اللغة هي أداة الاتصال ووسيلة التفاهم بين الأفراد والجماعات، وهي أداة المعرفة، والوسيلة الرئيسة للتواصل الفكري، والثقافي، يعتمد عليها الإنسان اعتماداً كبيراً للتعبير عن أفكاره، ومشاعره، وأغراضه. واللغة أيضاً وسيلة الحركة الفكرية والترابط الوجداني بين أبناء الأمة، ولها دورٌ كبير في تشكيل وعي الأمة الثقافي، وبناء نسيجها الاجتماعي، وهذا ما نجده في اللغة العربية التي أظهرت قدرتها عندما استوعبت جميع الحضارات والمفاهيم، وصهرتها في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية، وأخرجت منها مزيجاً جديداً للحضارة الإنسانية. هذا المزيج الجديد تضافرت في صنعه أمة العرب ومن دخل في دينهم من الأمم الأخرى، وكلٌّ منا يعرف أن واضع كتاب «قرآن النحو» سيبويه ليس عربياً. وفي العصر الحديث أصبح العالم قرية صغيرة، فلا بدّ من فتح قنوات الحوار الخارجي لإزالة الحواجز، وزيادة مساحة القواسم المشتركة، وتوسيع دائرة الوعي والتفاهم مع الآخر. والهدف الرئيس لتعليم العربية هو إكساب المتعلم القدرة على الاتصال اللغوي الواضح والسليم. وكل محاولة لتعليم العربية لغير الناطقين بها يجب أن تؤدي إلى تحقيق تلك الحركة بين بني البشر، حركة التواصل معهم دون حواجز. وتعليم العربية للناطقين بغيرها موضوع كبير وكبير جداً، فقد قامت من أجله مؤسسات، وأُلفت له مناهج، كل منهج يتناول جانباً من جوانب اللغة الصوتية، والتركيبية، والصرفية، والإملائية... إلخ. ونحن لا نستطيع أن نتناول فروع اللغة جميعها، فكل جانب من الجوانب بحاجة إلى دراسة مستقلة. والجانب الذي نتناوله هنا هو «رؤية لسانية لتدريس النحو العربي لغير الناطقين بها» ويعدّ النحو بالقياس إلى فروع علم اللغة الأخرى أهمها، وأكثرها اعتماداً على العقل والتفكير، إذا ما نحن قسناه بها وجدناه بالفعل يرتكز على قواعد وأسس ينطلق منها الطالب والمعلم إلى بقية فنون الكلام وفروعه، ودون ذلك يبقى المتعلمون يتخبطون في متاهات جدلية دون الوصول إلى جزئياته، وهو بهذا يكون أهم الفروع التي يتلقاها المتعلمون في مختلف مراحل التعليم؛ إذ إنهم يتمكنون من القراءة السليمة، والكتابة الصحيحة، كما أنهم بأدواته يستطيعون تقويم لسانهم وقلمهم، وتكون لهم بقواعده رياضة لغوية وذهنية. فعلم النحو هو علم العربية في بناء كلماتها، وصياغة تراكيبها، وضبط أجزائها، والقدرة على اتباع قوانين هذا العلم مهارة لا بدّ من اكتسابها لمن يريد تعلم العربية. وليس من شك في أنّ المتعلمين في شتّى المراحل التعليمية من أبناء العربية يعانون من ضعف ظاهر في فهم القواعد وتوظيفها، فكيف بالطلبة الناطقين بغيرها ؟؟! ويجب أن نفرق بين شيئين، الحديث عن النحو بوصفه علما تراثيا ما زال يدرّس في كثير من الجامعات على أنه غاية أو هدف في حدّ ذاته، والحديث عنه بوصفه وسيلة للتطبيق على ألسنة المتعلمين وكتاباتهم. وأقول: إنّ هناك اتجاهات كثيرة تختلف فيما بينها وتتباعد من حيث اهتمامها