القراءة هي تلك الحالة الواقعية الذاتية المبذولة لأجل نهضة العقل، وإصباغ الروح برحلات وأفكار وخيالات جديدة مع كل كِتابٍ جديدٍ نضيفه لمعارفنا وثقافتنا. يتحول القارئ إلى مرجع ثقافي كلما استزاد بتنوع المقروء، فبكل كتابٍ جديدٍ ينهيه تنتج لديه معارف تمضي لعقله الباطن ولا تغادره. القراءة منذ عرفناها وهي القراءة، ولا يمكن لأحدٍ أن يغير مفاهيمها لدينا، ولا اسمها، ولكنه يمكن للآخر العابر أو القريب أو المؤثر فينا أن يمنحنا فرصة لإعادة ترتيب عناويننا، وأساليب قراءاتنا وطريقتها؛ لذلك وحين تغيرت الأساليب التي ظلّت لقرون ناتجة عن الدافع للإنسان ليقرأ من تلقاء ذائقته الفردية، وحاجته لغذاء فكره وفق معايير هو ينتقيها، ويختارها باتت مع تعدد التقنيات الحديثة قائمة على معايير وجودة يراها البعض موضة، وينظر إليها البعض الآخر على أنها حافز، والكثير يستعدّ دوماً لكل ما سيستفيده من ترسانة الكتب التي يطالعها كل يوم عبر حسابات التواصل الاجتماعي؛ لعلّه يجد فيها ما يعيد ترتيب أولوياته، وأبجدياته، أو يعيد إليه ما فقده من خواص دوافع القراءة. ولنسلط الضوء على القراءة كظاهرة لبيان نعمتها ونتاجها وتأثيرها على النمو الفكري للأجيال سنقف مع قراء مطبوعين ومهتمين بالقراءة برغبة ذاتية، وحاجة معرفية وثقافية، وكذلك سنستطلع الرأي من واقع مواقع التواصل الاجتماعي التي تهتمّ بتحفيز القرّاء ورفع دافعيتهم بتوزيع المعرفة المجانية، وتزويد العابر المهتم، وغير المهتم بأفكار حول هذه النعمة التي تسهم في نهضة المجتمعات، ونموها ووعيها. وقد وجهت الجزيرة الثقافية لقرائها ومتابعيها الاستطلاع التالي: كقرّاء برأيكم ما الذي أعطتكم إياه القراءة؟ وهل ترون أن هذا الجيل مهتم بالجانب المعرفي، وتلقّيه؟ وهل تجدون في مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بتحفيز القراءة بادرة وظاهرة إيجابية فعلاً؟ أجابت القارئة الشغوفة رشا عبدالله بقولها: «إننا حين نقرأ فنحن نقرأ أنفسنا وغيرنا في الكتب؛ فالقراءة تذكرة سفر لأزمنة لم نزرها من قبل، نعيش من خلالها تجارب وعوالم وثقافات مختلفة ونكتسب منها ثراء ثقافياً لغوياً يثري تعاملاتنا اليومية بمفردات أشبه ما تكون بعملة لغوية نادرة ضاعت في زخم المفردات الهجينة، التي لا نعرف لها أصل، وإن عرفنا؛ فما هي منّا ولا نحن منها». وأضافت: «للقراءة القدرة على تغيير الكثير من المفاهيم، لها المقدرة على تغير سلوك الشخص وتصرفاته تجاه الآخرين. بالنسبة لي: لقد علمتني القراءة أدب الاستماع وأهمية الوقت؛ فلقد تعلمت الصبر من أدب السجون، وعرفت من كتب التاريخ بأن الحليف الخائن أشد ضرراً من العدو البائن، ومن منطلق ما تركته فيّ أن جُعلت فيّ سلاسة، أصبحت من خلالها أميز من حولي وأسمع ما بداخله، بالقياس على ظواهرهم التي أجد تشابهًا بينها وبين شخصياتها فيما أقرأ أو كنتُ قد قرأت، فكم من واحد منّا تجلى له بطل «الغريب» لكامو في مشاهد من حياته، أو كان الباحث الجوّال في خيميائي باولو كويلو، أو تائهاً خلف ملذّاته كصاحب زوسكيند في العطر، أو باحثاً عن خيالاته مثل دون كيخوت.. وحسبي أن أتيه في الروايات حتى أجد فيها عوالم غير عالمي، وأُنسًا وسط حزني، وأتلذذ برفاهية الكآبة حين أكون في أقصى لذاتي لغير شيء، إلا التنصّل من حياة تحيطنا.. لحيوات كثيرة نحيطها نحن. يكفينا في صحبة الكتب بأن