هما: التأليف والنقد.
التأليف والكتابة
أما التأليف في مجال التاريخ فلابن خميس عدد من المؤلفات سأذكر أبرزها وهي:
كتاب «الدرعية: العاصمة الأولى» الذي نشره في عام 1402ه/1982م، الذي يقع في 462 صفحة واكثر من خمسين صفحة ملاحق بالوثائق واربعين صفحة بصور فوتوغرافية عن ابرز معالم الدرعية. يقول ابن خميس في مقدمة الكتاب :«هذا الكتاب يحكي الخبر ويصف المعالم والاثر ويقف بالقارئ على ماضيها وولاتها واحوالها، ويعبر عن وصفها مزدهرة مزدانة متفوقة متطورة ويحكي وضعها يعيث بها الاعداء ويحرقونها ويهدمونها ويتركونها حمما بالية خالية.. ولعل من العبرة أن يستعرض القارئ هذه الاحداث ويتدبر هذه الاوضاع ويقف منها على ماهو حري بالعظة والعبرة وتصريف الاحوال وتقدير الامور».
في هذا الكتاب يجد الباحث والقارئ معلومات كثيرة جدا عن اليمامة والدرعية من حيث موقعها وتاريخ انشائها وتاريخ اسرة آل سعود ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الاصلاحية التي انطلقت من الدرعية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري/ القرن الثامن عشر الميلادي، وعن أئمة الدولة السعودية بدءاً بالامام محمد بن سعود وتاريخ الدولة السعودية الأولى وسقوط الدرعية على يد قوات محمد علي باشا وهدمها.
ويعد هذا الكتاب فريدا من نوعه عن تاريخ هذه المدينة المهمة، عاصمة الدولة السعودية الأولى، وذلك لشموليته موضوعات متعددة يجدها الباحث متناثرة في بطون بعض المؤلفات والمخطوطات والوثائق.
عشق ابن خميس الدرعية وهو من اهلها وجاء كتابه هذا تذكارا لذلك العشق وايمانا برسالته العلمية في تحقيق المعرفة المتعلقة بتاريخ الدولة السعودية الأولى وقاعدتها الدرعية.
وبعد طباعة كتابه في عام 1402ه/1982م نجد أن ابن خميس يواصل الاهتمام بتاريخ الدرعية ويضيف عنها المزيد من المعلومات. فبعد سنتين من ذلك نشر ابن خميس مقالة قصيرة في مجلة الدارة بعنوان «مالم يذكره التاريخ عن حرب الدرعية» اضاف فيها رواية عن والده عن جده الذي ادرك حرب الدرعية في عام 1233ه/1824م بشأن استسلام الامام عبدالله بن سعود والحوار الذي تم بينه وبين قائد الحملة التركية ابراهيم باشا بشأن المعركة، وحكاية من الحكايات التي تمت اثناء نقل الامام عبدالله إلى مصر ومنها إلى استنابول.
وقبل نشره كتاب «الدرعية» كان ابن خميس يبين اهتمامه بتاريخ الدرعية منذ فترة طويلة من خلال المحاضرات والبحوث القصيرة والمقالات وذلك مثل ما كتبه في أول عدد لمجلة الدارة في عام 1395ه بعنوان «الدرعية معالم واطلال». ولحرصه الشديد على الدرعية ومعالمها واثارها ختم مقالته تلك ببشارته بوجود مشروع للمحافظة على آثار الدرعية يهيئها حسب قوله «لتكون منطقة اثرية سياحية بارزة بمكتبتها وصالات عرضها واستعمال طريقة الصوت والضوء بها وحدائقها وفنادقها». هذا كان في عام 1395ه/1975م ولم يتم ذلك المشروع المهم، بينما اليوم نرى أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، يضع هذه البشارة وتلك الرغبة موضع التنفيذ برعاية مباركة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني حفظهم الله . ومشروع الدرعية الجديد ترعاه لجنة جديدة باسم «اللجنة العليا لتطوير الدرعية» والتي أشرف بأنني احد اعضائها. ولاشك سترى الدرعية أكثر مما نادى به استاذنا الفاضل لأن المشروع يمر بمراحل مدروسة ومنظمة تقوم بها مؤسسة معروفة بالتنظيم والانجاز هي الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
والكتاب الثاني لابن خميس هو «تاريخ اليمامة: مغاني الديار ومالها من أخبار وآثار» الذي ظهر في عام 1407ه/1987م في سبعة مجلدات. ويعد هذا الكتاب سفرا كبيرا في موضوعه ويشمل الجغرافيا والادب والتاريخ وغير ذلك من جوانب تاريخ اليمامة المجهول.
