حركة المسلم في الحياة تسير ضمن منهجية واحدة وهي تحقيق غاية وجوده في هذه الحياة، ومن هنا نجد ان القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يهتمان بتوجيه المسلم لتحقيق تلك الغاية بحيث يتحقق لدى المسلم التوازن النفسي والسلوكي فتنسجم حياته مع الوجود فلا شذوذ في سلوكياته، ، إن الاختلال الذي نلاحظه في سلوكيات الافراد والمجتمعات الإسلامية انما يرجع إلى الاختلال الذي أصاب افرادها ومجتمعاتها حيث اصيبت الأمة بمجموعها بالتنافر بين ما تأمر به وما تمارسه وكلما زاد ذلك التنافر زادت المسافة بين المنهجية التي تنظم الحياة، كما جاء بها الإسلام وممارسات الافراد والمجتمعات الإسلامية كلما زاد الخلل والضعف في تلك المجتمعات كما هو مشاهد في عصرنا الحاضر، في المجال الاقتصادي وفيما يتعلق بسلوكيات الانفاق الاستهلاكي نجد البعد البين بين ما يأمر به الإسلام ويحث عليه وبين ما يمارسه الناس في حياتهم اليومية مما أفقد تلك الارشادات والأوامر فعاليتها ودورها في تهذيب سلوكياتهم، وفي توجيه تلك السلوكيات لتخدم الأنشطة الاقتصادية لما فيه مصلحة الاقتصاد ككل، لقد حدد الإسلام من خلال التوجيهات النبوية أهداف وغايات الانفاق الاستهلاكي الذي ينبغي للمجتمع المسلم اتباعها والاسترشاد بها سواء من خلال ممارسة أفراد الأمة لها، أو من خلال السياسات التي تُرسم من قبل راسمي السياسات الاقتصادية في المجتمع المسلم، روى البخاري عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة والشاه الصفي منحة تغدوا بإناء وتروح بآخر وفي لفظ مسلم إلارجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعس وتروح بعس ان اجرها لعظيم كما روى البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعون خصلة أعلاهم منيحة العنز مامن عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة، كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها انها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطاً فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه او قطعه وقال ان الله لم يأمرنا ان نكسو الحجارة والطين قالت فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي، كما روى أحمد عن عروة بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا غير مخيلة ولا سرف، ، بدراسة هذه الأحاديث ندرك من خلالها التوجيهات التي جاءت في ثناياها لتحدد أهداف الانفاق الاستهلاكي الذي يطلب الاسلام من معتنقيه اتباعها والاسترشاد بها عند ممارستهم للانفاق الاستهلاكي على النحو التالي، أولاً: اعطاء الأولوية في الانفاق لسد حاجات المحتاجين عن طريق توفير الوسائل المفيدة للمستفيدين من الانفاق بقصد سد الحاجات الضرورية بحيث يتجه الانفاق إلى تملك ما يمكن ان يؤدي إلى استمرارية اشباعات الحاجات بشكل دائم، ثانياً: ربط الانفاق على السلع بمدى الحاجات إليها والبعد عن الانفاق على ما لا ضرورة إليه والنهي عن المغالاة في تملك السلع الاستهلاكية التي تزيد من الاتجاه الاستهلاكي، ثالثاً: الوسطية عن الانفاق على السلع الترفيهية والتنعم بما أوجده الله من خيرات بشرط الابتعاد عن مظاهر الاسراف أو التفاخر على الناس باستخدام مال الله الذي هو وسيلة لعمل الخير وليس غاية في ذاته،