نكون في جلسة فكرية أنيقة مع عباقرة القلم، كأن تحتسي فنجاناً من الشاي بصحبة نجيب محفوظ، وتستحضر معه مخزوناً من المواقف ومستودعاً من القصص كتلك التي رواها في أولاد حارتنا. صحيح أنني لم أقتن دمى (الماتريوشكا) في حياتي، ولم أمش في أزقة موسكو وشوارعها إلا أن روايات الأدب الروسي تكفّلت بأمنياتي هذه بأكملها. وصحيح بأنني غير مهتمة بعلم النفس إلا أن روايات ديستوفسكي مثل: «الجريمة والعقاب»، و»الإخوة كارامازوف» لخصت بسرده العبقري نوازع النفس البشرية وتعقيداتها». واختتمت رشا عبدالله المهتمة بمجال القراءة كوعي هام بالنسبة لها.. بقولها: «إن أجمل ما في القراءة أنها تنقذك من الرتابة، وتمنحك الجرأة والجسارة، وتجعلك تفكر وتحلل أكثر، وتعرف أكثر فأكثر، وتجعلك حراً إلى الأبد و هذا بحد ذاته هو المرجو منها وإن لك أن تخرج بسواه .. فحسبُك هو». وأما القارئة والكاتبة أثير الأحمد فقد أجابت على استطلاع الجزيرة الثقافية وفق منظورها الخاص بقولها: «كقارئة ما الذي أعطتكم إياه القراءة؟ الإجابة على هذا السؤال الذكي والهام والحيوي -وتحديداً- في توقيتنا هذا ستكون من وجهة نظري متفرعة معي ولكني يمكنني تحديدها: بأنّ القراءة والمعرفة آثارها غير محدودة مطلقاً؛ بل هي مضخات ذهنية متجددة تعيننا بعد زمنٍ طويلٍ على استخراجها من باطن عقولنا، وتظهر جلياً على أسلوب حياتنا المغاير كلياً والمبرز للفروق الفردية والذاتية فيما بين القارئ وغيره...»، وأكملت بقولها: «القراءة هي إزالة الحواجز التي توضع في طريقك باستمرار. وهي (الشخبطة) على المسار الذي رسموه لك مسبقًا. هي التجاوز والتقافز والانشقاق. بالقراءة لا تسير بخطى للأمام كما يعتقد الجميع.. بل تجعلك تمضي في ثلاثة اتجاهات بآن واحدة؛ لأنك باحث ولست ضائع؛ ولأنك تعرف مكامن الأشياء وثغرات الجدران وأسرار الأمور التي لا تُرى؛ لأنك بالقراءة والمعرفة -فقط- سترى أكثر من غيرك، وستتجلى لك الأشياء بشكل مختلف عما تتجلى به للآخرين». وحول الشق الآخر من الاستطلاع قالت أثير الأحمد: «أرى أنّ المعرفة شأن مشترك بين أفراد هذا الجيل ليس فقط في الورق والكتب وإنما كذلك في مختلف القوالب المسكوبة؛ فستجد الجميع يشربون منها ويرتوون». واختتمت مشاركتها معنا بقولها: «حياتنا أصبحت تنافسية، عالية؛ ولهذا فقد خلقت سباقات على اللاشيء فكيف بالمغرفة ومع زخم التواصل التقني صار شعارنا الحتمي: «عليّ أن أعرف أكثر». واستهلّ الروائي المبدع محمد المطرفي حديثه حول استطلاعنا بقوله: «حين تسألني ما الذي أعطتك إياه القراءة فكأنك تقول ما الذي أعطاك إياه: الهواء، والغذاء، والماء. القراءة هي جزء من حياتي؛ ومن فرط ما تماهيت معها لم أعد أشعر بها. ومن المستحيل أن أتعامل معها كشيء محسوس أمامي، منفصلٍ عن ذاتي لكي أتأمله وأعبر عنه. وأضاف: «في حسابي الشخصي عبر منصة تويتر: أنا لا أقدم وصفة، أنا أقدم تجربة؛ لذلك من الصعب أن أمسك بحقيقة لأعرف كمية الفائدة إن كانت هناك فائدة؛ فأنا لست معلماً يخاطب تلاميذه؛ وإنما نحن نسير معاً في الاتجاه ذاته». واختتم بقوله: «حب القراءة من حيث الكم فبرأيي أنّ هذا الجيل أكثر اطلاعاً من الأجيال السابقة؛ بحكم طفرة النشر ووسائل التواصل، ومع هذا يبقى بنظري: الكيف هو المهم». وبقيّ أن تذهب الجزيرة الثقافية لتفتح ملفّات التواصل الاجتماعي طامعةً في أن تقرأ ما