يُعرّف الغَبْن في البيع والشراء، بأنّه مبادلة الشيء السليم بأقلّ أو بأكثر من قيمته الحقيقية، كأن يبيع تاجرٌ الزبائن بضاعته بأعلى من سعرها الحقيقي في السوق، لأنّهم جاهلون بقيمتها، فيكتشفون لاحقاً بأنّه غبَنهم، وباعهم إياها مُستغلّاً عدم معرفتهم بقيمتها الحقيقية، وهذا محرمٌ في بعض الحالات، ويُسمى الغَبن بالفاحش؛ إذا تجاوز سعر البضاعة حدّاً مُعينّاً، وقد قال عنه كثيرٌ من العلماء بأنّه محرمٌ بين العباد، لأنّ فيه استغلال جهلِ بعض النّاس بأثمان السلع في السوق، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تلقي الرُّكبان، أيْ شراء السلع والبضائع من القادمين من خارج المدينة قبل دخولهم إلى الأسواق، ومعرفتهم بأسعار السوق؛ لما فيه من تغريرٍ وخداع قد يؤدي إلى الغبن وأكل أموالهم بالباطل، ومن الواجب تركهم حتى يدخلوا المدينة ويعرفوا الأسعار عن قرب. في المقابل؛ قد تجد غَبنْاً مُجرداً من كلّ خديعة، ولم يقصد به البائع خديعة المشتري، فالأسواق فيها الكثير من العروض، وقد يحدّد كلّ تاجر سعر بضاعته بما يتناسب مع التكاليف التي يصرفها من إيجارٍ لمحله ومصاريف الديكورات، فيُلاحظ، في كثيرٍ من الأحيان، أنّ سِلعاً مُعيّنة ذات سعرٍ منخفضٍ في الأسواق الشعبيّة، بينما يرتفع في المراكز التجاريّة الكُبرى، وحينها تُصبح مسؤوليّة المُشتري المغبون؛ الذي فقد التروّي في الشراء ولم يسأل أهل الخبرة!.. وعادة ما تفقد السلعة قيمتها وبهجتها عندما يشعر المشتري بأنّ البائع قد غبنه، ويشعر بالحسرة والندامة لأنّه وجدها في مكانٍ آخر أقل سعراً!.. وقد يحدث العكس؛ فيغبن المشتري البائع، فيشتري السلعة بأقلّ من سعرها الحقيقي، بسبب غفلة البائع أو بسبب جهله أو نسيانه، أو أنْ يشتريها بغياب صاحب المتجر، من أحد أبنائه غير العارفين بالأسعار! وهناك من يتخذ الغَبْن وسيلته وطريقته في الحياة؛ وهو من الأنانيين الذين يحبون اسْتِئثار المنافع لهم وحدهم، وهو من الذين يتفاخرون في المجالس بقدرتهم على البيع والشراء بحرفيّة، ظنّاً منهم أنْ هذا يجلب له الرزق الأكثر، وللدلالة على ذكائهم وحنكتهم، وكثيراً ما تًصادف أمثال هؤلاء؛ الذين يشيعون الاضطراب والحسرة بين النّاس، فتجدهم يقولون بأنّهم اشتروا هذه السلعة بأقلّ مما اشتراها الآخرون، وليست غايتهم تنبيههم وإرشادهم، وإنّما غايتهم إثبات شطارتهم في البيع والشراء! وهناك صورة أكثر مأساويّة وبشاعة للغَبْن؛ تحدث بين زملاء العمل أو أصحاب المِهن أو غيرهم، حيث يغبْن أحدهم الآخر؛ فيغشّه ويستغلّ طيبة قلبه، فيميل عليه ميلاً شديداً، فقد تجد موظفاً يأخذ إجازاتٍ مرضية كاذبة، ويترك عمله ومسؤولياته لموظفٍ آخر، زميلٍ له، لأنّه وجده صبوراً وصادقاً في عمله، فيستغلّ هذه صفاته لمصلحته!... أو تجد طبيبًا يعمل في أحد المستشفيات العامة؛ يحاول أنْ يتخلّص من بعض الحالات الطبيّة المعقّدة، ويتركها لزميله الآخر، فيتحايل بشتى الطرق والوسائل حتى يجعلها تستقرّ عند زميله، الذي لا يجد مناصاً من معالجتها، بعد أنْ تخلّى عنها زميله!... أو تجد مُهندساً يتصدّى للأعمال البسيطة، ويترك المعقدة لزملائه الآخرين، حتى يبتعد عن المسؤولية والمحاسبة! صورُ ومظاهر الغَبْن بين زملاء العمل أو في أفراد العائلة الواحدة كثيرة، وتأخذ أشكالاً مختلفة، فتجد فيها دائمًا، أحدهم يغْبن زملاءه، مُتهرّباً من العمل والمسؤولية، لأنّه وجد طرفاً آخر مُسالماً، يعمل بجدٍ ونشاط، وقد يضطر المغبون إلى التراخي أمام زميله؛ لأنّه يريد السلامة لنفسه وأهله، وخوفاً من سطوة زميله عليه!... ولكن؛ في يوم التغابن، ستنقلب الصورة وستدور الاتهامات والحُجج بين الأطراف، فيصبح الضعيف قويّاً والقوي ضعيفاً، وستظهر حقائق النفوس، وحينئذٍ ستظهر كثيرٌ من المظالم الخفيّة، التي لم تُدركها الأبصار والعقول؛ تنتظر الجزاء والعقاب من الله، سبحانه وتعالى.