ويصعب الفصل في مؤلفات ابن خميس الاخرى ما اذا كانت تتعلق بالتاريخ أم لا!؟ وذلك لانها تتناول التاريخ من خلال دراسة الاماكن والرحلات والجغرافيا والادب الشعبي والمعاجم الجغرافية. ويكفي أن نشير هنا إلى أن اهتمام ابن خميس بالشعر الشعبي باعتباره مصدرا من مصادر التاريخ أدى إلى المحافظة على آثار شعبية كثيرة اسهمت في التعرف على جوانب تاريخية مهمة. ونظرا لأن زملائي في الندوة سيتناولون الموضوعات الاخرى مثل الجغرافيا والادب والتراث فانني لن اتناولها او الاشارة اليها في هذه المحاضرة.
ولاستاذنا الفاضل ابن خميس كتابات قصيرة على هيئة مقالات موجزة في حقل التاريخ استخدم فيها اسلوبه الادبي الرائع من اجل تطويع المعلومة التاريخية للفهم العام وخاصة لفهم الشباب والناشئين. فعلى سبيل المثال نجده يكتب عن حدث تاريخي مهم في تاريخنا الاسلامي وهو موضوع الهجرة باسلوب محبب وسهل ومشوِّق، بقصد تبيان الدروس التي ينبغي على الجميع الافادة منها.
يقول ابن خميس: «في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم دروس وعظات وعبر وفيها قدوة وأسوة ومجال تعلم الصبر والحكمة وتبعث على الاصرار والعزم والارادة». ومثل هذه المقالات القصيرة والموجزة والتي تعد مقالات ادبية كثيرة، وهي تعكس حقا شخصية الاستاذ ابن خميس الرائدة في الادب وقدرته على استخدام الادب لفائدة المجتمع وثقافته.
وتتسم تلك المقالات التاريخية الادبية بأنها تتناول موضوعات تاريخيا باسلوب ادبي دون توثيق. والهدف من هذا النوع في ظني هو تيسير فهم الاحداث التاريخية لعامة الناس واستخدام ذلك في المحاضرات العامة أو الوسائل الاعلامية بما في ذلك الصحافة. واذا نظرنا على سبيل المثال إلى ما كتبه عن الملك عبدالعزيز بعنوان «موحد الجزيرة العربية» المنشورة في كتابه «من جهاد قلم» الجزء الثالث (محاضرات وبحوث) المنشور عام 1405ه/1984م، سوف نجد أن المعلومات التاريخية لفترة تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز تم تناولها بطريقة ادبية تجتذب القارئ الذي يريد أن يتعرف على تلك الاحداث دون مضايقة اسلحة المؤرخين المتمثلة في الادلة والوثائق والشواهد. كما ركز ابن خميس على جوانب محددة في مقالته التاريخية الادبية حتى تكون الفائدة اكبر بدلا من العموميات التي تنتهي بالقارئ إلى لا فائدة. يقول ابن خميس :«وما بمقال عابر أن يلم ولو بالاشارة عن تاريخ عظيم مثل عبدالعزيز، ولكن حسبنا أن نتناول بالاشارة جانبا من جوانب هذا التاريخ الحافل، بالمآثر والمفاخر.. وليكن هذا الجانب اهم الازمات التي واجهت الملك عبدالعزيز في بناء مجده اذ إن العظة تبرز هنا حيث يستطيع العبقري أن يواجه ازمته بما يوائمها من استعداد يفرق بين الماء واللبن كما يقول ابو الطيب المتنبي».