خلفها، وتشارك قراءها ما حوته من محفزات للقراءة، وما تعدّه باستمرار وتعِدُ به من فوائد جمّة وحافزة لتطوير المعرفة بالقراءة، وقد أجاب القائمون على حساب (صدى القراءة) على منصة تويتر حول استطلاعنا: بقولهم: «في البدء صدى القراءة هو مبادرة شبابية تهدف إلى نشر ثقافة القراءة في المجتمعات ومعرفة أثرها على شخص القارئ». وأضاف الأستاذ سعيد حسين السميدع أحد المشرفين على الحساب.. قائلاً: «إنّ الحساب أنشئ باليمن ولكنه يشارك جميع القراء العرب بجميع أنحاء العالم؛ وقد أعطتنا القراءة الكثير من المعارف والعلوم والثقافات فبدونها نحن جهلاء ويكفي أنها تعطيك مصباحاً يضيء حياتك ويميزك عن غيرك في فكرك وتفكيرك وكبير أمرك وصغيره». وحول مدى تأثير المواقع وحسابات القراءة على منصة تويتر والمنصّات الأخرى أضاف بقوله: «من خلال تجربتنا أنّ هذا الجيل مهتم بالمعرفة ومتلقي وقابل للتحفيز وقد لمسنا هذا حسب ما أوردناه حتى الآن في حسابنا من عناوين ومؤلفات عالمية وعربية إذ نرى تقبّلها والسؤال عنها والحرص على اقتنائها ويحدث هذا من كثير من المتابعين لحساب مبادرتنا هذه، وهي برأيي دلالة توحي بأن ثمة نور هذه المبادرات والحسابات المهتمة بشؤون القراءة ستتضح لنا دائماً في نهاية النفق، وأملنا كبير بأن العالم العربي بأكمله يعود إلى الكتاب؛ لأنه هو صاحب رسالة اقرأ، وأن الجميع يقرأ والكل يرتوي من معيان القراءة الدائم فيروي حياته علماً ومعرفةً ورقياً...». كما نوهت الأستاذة رقية العلمي وهي مسؤولة كذلك عن حساب -صدى القراءة- بأهمية الحسابات الجادّة والمؤثرة والتي تهتم بالكتاب وتحفيز قراءته قائلةً: «قبل أكثر من عامين وتحديداً في يوليو 2018 انطلق حساب صدى القراءة عبر منصة تويتر ووسمه #صدى_القراءة في البدايات كانت الفكرة هي تعريف الشباب العربي بالكتب والكُتّاب العالميّين والعرب، وكل ما يمتّ لثقافة القراءة بصلة؛ فكان الحساب نبراس المعرفة الذي أنار الطريق للمهتمين بالشأن الثقافي. وكذلك أثرينا الحِساب من خلال المشاركة بالأيام العالمية والدولية بمعلومات عن كل ما يتعلق باللغة العربية، كما ساهمنا مع المتابعين في الأيام الثقافية مثل اليوم العالمي للغة العربية ووسم #لغتي-هويتي و #بالعربي. إضافة إلى كل ذلك: التعريف بأعمال المترجمين والمترجمات من اللغات العالمية للعربية والعكس. ولقد استقطب الحساب شبّان وشابّات من جميع أقطار العالم العربي والمهجر وأخذوا يغردون حول ثقافة القراءة بكل محتواها من حساباتهم من خلال صدى القراءة. وقد سعُدنا كثيراً حين لمسنا منهم عن قرب أنهم ما يزالون شباباً في مقتبل العمر، وأنّ مخزونهم الثقافي والعلمي عالي وسرعان ما أصبح هناك تفاعل فيما بينهم وبين الثقافات الأخرى، ورغبات جادّة في تبادل الآراء حول القراءة يتضمنّها مناقشة الكتب. ويسعى الحِساب كذلك لتعميم تفاصيل الجوائز العربية المتصلة بالأدب العربي، ولا ينقطع هم وهدف الحِساب مع انقطاع الكُتّاب بل أنه عند رحيل أي قامة أدبية يساهم الحساب باستعراض كتب وإصدارات الراحلين؛ ليظل وجودهم بالوجدان العربي خالداً ومؤثراً». واختتمت العلمي بقولها: «كذلك لم نُهمل جانب أدب الطفل في حسابنا، بل أخذ حيزاً كبيراً لا يستهان به، ومن هنا عليّ تقديم الشكر لمرتادي حسابنا؛ الذين لولاهم ما كان لهذا التفاعل أن يثبت أهمية القراءة لدى الجيل العربي