وتركيزها على تدريس النحو، وطريقة تقديمه للمتعلمين. فهناك اتجاه تقليدي يقوم على إعطاء القاعدة النحوية، ثم عرض الأمثلة التطبيقية بما فيها من شاذ، ونادر وغريب وغيره. وطريقة ثانية أو اتجاه ثانٍ يُعنى بتقديم النحو بطريقة وظيفية، أي من حيث الوظيفة التي تؤديها القاعدة النحوية في جملة من الجمل. واتجاه ثالث - أصحاب مدرسة علم اللغة التطبيقي - يسعى إلى تدريس النحو من خلال النص، ثم التدريبات المتنوعة على القاعدة النحوية. ولكن ما الذي يساعدنا اليوم في تقديم النحو العربي للناطقين بغيرها ؟ وما الذي يجب أن نقدّمه من القضايا النحوية للناطقين بغيرها ؟ وماذا يجب أن نحذف منه إن كان ثمّة حذف ؟ وبماذا نبدأ ؟ وكيف نبدأ ؟ وقبل هذا وذاك أقول: هل يدرّس النحو للطلبة الناطقين بغيرها جميعهم أم نعمد إلى أسلوب الانتقاء حسب التخصص ؟؟! أعتقد جازماً أننا يجب أن نفرز الطلبة الناطقين بغيرها إلى تخصصات، فمن أراد أن يدرس الهندسة أو الطب، أو السياسة، أو القانون أو غيرها من المواد فأعتقد أننا يجب أن لا ندرّسه النحو؛ لأنه ليس بحاجة إليه، بل يدرّس مراحل أولى لإجادة الكلام أو النطق أو التواصل مع أبناء العربية، ومن أراد أن يتابع دراسته في الإنسانيات كاللغة أو الشريعة أو التاريخ أو غيرها من فروع الإنسانيات التي لها مساس مباشر باللغة، فهذا يجب أن نقدّم له النحو أو قواعد العربية؛ لأنها ستكون معيناً له في دراسته. إنّ العملية التعليمية تقوم على: الطالب، ودور الطالب هو دور المتلقي والمستقبل، وهذا المستقبل أو المتلقي تقوم على رعايته أمور تتمثل في: الكتاب والمنهج، والمدرس، والوسائل. المدرّس، أما المدرّس فهو كالربّان في سفينته يستطيع أن يوجهها كيفما يريد، إنْ أراد أنْ يصل بها إلى شاطئ الأمان وصل، وإنْ أراد أنْ يسلمها لقاع البحر أسلمها وغرقت. ومن هنا يجب أن يكون المدرّس عنده الاستعداد الكامل لصناعة الطالب، وهذا الاستعداد يجب أن يحمل بُعدين هما: الكفاية الذهنية بقواعد اللغة، وطريقة تقديمها. وإذا نظرنا إلى مدرسي العربية لغير الناطقين بها فإننا نجدهم ممن يحملون الدرجة الثانية في اللغة العربية، وفي الغالب يكونون غير مؤهلين، ولم يخضعوا للتدريب والدورات الإرشادية، فعملهم يقوم على التجربة التي تحمل الخطأ مع وجود بعض المراكز التي بدأت بتدريب معلمي العربية لغير الناطقين بها، منتشرة هنا وهناك. ونحن في هذا المقام ندعو المراكز التعليمية، التي تقوم على تعليم العربية لغير الناطقين بها بأن يخضع المعلم المختار للتدريس إلى عددٍ من الدورات أو الندوات - قَصُرت أم طالت - لإبراز معلم قادر يُعدّ الركيزة الأولى والرئيسة للوصول إلى هدفٍ منشود بأيسر طريق. وإن برامج هذه الندوات يمكن أن يُتفق على آليتها من قبل المراكز الأكاديمية. وهذا المعلم يجب أن يتم اختياره من أصحاب الكفاءة في المهارات اللغوية المختلفة، وأن يكون ذا شخصية مميزة في فكره وأسلوبه ومظهره وأخلاقه. وأما