وفي مقالة تاريخية ادبية اخرى يظهر ابن خميس جانبا مهما في تاريخنا لم يهتم به المؤرخون وهو دور المرأة في احداث تاريخ الجزيرة العربية وذلك عندما كتب عن غالية البقمية وقصتها في دحر جيوش طوسون بن محمد علي التي جاءت لتدمير الدولة السعودية الأولى والقضاء على الدعوة السلفية واسترداد الحجاز. واورد ابن خميس ما كتبه بعض المؤرخين المصريين عن قصة غالية وشدة باسها وشجاعتها حتى تمكنت من التأثير على رجال قبيلتها لصد جيوش طوسون الغريبة على المنطقة عددا وعتادا. واطلق ابن خميس على هذه المرأة اسم «غالية الوهابية» مخاطبا اولئك الذين ينعتون الدعوة واتباع الدولة السعودية بالوهابية سلبا ومشيرا إلى تأثر هذه المرأة ورجال قبيلتها بالدعوة السلفية ودفاعهم عنها بالنفس والنفيس. يقول ابن خميس: «تلكم هي غالية الوهابية وهذا طرف من خبرها تكسرت كبرياء محمد علي وجنوده من ورائهم الدولة العلية على صخرة صمودها وايمانها ورجعوا يجرون اذيال الخيبة.. وانه الايمان يعمل في نفوس اهله العجائب وانها المرأة العربية المؤمنة نزعت إلى اصالة اخواتها ومجدهن في القرون المفضلة الاولى فاعطت الصفة الحقيقية والنموذج الامثل وصدقت ما خلده التاريخ ورددته الامم ورحم الله ابا الطيب اذ يقول:
ولو كان النساء كمن فقدنا
لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال
ولاشك أن ابن خميس عرف باهتمامه بالمرأة وثقافتها وتعليمها، كما طالب في يوم من الايام وبصراحة تقدر له في مجلة العرب ايجاد جائزة تقديرية للنساء مثلما اوجدت للرجال وذلك في عام 1404ه/1983م.
ومن الموضوعات التي تناولها ابن خميس في مقالاته التاريخية الادبية الروابط العربية بجزيرة العرب. ففي مقالة له بعنوان «صلات قلب الجزيرة بالشام» تناول ابن خميس ابرز العلاقات التي تربط بين الشام واهل الجزيرة العربية من خلال العقيلات ودورهم الكبير في الارتباط الاسري والتجاري، والمتطوعين السعوديين الذين هبوا من وسط الجزيرة وجنوبها وغربها وشمالها وشرقها للمشاركة في شرف الدفاع عن فلسطين بعد تجمعهم في معسكر قطنة في الشام وانطلاقهم من هناك لخوض حرب فلسطين في عام 1367ه/1948م. وتناول ايضا بعض الروابط العلمية والتعليمية التي تربط الشام بالجزيرة والعكس. يقول ابن خميس :«صلات اصيلة نبيلة على راسها العقيدة والمذهب.. فلنكن جميعا اوفياء لهذه الصلات بررة بهذه الوشائج». وخاطب ابن خميس المتخصصين للاهتمام بهذا الموضوع واجراء مزيد من الدراسة حوله قائلا: «هذه رؤوس اقلام عن هذه الصلات ارجو أن يهيئ الله لها من يأخذها بالدراسة المتمكنة المبسطة في مؤلف يحيي منها ما اندرس ويحقق ما يعوزه التحقيق ويطلع جيل اليوم على حقيقة كادت أن تنسى وواقع كاد أن ينطمس.. فعسى ولعل».