الحالي». ومن منصة تويتر التي غدت اليوم نافذة للقارئ العربي يستلهم من خلال الحسابات المهتمة بالقراءة استطلعنا رأي القائمين على حساب: «مشروع أصدقاء القراءة» فأجاب مشرف العلاقات العامة والتسويق الأستاذ عبدالله با عباد على استطلاعنا بقوله: «القراءة تعطي الفرد عالمًا جديدًا وحياةً جديدةً يعيشها ويبحر بها بين فهمٍ للعقول ومناقشةٍ للأفكار. ولشدّة اهتمام الدول بالثقافة والقراءة أصبحنا نرى انعكاس ذلك على غالب أبناء هذا الجيل من زيادة الشغف والاهتمام بالمعرفة؛ وقد تُرجم لنا ذلك من خلال التفاعل المبهر مع المحتوى الذي يقدمه مشروع «أصدقاء القراءة». وبذات الاستفهامات التي تفتش عن إجابات مشتركة أو متفردة، وتسعى لإيضاح ما يجول بخواطر القارئ العربي وهمومه ذهبنا للبحث بدقة متناهية وسعي دؤوب لاطلاعه على الجوانب الخلفية للقراءة ودوافعها وآثارها. وختمنا استطلاعنا هذا بتوجيهه إلى حساب (القراءة حياة) وقد تفاعل معنا الأستاذ ماهر علي باعتباره أحد القائمين على أعمال الحِساب قائلاً: «في البدء أفتتح استطلاعكم الجميل والنادر والحيوي هذا بمعلومة -ولست متأكداً من صحتها- لكنها أقرب إلى المنطق والحقيقة.. تقول المعلومة: «إنّ الورق أحد أعظم ما أنتجته البشرية» ولعل هذه المعلومة قريبة جداً إلى التصديق، وإذا لم تكن حقيقة فينبغي القبول بها. فلما لا نقبل حقيقتها وفيها ترقد أرواح، وعقول العلماء، والمفكرين والعباقرة والأدباء والرواد والمثقفين بسلام؟ فأولئك هم من عمّروا الحياة وشيدوها وأفنوا حياتهم في خدمة البشرية التي تتوسد كتبهم ومؤلفاتهم العظيمة رفوف المكتبات، والتي نعقد معها جلسات يومية نستزيد من خلاصة فكرها وذخائرها كل منّا حسب اهتماماته وميوله الفكري». وأضاف الأستاذ ماهر علي على كلامه: «إنّ البوابة الهامة والأولى التي افتتحت في رسالتنا المحمّدية جاءت بأمر إلهي مقدس في قوله تعالى: {اقْرَأْ}، ومنذ ذلك الحين وهي لم تغلق ولن تغلق بل ستظل فاتحة أبوابها لكل روادها ومثقفيها، وقاصديها. ومن هنا نأتي إلى حقيقة لا لبس فيها على أنّ القراءة هي العمود الفقري الذي تستقيم به الحياة، وهو أمرٌ يُجمِع عليه الأغلبية، حيث يقول أحد الفلاسفة الرومانيين: «ما دمت تعيش تعلّم كيف تعيش» وهنا دلالة واضحة على معرفة العيش عبر الكيفية وهذا يعود بنا قليلاً إلى سؤال آخر، هو أننا تعلمنا في المدارس أن الماء والهواء أساس الحياة ولكن لم يكن لدينا الإدراك والوعي الكافي لمعرفة الكيفية التي نعيش بها هذه الحياة التي لا ولن تكون إلا بالقراءة المستمرة، تلك القراءة المثمرة والفعّالة؛ ذلك أنه ومن خلالها يكون التغيّر والفارق فيما بين من يعيش وفق نظام معرفي مقدس ومن هم دون ذلك. إضافة إلى ذلك فهي تمنحنا حرية التفكير والنظر للأشياء عبر نوافذ المفردات والأفكار المنفتحة على عوالم نجهلها...». ونخلص من خلال وجهات النظر والآراء الماضية وغيرها إلى أنّ القراءة هي المعين الذي لا ينضب مجاوره، والضوء الذي لا تنطفئ جذوته لكل من تتبّعه، وتبِعه، والمشكاة التي يتوجب أن تستمر بالإضاءة داخلنا نوراً على نور سواءً بالتوصيات حول ما علينا قراءته أو بدونها. وبدورها جريدة الجزيرة الثقافية تتقدم بالشكر والامتنان لكل من شاركنا هذا الاستطلاع بغية صناعة مادة ثقافية قادرة على إيصال نواتها وخلاصتها للقارئ العربي المخلص لتجربته القرائية.