الكتاب فهو وعاء المنهج وضابطه ومرجعه، وهو من العوامل التي تقرّب وتحبب الطالب في المادة أو تنفّره منها، ويجب أن يكون شكلاً ومضموناً تتحقق فيه مواصفات عدة تحقق الفائدة المرجوّة منه، ونجاح إخراج الكتاب الجيد يتوقف على مقدرة المدرس على استعماله والحصول على أفضل النتائج. وينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن كتاب العربية للناطقين بغيرها يختلف كلياً عن كتاب العربية لأبناء العرب، وهذا الاختلاف يكون من حيث الطريقة والأسلوب والهدف، وهذا بالتأكيد يعود إلى الفرق بين المتلقين. وفي المراكز الأكاديمية كثيرٌ من المحاولات التي وُضعت، وصُنِّفت على أنها كتب لتعليم العربية لغير الناطقين بها في العالم العربي(2). وأما المنهج - وهو في الحقيقة عامل كبير من العوامل التي تؤثر في هضم الطلبة أو المتعلمين للمادة، وسلامة استقبالهم وتلقيهم لها - فكلما كان واضحاً في أهدافه ومراميه، وكان متدرِّجاً في موضوعاته مناسباً لمستوى الطلبة العقلي والذهني كان أسرع إلى الوصول. وكلما كان غامضاً في أغراضه مضطرباً في موضوعاته غير متدرج لا يُسلِم بعضه إلى بعض في تواؤم يتناسب وقدرات الطلبة ومستوياتهم تفلّت من أفهامهم وابتعد. والذي يجب أن يكون هو الاكتفاء بالقدر الضروري الذي يحتاجه المتعلم في المحاضرة الواحدة، دون الدخول في متاهات أو افتراضات رياضية عقلية؛ أي يُعطى الطالب القدر الوظيفي من قواعد اللغة. وهو منهج يجب أن يقوم على عنصر التشويق والجذب في الاختيارات النحوية القائمة على الأمثلة والنصوص الشائقة. ويجب أن نحدد المراحل أو المستويات للمتعلمين من الطلبة غير الناطقين بالعربية، وتكون كما يلي: المستوى الأول؛ ويتضمن أربع مراحل هي: المرحلة الأولى: موضوع الأصوات، ويقسّم هذا الموضوع على عدد من الوحدات، يتناول في كل وحدة دراسة عدد من الأصوات الصامتة. ويجب أن يكون اختيار الأصوات المراد تدريسها وفق منهجية واضحة، فمثلاً لا نجمع بين صوت مجهور ونظير له مهموس، فلا نجمع بين (د) و(ت) وبين (ذ) و(ث). ثم تقدم تمرينات صوتية كثيرة، ليعتاد الطالب التمييز بين هذه الأصوات. المرحلة الثانية: يتم فيها دراسة الحركات الطويلة (ا، و، ي)، مع تدريبات كثيرة، ليميز الطالب بين هذه الحركات. ثم دراسة السكون، تليها دراسة الحركات القصيرة ( َ، ُ، ِ)، مع تدريبات مكثفة للتمييز بين الحركات الطويلة والقصيرة. المرحلة الثالثة: يتم فيها دراسة التاء المربوطة (ة، ة) والهاء المتطرفة (ه، ه)، والتنوين ( ً، ٍ ، ٌ) والشدّة ( ّ)، و(أل) والهمزة في مواقعها المختلفة. المرحلة الرابعة: تقوم هذه المرحلة على تقديم الجمل البسيطة، أو الأساسية(3)، ثم الجمل الإضافية، كأن نقول مثلاً: هذا مدرسٌ/ هذا مدرس ناجح. المستوى الثاني؛ ويتم فيه تدريس الطلبة الاسم المفرد من حيث التذكير والتأنيث، واسم الإشارة المذكر المفرد والمؤنث المفرد، وبعض الضمائر (المنفصلة) و(المتصلة) من حيث التذكير