بحكم خبرتي المتواضعة يمكنني أن أتحدث عما عشته وعايشته منذ بدأت أتابع الصحافة الثقافية بشكل منتظم في حدود عام 1990 وما بعده. لحظتها كنت أسجل في مذكراتي الشخصية مواعيد صدور الملاحق الأدبية خاصة، وأبحث عنها بكل جهد ممكن في وقت لم يكن هناك من وسيلة تثقيفية سوى الصحف الورقية. ثم سار بي الزمن وبدأت في نحو 1995 بنشر أول نصوصي القصصية؛ وهو ما جعلني أرتبط بهذا النوع من الصحافة، وأنتظر أيام صدور الملاحق الثقافية، وفي مقدمتها «الجزيرة» الرائدة في خدمة المشهد الثقافي حتى الآن، بعكس الصحف الأخرى التي تخلت بشكل واضح عن الاهتمام بالجانب الأدبي/ الثقافي. ثم كان قدري أن دخلت ساحة الصحافة الثقافية/ الأدبية من أوسع الأبواب عندما عُينت في عام 2001 محررًا ثقافيًّا في صحيفة «الوطن» بمركزها الرئيسي في أبها. وحتى عام 2015 وأنا أخوض غمار التجربة براحتها الجميلة، وإرهاقها الجميل أيضًا.. ولذلك تكونت لدي رؤية معينة، قد يتفق معي فيها الكثير من متابعي المشهد الثقافي، هي أن وسائل الإعلام المحلية، وربما بعض العربية، لا تملك بُعدًا استراتيجيًّا واضحًا عند النظر لموضوع الثقافة والأدب؛ فالأمر أحيانًا يخضع لمعايير بعيدة عن الجودة الإبداعية، وهو عدم الالتفاتة والنظر إلى المبدعين من الصفَّين الثاني والثالث، الذين بدورهم سيكون لهم الأثر الأبرز في القيام بالنشر والمشاركة خلال مستقبل الصحف الثقافية. وهذا نابع أحيانًا من رؤى لدى بعض رؤساء التحرير من حيث ارتباطهم الوثيق بخدمة الصحيفة التي يقومون عليها بالاعتماد على صف إبداعي واحد فقط. وهذا -برأيي - هو أحد أسباب تلاشي الصحافة الثقافية مع بقاء البعض متماسكًا رغم الظروف التي أحاطتهم. إذن فالأمر يعتمد على الاتجاهات والرؤى الثقافية لرؤساء التحرير، ولا يُبنى على أي استراتيجية واضحة. وإنني من هذا المنطلق لآمل من جميع رؤساء التحرير، ونحن في فترة زمنية صحفية عالمية حرجة، أن يسهموا - كلٌّ بما لديه من صلاحيات - في المشاركة الفاعلة في إعادة بناء المشهد الثقافي كما كانت الملاحق الثقافية تفعل ذلك؛ لأن رسالة الصحافة قائمة على الاستراتيجيات أولاً وقبل كل شيء. ** **