النقد التاريخي
نهج ابن خميس في نقده للمؤلفات التاريخية على سبيل الخصوص منهجا صريحا يتسم باحترام مؤلفي تلك الكتب التي يقوم بنقدها، واستخدام الاسلوب الهادئ. ونجد أنه في نقده لتلك المؤلفات يوضح أنه رغم ما يلاحظه على أي مؤلف إلا أنه يرى أن ذلك الكتاب مهم ولا تحط تلك الملحوظات من قيمته. ويتسم نقد ابن خميس بالتركيز وعدم الحشو أو المديح لذاته أو لمؤلفاته. كما يلاحظ أن ابن خميس عندما يكتب دراسة نقدية لأي كتاب في التاريخ على وجه الخصوص كان يقوم بسرد الملاحظات بشكل متواصل ومختصر بعيد عن الاطالة المخلة أو الخروج عن الموضوع. لذا يمكن وصف معظم كتابات ابن خميس النقدية للمؤلفات التاريخية بأنها تقارير علمية وليست مقالات اسلوبية لا يستفيد منها القارئ أو المؤلف.
ويوضح ابن خميس رؤيته في النقد التاريخي قائلا: «لا ضير أن تكون هناك مجالات للنقد في بلادنا تذكر وتصوب وتصحح وتوجه، فانتاج بلا نقد في أي مجال من المجالات يعتبر فجا خداجا تنقصه الدقة والتحقيق والتمحيص». كما يؤكد ابن خميس على المنهج السليم في استقبال النقد الصريح قائلاً: «يجب أن يتسع صدرنا للنقد وأن نتلقاه بروح رياضية مرنة وأن لا نعده عيبا في المنقود ولا في صاحبه ما التزم قواعد النقد وتمسك باسلوبه».
ويغلب على دراسات ابن خميس النقدية ما يمكن أن نسميه بنقد المحتوى وتبيان المأمول وذلك من خلال التعريف بأبرز محتويات الكتاب واهم الملاحظات عليه، وابداء الرأي حيال المأمول من الكتاب أو المؤلف في موضوعات محددة يرى ابن خميس أهمية دراستها أو تناولها مستقبلا. فعلى سبيل المثال نجد أن ابن خميس في نقده لكتاب حافظ وهبة «خمسون عاما في جزيرة العرب» أوضح أمله في رؤية مزيد من المحتوى الخاص بشخصية الملك عبدالعزيز من المؤلف الذي عايش جلالته وعرفه عن قرب مدة من الزمن. ويقول ابن خميس في هذا الجانب: «لقد كنا نظن أن نجد في ثنايا الكتاب اشياء كثيرة غير ما وجدناه من جوانب شخصية الملك عبدالعزيز من رجل عاشره نصف قرن وشاهد اطوارا مرت به جديرة بأن تكشف له عن حقائق ودقائق لا يدركها كل من كتب عن شخصية الملك».
وفي نقده لكتاب الأمير سعود بن هذلول «تاريخ ملوك آل سعود» اشار ابن خميس إلى عدد من الملاحظات من ابرزها عدم وقوف المؤلف على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من حيث اسبابها ومقدماتها ونتائجها بشكل موسع لاهميتها. كما لاحظ ابن خميس على الكتاب الاختصار الشديد الذي احتواه الكتاب لموضوعات التاريخ السعودي في فتراته الثلاث .
وفي نقده لكتاب منير العجلاني «تاريخ البلاد السعودية» في جزئه الأول. أكد ابن خميس على أهمية الكتاب وعدَّه من احسن ما ألف عن هذه البلاد في رأيه، ولكنه ايضا وجه اليه نقدا في المبالغة في حشد النقول والاعتماد على كتاب «لمع الشهاب في سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب» وهو كتاب لا يعول عليه في رأي ابن خميس.
