أعجبني تعبير أحدهم عن بعض أساليب الإدارة في المجتمع، وهي أن العقل الإداري تحكمه في بعض الأحيان ذهنية الاستراحة، فتولي المنصب قد يعني عند بعضهم أقرب لمفهوم إدارة الاستراحة. الذي أدخلت مفاهيم جديدة في ثقافة بعض السعوديين، وتكاد بعض علاقتها أن تكون أقوى من علاقات العائلة أو القبيلة، وهو مفهوم متقدم في المحسوبية، ويأتي بعلاقات جديدة، ومستمدة قوتها وترابطها من نموذج الاستراحة. المحسوبية التي تحولت إلى شيء بشع، نهجوه صبحاً ومساء، فقد شوه الفكرة الأساسية للإدارة الحديثة، ووأصبح لها مفردات خاصة يتم استخدامها شعبياً على نطاق واسع، وربما تحولت إلى هامش يكاد يقضي على مناهج الإدارة كما يدرسونها في الجامعات المتخصصة، ولا يمكن أيضاً تجسيد شخصيتها في اسم محدد، فقد يكون أي منا وجها من وجوهها، فقد تحولنا إلى كائنات تعيش في منظومة المحسوبية، ولا شك أنه مصطلح متداول على نطاق واسع، لكنه يفتقر إلى الآن إلى البحث المعرفي للآفة المحسوبية. لذلك دائماً ما يرفع الناس علامات الاستفهام والتعجب حول تصرفات بعضهم الخارجة عن النظام، وحول خصوصيتهم في استغلال الأنظمة وخرقها دون الآخرين، وتبدأ حولها نسج الحكايات الشعبية عن علاقاته الشخصية، والتي أوصلته إلى أن يكون خارجاً على النظام. من خلال هذا المشهد وغيره تشكلت في المجتمع متلازمة اجتماعية إن صح التعبير، تصف سر غطرسة فلان وعلان في المجتمع، وتربطها بعلاقات اجتماعية، ولهذا السبب ينحني الناس أمام تصرفاته، ويغضون الطرف عنها خوفاً على مصالحهم الشخصية. بسبب غياب الأخبار الصحيحة تنتشر الشائعات عن سحر نفوذ المحسوبية في البلاد، فيُقال فلان خرج من قضيته مثل الشعرة من العجين، فالعجين هو ذلك الازدحام الذي تدور رحاه في أروقة المظالم والحقوق، وانسلال المحسوب من تلك الأروقة دليل أنه «واصل»، في حين أن الأمر قد يبدو غير ذلك، ولو تم نشر تفاصيل القضية بشفافية لربما أدرك الناس خطأ ظنهم. كان من آثارها السلبية أن أصبحت شماعة للفشل، فيُقال إن فلاناً وصل إلى مكانته العالية بسبب علاقاته الشخصية، وإن الشركة الفلانية تم تعميدها لأنها مملوكة لشخص في الاستراحة، في حين أن الأمر قد يبدو غير ذلك، وهناك غيرها من الأخبار التي لا تتوقف عن الترويج، وقد قيل في الأمثال إن آفة الأخبار رواتها، وتنتشر مثل هذه الآفات بسبب عدم وجود مصادر موثوقة تضع الحقائق أمام المجتمع. انتشار مثل هذه الأقاويل يستبدل معايير الكفاءة في المجتمع بمعايير المحسوبية، فالإنجاز لا يكون في تحقيق النجاحات في محيط العمل، فالمحسوبية برأيي آفة خطيرة على الأمن الاجتماعي في الوطن، وقد يؤدي ترك الحبل على الغارب للذين يجيدون استغلال علاقاتهم الشخصية إلى مظالم وكوارث اجتماعية، ويزيد في نفس الاتجاه من معدلات الفساد الإداري، لذلك لا بدّ من وقفة حزام أمام هذه التصرفات. أكتب ذلك بعد مرور سنوات على تجربة وطنية رائدة في محاربة الفساد، وبرغم من الجهد الجبار لا زال هناك من يعتقد أن إدارته للمنصب، أشبه بمدير «القروب» في الاستراحة، والله على ما أقول شهيد.