أجمل ما في الإدارة الحديثة أنها نسفت خرافة معيار «التقادُم» كأحقيّة مكتسبة لتَبَوُّء المقاعد الأمامية التي لم تعد حكراً على أصحاب الأقدمية والخبرة والتجربة، بقدر ما هي باتت مُتاحة لذوي العقول المُبتَكَرة والمُبدِعة، ولمن يمتلك «فِكْرُ مُختَلِف» يُمَكِّن من مجاراة التغيير ومحاكاة الواقع والتفاعل مع عقلية التطوير في المنظمات التي قرّرت أن يكون لها مكان ريادي على منصة الأعمال ذات السمة المُنجِّزة. لطالما عانت العديد من الأجهزة الإدارية في تاريخها من حاملي أَلْوِيَةٌ الأقدمية للتربص بحيازة المناصب حال شغورها لا لكفاءتهم ولا لتأهيلهم، فقط لأنهم جاءوا لهذا المكان أولاً، ولكونهم يحتفظون بمفاتيح صناديق المعلومات في جيوبهم، هذه الثقافة البائدة التي دفعت المنظومة الإدارية ثمن ترهلها لسنوات هي في طريقها للزوال مع عصر الفكر المرن في صناعة القرار الإداري، ومع تطوّر أساليب التقنية والبيانات المفتوحة ونمذجة الإجراءات وقواعد العمل المُيسّرة. استنادا على المبدأ الإداري القويم الذي ورد بالآية الكريمة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، فإن تنافسية الأداء هي اليوم المعيار الفيصل للحصول على أحد المقاعد الأمامية، الأمر لا علاقة له بأي اعتبارات أخرى مهما كانت مُبرراتها، عدا ذلك سيكون الأمر إخلالاً بأخلاقيات المهنة والمسؤوليات الإدارية، نحن هنا نتحدث عن دائرة العمل التي يجب أن تكون نقطة ارتكازها «الإنجاز» كمؤشر لأهلية المنافسة، فالخبرة والتجربة التي لا تنعكس على هيئة «إنتاج» هي هدر للموارد البشرية في صورتها العملية. النسخة السعودية في السنوات الأخيرة باتت أكثر احترافية، وبرهنت وبشكل عملي وعلى كافة الأجهزة الإدارية على أن الذهاب للمستقبل يتطلب قرارات جريئة تُعنى بتطبيق فلسفة «الإدارة الرشيقة» ذلك الأسلوب الذي يكفل أولاً منح المقاعد الأمامية لأولئك الذين يستطيعون قيادة التحوّل والإيفاء بمسؤوليات المرحلة، خاصة من الجيل الذي بات يمتلك القدرة والكفاءة والتأهيل والاستحقاق لأن يكون في المقدمة. خلاصة القول: لنترك مقاعدنا لمن يستحقها.