وافرد ابن خميس لكتاب لمع الشهاب مقالة نقدية خاصة بين فيها رأيه بشكل واضح حيث قال: «اسميه كتابا تجوزا.. والا فهي مجموعة من التخيلات يفترض مؤلفه افتراضات ويحاول أن يلبسها لباس الحقيقة والواقع.. يتحدث عن تاريخ الاحداث في قلب جزيرة العرب فيضع لها تاريخا من عنده يخالف فيه اجماع كل من كتب عنه». وعندما نشرت دارة الملك عبدالعزيز كتاب «لمع الشهاب» بتعليق الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ لم ير ابن خميس مناسبة ذلك وقال: «وهو أمر لو كان لي منه شيء لما اقدمنا على نشر هذا الكتاب ولا التعليق عليه فأولى به الترك والنسيان».
ولا شك أن للدارة وجهة نظر اخرى تتمثل في أن الكتاب يعد مرجعا للباحثين باخطائه التي تظهر فيه ومن الأولى أن يتم نشره وتبيانه والتعليق عليه ليكون واضحا للباحثين حقيقة محتواه وصحة المعلومات الخاطئة التي تضمنها.
ورغم اختلافي مع استاذنا ابن خميس في رأيه هذا الا انني اتفق معه في أن مزيداً من التعليق على الكتاب سيزيد من فائدة نشره لكي حسب قول ابن خميس «تقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل وان نفند اختلاقات مؤلفه وافتراضاته بالادلة القاطعة والبراهين الساطعة». ورغم ذلك فان ما قام به الشيخ عبدالرحمن رحمه الله يعد جيدا وبادرة طيبة يمكن تطويرها وتحسينها من قبل باحثين آخرين.
وفي نقده لكتاب خير الدين الزركلي «شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز» بين ابن خميس ابرز الملاحظات والمآخذ التي على الكتاب مضمونا ومنهجا، ونبه إلى كثرة النقول التي في رأيه لو سلم الكتاب منها لكان احسن. كما اشار إلى مشكلة فنية في الكتاب تتمثل في ضعف الفهارس التي لا تقود القارئ إلى معرفة غالبية محتواه. ورغم هذا التنبية المبكر من ابن خميس الا أن طبعات الكتاب العديدة التي جاءت بعد ذلك لم تأخذ بتلك الملاحظات العلمية والفنية، وربما ذلك عائد إلى عدم المبادرة بالاتصال بالناشر. والدليل على ذلك أن الدارة تنبهت إلى أهمية الكتاب واعتماد الكثير من الباحثين عليه وخاطبت الناشر الذي رحب بمبادرة الدارة والعمل قائم الآن بين الجهتين لاصدار طبعة منظمة أكثر وبفهارس مفيدة دون التدخل في المحتوى. ويأتي الاهتمام بهذا الكتاب نظرا لكثرة المعلومات فيه باعتباره سجلا لابرز احداث المملكة العربية السعودية في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز كان القصد من إعداده للمشاركة في مناسبة مرور خمسين عاما على دخول الملك عبدالعزيز الرياض، الا أنه لم يخرج في تلك المناسبة وقام الزركلي بنشره فيما بعد نتيجة لطلب من الملك فيصل رحمه الله.
وامتدت دراسات ابن خميس النقدية لمؤلفات معروفة ايضا مثل تلك التي نشرها أو حققها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله مثل كتاب«نبذة تاريخية عن نجد» للأمير ضاري بن فهيد الرشيد، وكتاب «مدينة الرياض عبر اطوار التاريخ» لحمد الجاسر. وأورد ابن خميس العديد من الملاحظات على هذين الكتابين من منطلق حرصه على نقد المؤلفات المهمة ذات الفائدة الكبيرة والتي سيكون لها شأن لدى المتلقين والمتخصصين. ومن سمات نقده التي ظهرت في دراسته لاحد هذين الكتابين، ايراده لروايات معاصرة سمعها عن والده وعن جده تضيف معلومات تاريخية غير متوافرة في المصادر التقليدية. ففي نقده لكتاب «نبذة تاريخة عن نجد» وما أشار إليه المؤلف بشأن موضوع حملة ابراهيم باشا على ضرما، قال ابن خميس: «أولاً: ليست ضرما من قرى الحمل، وثانياً: ليست في سفح جبل اليمامة، وثالثاً: ليست ضرمة بالهاء بل هي ضرما بفتح الضاد والراء والميم فألف مقصورة». ثم اورد ابن خميس رواية ابيه نقلا عن جده لاحداث حملة ابراهيم باشا على ضرما والتي لم تدونها المصادر مصححا بذلك بعض ما تم تناقله خطأ عن تلك الاحداث.
