لكل منّا قراءته للمكان الذي يوجد فيه، والتي تظهر عادة على هيئة تكهنات وتصرفات وسلوكيات فردية يمارسها في حياته اليومية، وتُمثّل شيئاً وجدانياً يتحكم بأسلوب عيشه وتعامله مع محيطه، ربما تكون مفردات وتفاصيل بسيطة جداً ولكنها تبقى الأكثر تأثيراً في تشكيل دورة حياة الإنسان نفسه. من الأمثلة التي تُعبّر عن الوسواس المكاني «الاجروفوبيا» أو ميدان السوق، هو ما يعرف بإرهاب الميادين المزدحمة والخوف من الوجود في الأماكن العامة والفضاءات العمرانية المفتوحة التي يوجد فيها حشد من الناس، إضافة إلى الشعور بالقلق والذعر من الاحتجاز وعدم القدرة على مغادرة المكان وتوقع أحداث من شأنها إثارة الهلع وما شابه ذلك مثل محطات القطارات والمطارات والمتاجر الكبيرة والملاعب الرياضية ومواقع المهرجانات، لذا نجد أن الأشخاص الذين يعانون هذه الحالة يفضلون البقاء داخل المنزل كونهم يعتقدون أنه الأكثر أماناً. من أشهر مسميات فوبيا المكان «الكلوستروفوبيا» أي الخوف من الأماكن المغلقة وما يسمى برهاب الاحتجاز والخوف الناتج من وجود الإنسان في مكان مغلق بدون منافذ خروج أو فتحات تهوية أو ممرات غير سالكة مما يؤدي إلى شعوره بحالة من القلق الداخلي والذعر من الاختناق أو عدم القدرة على الحركة أو بمجرد التفكير بعدم استطاعته على التنفس مثل عبور الإنفاق أو المصاعد أو الكهوف أو المواقف تحت الأرض أو الغرف والممرات الضيقة. «الأكروفوبيا» وتعني الخوف من الأماكن المرتفعة كالمباني الواقعة في المرتفعات أو بالقرب من السفوح أو ناطحات السحاب أو السلالم العليا والجسور وكذلك التضاريس الصعبة وقمم الجبال وفقد الشعور بالأمان عند النظر من علوها خوفاً من السقوط، والحرص الدائم على البقاء على مقربة من سطح الأرض الطبيعية لتعزيز حالة الاطمئنان. بالرغم من وصف هذه الفوبيا المكانية المتنوعة على أنها اضطراب نفسي يُصاحب الشخص نتيجة مخاوفه من أشياء مادية أو معنوية، إلا انها قد تكون نتيجة تراكمية لتأثير المكان على الإنسان، ثمة أنواع خفية من الرهاب المكاني تتحكم بالحالة النفسية لدى الكثيرين من جرّاء وجودهم في أماكن لا تليق بهم أو لا تناسبهم أو لا يستطيعون الاندماج معها، سواء لسوء تخطيطها أو تصميمها أو الإخفاق في إدارة وظائفها. العلاج بالمكان سيستعيد تاريخه القديم، خاصة مع تطور الاتصال الحضري بين المدن والتجمعات العمرانية بتدرجاتها المختلفة، وهذا ما قد يدفع بالبعض لتغيير البيئة المكانية التي يعيش فيها أو يتردد عليها سواء كان منزلاً أو حياً سكنياً أو مدينة، من أجل البحث عن ذلك الجزء المفقود من الأرض بما يقلل من مخاوفه وقلقه ويمنحه الاستقرار النفسي، ويلبي رغباته الإنسانية.