تُعدّ الرواية السعودية الجديدة شكلاً من أشكال البناء الروائي الجديد في العالم العربي؛ إذ تقوم على الوعي بأزمة الإنسان، والبحث من خلال هذه الأزمة عن طريقة لتصويرها، والبحث في أعماق هذه الأزمة والمعاناة. وتظل الرواية الجديدة شكلاً من أشكال التمرّد على النوع الأدبي؛ ليس من خلال تكسير صورة البناء التقليدي والحديث في الرواية، بل من خلال البحث الدائم عن شكل الرواية الجديدة؛ وكان الانفتاح على الفنون الأخرى رافدًا من روافد هذا البحث والبناء؛ ليس من خلال البعد الإيديولوجي فقط، بل من خلال الاطلاع على الأبعاد الإنسانيّة في الفنون الأخرى: كالرسم، والموسيقى، والنحت. ورغم أن اتصال الرواية بهذه الفنون ليس جديدًا، فإنَّ الجديد هو التعاطي معها من خلال عدة أدوات، وآليات كان لها أثرٌ في بناء النص الروائي الجديد، فالرواية الجديدة بصفتها وعيًا بأزمة الإنسان كما يقول ميشال بوتور، لم تعد قادرة على تنميط شكلها، وجعله في قالب واحد، وإنما اتصل بحثها عن نفسها من خلال اتصالها بالعمق الإنساني، والأزمة الوجودية التي يعانيها. فتضافرت عدد من الأدوات في عدد من الفنون إلى دخول عالم الرواية، عن طريق البحث عن الجديد، فكان حضور التكنيك الصوتي ملمحًا بارزاً من ملامح انعتاق الرواية من النمط البنائي السائد، القائم على علاقات بنائية تربط عناصر بناء الرواية بالخطاب الروائي، إلى تشظي تلك الأدوات، وانتشارها على مستوى النص الروائي؛ فحضور الصوت-لا سيما- التعويل على الذاكرة الذهنية للمتلقي/ القارئ جعل الرواية تتصل بعمق الأزمة الإنسانية التي شكّلها صوتٌ معيّن، فتجاوزت الرواية السعودية الجديدة أنماط الصوت التقليدي مثل: صوت المطر، أو صوت الرياح وما يحمله هذا من بُعد إيحائي يتصل بالراحة، أو القلق، إلى أن يكون حضور الصوتِ في الرواية الجديدة من خلال ذاكرة القارئ/ المتلقي وما يحمله للأصوات، مثل أغاني فيروز، أو طربية أم كلثوم، أو أصوات أبواق السيّارات التي تختلف مشاعر الناس حولها؛ مما يفتح باب التأويل دون إغلاق في حركة دائرية تناسب بحث الرواية الجديدة عن نفسها. ويظهر اعتماد روايات سعودية كثيرة على هذا التكنيك، من خلال توظيف ذاكرة الصوت الخارجي حين الانتقال بالأحداث من السائد المعروف إلى المتخيّل؛ وهذا التداخل قاد إلى تنميط الذاكرة الذهنية؛ كما في الأغاني الشعبية في ثلاثية تركي الحمد، أو صوت إذاعة لندن كما في رواية الرياض نوفمبر 90 لسعد الدوسري، أو أم كلثوم في الفردوس اليباب لليلى الجهني، كل هذه الأصوات تعوّل على ذاكرة القارئ/ المتلقي ولكنها تأتي حين تنعطف الحكاية منعطفًا جديدًا غير متوقَّعٍ؛ وكأنه تتكأ على القارئ في معرفة التحوّل. ورغم ذلك فإن استدعاء الصوت في الرواية السعودية الجديدة، هو ملمح من ملامح تجديدها إذا تجاوز تأويل حضوره في النص الروائي البُعد الإيديولوجي إلى البحث عن شكل القالب الروائي الذي جاءت فيه؛ لأنها ترتبط في ثنائية بنائية على القارئ ثم الكاتب/ الروائي وهي عملية عكسية تناسب روح الرواية الجديدة الباحثة عن نفسها، والساعية إلى تكسير أنماط البناء والتلقي التقليدية. ** **