وجاء نقده لكتاب «مدينة الرياض عبر اطوار التاريخ» لحمد الجاسر قويا ومنطلقا من الرغبة في ايفاء هذا الموضوع المهم، اي تاريخ الرياض ، حقه الذي يستحقه ويحتاج إليه الباحثون والقراء عموما. وبين ابن خميس أن هناك موضوعات مهمة جدا في تاريخ مدينة الرياض تحتاج إلى دراسة أعمق تحسم الجدل الدائر حولها ومنها على سبيل المثال لا الحصر موضوع قبيلتي طسم وجديس. وفي هذا الشأن يعلق ابن خميس قائلاً: «وكان الأولى بكتاب يوضع عن دارهم ويخصص لآثارهم واخبارهم أن يكون الفيصل في هذا المقام على نحو ما ذكرنا من التمحيص والتدقيق.. ولكن ذلك لم يكن وما تركه الجاسر لأنه يفتقد القدرة عليه ولكن لأنه يريد تاريخا مختصرا يوائم قراء العصر ويستجيب لرغبات الكسالى ويتمشى وثقافة السندوتش».
رؤية ختامية
لا يستطيع أي دارس لتراث ابن خميس ان يفيه حقه، ولكن الشيء الاهم من هذا هو كيف نستفيد من هذا التراث مضمونا واسلوبا ومنهجا؟. وهنا أدعو زملائي اساتذة التاريخ وزميلاتي استاذات التاريخ إلى توجيه طلابهم وطالباتهم إلى هذه الدراسات النقدية الرائعة لاستاذنا ابن خميس وغيره من الرواد مثل علامة الجزيرة حمد الجاسر رحمه الله كي يتعلموا منها ويبتعدوا عن الكسل والاعتماد على البحث الخامل الذي يستند إلى النقل الميسر من المؤلفات دون تدقيق أو تمحيص. كما أدعو المهتمين بدراسة التاريخ إلى أن يوسعوا من دائرة اهتمامهم والبعد عن الانغلاق في الاختصاص والاطلاع على العلوم الاخرى وخاصة الادب، وإلى التوضع وحسن النقد. فابن خميس يرى محقا أن الادب والتاريخ صنوان لا ينفكان عن بعضهما، وأنه ليس هناك ما يميز الادب عن التاريخ أو يميز التاريخ عن الادب. هذا المفهوم الصحيح يغيب عنا في هذا الجيل وعن كثير من المهتمين والمتخصصين في دراسات التاريخ وحبذا لو اتجهنا إليه وشجعنا الجيل الجديد للاهتمام به.
واخيرا، فليعذرني استاذي الفاضل عن التقصير الناتج عن تواضع معرفة تلميذه وقدرته على الالمام بكل ما كتب وسلك في مجال التاريخ، وليعذرني زملائي الحضور وزميلاتي الحاضرات عن أي تقصير، سائلا المولى عز وجل أن يمتع استاذنا عبدالله بن خميس بالصحة والعافية وأن يزيد بلادنا خاصة وبلاد العرب والمسلمين بالعلماء النافعين وان يخلصنا من اولئك المنتسبين إلى العلم وهم لا ينشدون سوى ذاتهم وتجريح الآخرين بينما الأمة في حاجة إلى كل ثانية من وقت أي مهتم بالعلوم ولهم في استاذنا ابن خميس قدوة وانموذجا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.