والتأنيث، والاسم الموصول، وأداتي الاستفهام (هل، أ)، والعطف ب(و، ثم، ف) وبعض حروف الجر (ب، في، من، إلى، عن، على)، والنكرة والمعرفة، والنداء ب(يا) ويأتي بعد كل موضوع عدد من التمرينات الأساسية لتوضيح ذلك. المستوى الثالث؛ ويتم فيه تدريس الجملة الإسمية، وأنماط الخبر أو صوره، وإنّ وأخواتها، وبعض كان وأخواتها، وبعض كاد وأخواتها، والمفرد والمثنى والجمع، والأسماء الخمسة. المستوى الرابع؛ ويتم فيه تدريس الجملة الفعلية، الفعل من حيث الزمن، والصحة والاعتلال، والمعلوم والمجهول، والتعدي واللزوم، وبعض النواصب، وبعض الجوازم، والأفعال المتعدية إلى مفعولين، والفاعل والمفعول به، والأفعال الخمسة. المستوى الخامس والأخير؛ ويتم فيه تدريس الإضافة، والتفضيل، وبعض الظروف، والشرط، والاستفهام، والعدد، والاستثناء ب(إلا)، والمدح والذم، والتعجب، والمنصوبات كل ذلك بإطاره الوظيفي. باعتقادي هذه المستويات التي يمكن أن تُعطى لمتعلم العربية من غير الناطقين بها، والذي يدرس أو يودّ دراسة مادة إنسانية تعتمد على العربية. أما ما يترك ولا يُدرّس فهو: - الحروف المشبهة ب(ليس). - بعض كاد وأخواتها مثل (طفق، علق، انبرى، كرب... إلخ) - اقتران خبر المبتدأ ب(الفاء). - الاشتغال. - التنازع. - الاختصاص. - ضمير الشأن، ضمير الفصل. - حالات تطابق المبتدأ والخبر إذا كان المبتدأ مشتقاً نحو: أفاهم الطالبان الدرس/ ما مذمومٌ كلامك أمسافران أخواك / أمسافر أخوك - لا النافية للجنس - الإعمال والإلغاء والتعليق - بعض المسائل في المنصوبات مثل مصطلحات المفعول فيه مختص وغير مختص أو محدد وغير محدد، ومتصرف وغير متصرف. - حالات الاسم الواقع بعد واو المعية مثل جواز النصب على المعية والعطف مع رجحان النصب على المعية. وجواز النصب على المعية مع رجحان العطف. وكثير من حالات الحال كالنكرة والمعرفة، والحال الجامدة والمشتقة، ومسوغات صاحب الحال والثابتة والمتنقلة، وحذف عامل الحال، والحال الحقيقية والسببية. - التمييز الملفوظ والملحوظ أو المنقول والمحول. - وبعض حالات النائب عن المفعول المطلق، وحالات المصدر النائب عن فعله. - وحالات المنادى الموصوف بابن، وتابع المنادى، ونداء ابن أمي وابن عمي ونداء لفظ أب وأم المضافين إلى ياء المتكلم، والمنادى المرخم، والإغراء والتحذير. - والاستثناء ب(ليس)، ويكون وتفريعاته ولا سيما. - وأسماء الأفعال من حيث أصل الوضع (مرتجلة سماعية أو منقولة)، وأسماء الأفعال من حيث التنكير والتعريف. - وشروط صياغة التعجب، والفصل بين أركان التعجب، والحذف في جملة التعجب. - وأنماط فاعل نعم وبئس ونعمّا وتوجيهات حبذا ولا حبذا وصور جواب القسم. - وأنماط فعل الشرط وجوابه، وربط جواب الشرط بالفاء والجزم في جواب الطلب، واجتماع الشرط والقسم، وحذف الشرط أو الجواب، والعطف على الشرط والجواب. - الخلافات النحوية. د. عاطف فضل - أستاذ علم اللغة المشارك - كلية الآداب - جامعة إربد - الأردن