التعصب مفهوم من مفاهيم القرن الثامن عشر الميلادي، ويقال إن ارتباطه كان برجل يهودي متعصب.. وظاهرة التعصب هي من اختصاص علم النفس الاجتماعي المعاصر، وقد أولت الشعوب اهتماماً خاصاً بالتعصب العنصري، والسياسي والاجتماعي والقومي والفكري وغيرها، إلا أن هذا الموضوع لقي اهتماماً ودراسة وجدية من علماء الغرب، الذين نقبوا وحاولوا وضع دراسة نفسية تحليلية لهذه الظهرة لاسيما في علاقة الفرد بالقوميات الأخرى. ويرى العالم هالدن أن التعصب من أهم الابتكارات الأربعة ما بين عام 1400 قبل الميلاد وعام 3000 قبل الميلاد، ولهذا اعتبره الدارسون يعود إلى أصل يهودي مسيحي، وهذه الدراسات الغربية ظلت غير مطروقة عند العرب بل مجهولة وغامضة. والشخص المتعصب هو ذلك المتحمس لفكرة أو رأي أو اتجاه، وهو تحمس مبالغ فيه جداً، وغالباً ما يرتبط بالتعصب إحساس بالبغضاء والكراهية تجاه فئة معينة أو جماعة معينة، وتصل هذه الدرجة من الشعور إلى التعبير عنها والإفصاح عنها أيضاً، وقسم الدارسون النفسيون التعصب إلى قسمين هما: الأول: التعصب الإيجابي ويظهر في سيادة روح التعاون والمحبة والتسامح بين أفراد المجتمع، وهو دليل على صحته وسلامته نفسياً. الثاني: التعصب السلبي ويظهر في هيمنة روح الكراهية والعدوان بين أفراد المجتمع، وهو ينم عن اعتلال نفسي يهدد كيان المجتمع. وأهم الملامح العامة لمفهوم التعصب بقسميه الإيجابي والسلبي تنحصر في: 1 التعصب «المعرفي، الانفعالي، السلوكي». ولنا وقفة حول هذه الاتجاهات الثلاثة: المعرفي هو عبارة عن الادراكات والمعتقدات والتوقعات الخاصة بشخص معين، مثل السود واليهود. الانفعالي يشتمل على كل الأمور التي تنطوي عليها صفة كالمودة أو صفة العداء. السلوكي وينحصر في المعتقدات الخاصة التي يجب عملها بالنسبة للجماعة والتوجه السلوكي لفرد معين نحو جماعة معينة أخرى. ولا بد هنا من وقفة تساؤلية وهي متى يحدث التعصب؟؟ والجواب يحدث التعصب حينما ينحرف الإنسان عن معايير ثلاثة وهي معيار العقلانية، ومعيار العدالة، ومعيار المشاعر الإنسانية الرقيقة. والشعور بالحرمان من أهم أسباب نشوء التعصب، وهو ناجم عن عدم إشباع الغرائز، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية كان السود يشعرون بالعجز عن تحقيق رغباتهم، وتحسين أوضاعهم، أمام البيض الذين حصلوا على جميع رغباتهم فأدى هذا إلى ظهور أشكال العنف ضدهم، وكان نفس هذا الأمر واقعاً في جنوب أفريقيا. ومعالجة هذا التعصب تكون بالثقافة والتشبع بها، ومحاولة التعرف على الجهة المتعصب ضدها والنظر في إيجابياتها ، ومن عوامل التعصب أيضاً الاستغلال والتنافس اللذان يؤديان إلى استغلال ثروات الآخرين وطاقاتهم، ويغدو هؤلاء الذين أذلتهم الحياة، لديهم حساسية شديدة وقهر شديد فجرحهم النفسي يجعلهم متأهلين للتعصب، والمتعصب يعتقد أنه أمسك بزمام العلم والقوة والتفوق، ويترافق مع هذا الشعور قدرة كلية وتمجيد فكرة الانتماء إلى جماعة معينة، وهؤلاء المتعصبون لديهم يقين تام بصحة أفكارهم، فهم لا يقبلون النقاش، ويفرضون آراءهم على الآخرين، ويعتقدون أنهم سيصلون إلى العالم السحري، والواقع الفردوسي، والمتعصبون يفتقدون صفة الواقعية، وهم يتميزون بالنفخة المثالية، وجنون العظمة. وأما كيف يكتسب الإنسان ظاهرة التعصب؟ فهذا عائد إلى الاتجاه العصبي، من خلال عملية التنشئة الاجتماعية وهي محاولة نفسية ليشعر الإنسان أنه مقبول ومرغوب من الآخرين، ويكتسب الطفل التعصب من خلال ثلاث قنوات رئيسية: الأولى الوالدان، الثانية: المعلمون، الثالثة: الأقران. ويرى الباحثون النفسيون أن الشخصية التسلطية سبب من أسباب التعصب، لاسيما حين يكون الوالدان أو أحدهما صاحب شخصية سليطة مضطربة تتميز بالتمسك اللامنطقي لأفكارها، والميل إلى التهكم والسيطرة. ولابد هنا من معالجة التعصب السلبي وترشيده بتغيير مساره، ويتمثل هذا في جهود وسائل التخاطب الجماهيري من مذياع وتلفاز وصحف، فهي التي ترسل المعلومات والإشارات وتستقبلها وعليها دور كبير في مواجهة التعصب والتقليل من حدته، ويعتبر برنامج «كارك هو فلاند» C.Hov Land في جامعة «ييل» بالولاياتالمتحدةالأمريكية والذي أُذيع بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الثانية من أوائل البرامج المدروسة في مجالات التخاطب الجماهيري، وهو نموذج فريد للاستمالة والإقناع ويهدف إلى تغيير الاتجاهات التعصبية والتي كانت منتشرة عندهم آنذاك بين البيض والسود، كما قامت الولاياتالأمريكية بالحد من ظاهرة العزلة في مؤسساتها الاجتماعية، وفي قواها العسكرية والتعليمية، فاختلط البيض بالسود. والبرامج التربوية لها دور كبير في القضاء على ظاهرة التعصب، والتعليم أيضاً له دور بارز في هذه الناحية ولابد أن يرتبط التعليم بالنصح والإرشاد والتوجيه الفعال، وإيقاظ الشعور الايجابي في نفسية المتعصب، واستثارة مشاعره الطيبة والإنسانية. وتعتبر مرحلة العلاج النفسي مرحلة مثمرة في هذا المجال، لاسيما حين يقترن التعصب بشعور القلق والتوتر والانفعال، ويفيد التحليل النفسي في طرح آفاق جديدة، ورؤى مختلفة حول هذه الظاهرة، ويحاول البعض أن يسميه التعصب بالذهان الاجتماعي وميزوه بعرضين العنف والغضب إلا أن التنشئة الاجتماعية إذا ما سارت في مسارها الصحيح، وأحسن الآباء والمعلمون القيام بها، فهي كفيلة بسريان روح العدالة والحب والتسامح بين أفراد المجتمع، والمجتمع المتحضر هو الذي لا يتصاغر أمام هذه الظاهرة، ويعرف أن لفظة حضارة تعي أمرين الأول: حماية الإنسان من الطبيعة. الثاني: تنظيم علاقات الناس فيما بينهم. فالأمل وحده هو رهين هذه المجتمعات، والمستقبل المضيء معقود بنواصيها. مصادر المادة ومراجعها: سيكولوجية التعصب، تأليف أندريه هاينال وميكلوس مولنار و جيرار دي بوميج، ترجمة . الدكتور خليل أحمد خليل. الطبعة : دار الساقي عام 1990م. التعصب دراسة نفسية اجتماعية، تأليف الدكتور معتز سيد عبدالله، الطبعة دار غريب القاهرة الطبعة الثانية لعام 1997م.