تنتظر جمهورية الملالي الإيرانية ومعها أذرعها في المنطقة أن يفوز بالرئاسة الأمريكية مرشح الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن، على اعتبار أنه سينقذها من الحصار، ويعيد تفعيل الاتفاقية النووية التي انسحب منها الرئيس ترامب. وهذه قراءة رغبوية إلى حد كبير، وليس بالضرورة أن يتم ذلك وإغفال ما طرأ على الساحة السياسية في الشرق الأوسط من متغيرات. السياسة دائماً وأبداً ليست ثابتة، وإنما تدور مع مصالح الدولة حيث دارت، وهذه التغيرات، وفي أحايين كثيرة، تتبدل حسب ما طرأ وجدَّ في العلاقات بين الدول. أضف إلى ذلك أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي بينهما اختلافات في الفلسفة السياسية والنظرة بالتالي إلى كيفية معالجة الأمور، لكن هناك ثوابت ليس في مقدور أي من الحزبين تجاوزها، وغني عن القول إن ما أحرزته الإدارة الأمريكية الحالية من منجزات في قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ستكون حتماً من القضايا التي لن يفرط في مكتسباتها الديمقراطيون فيما لو فاز مرشحهم. أضف إلى ذلك الحرب على الإرهاب، وتجفيف منابعه، وتتبُّع كوادره، فتلك من ثوابت الأمريكيين سواء جاء إلى البيت الأبيض جمهوري أو ديمقراطي. أما فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع إيران فلن تعود كما كانت حين وقعت، لأن ثمة مستجداتٍ طرأت لا يمكن إلا أن تلقي بظلالها على إمكانية تجديد هذه الاتفاقية، فقد كان من أهم دوافع دول 5+1 حينما وقعوا تلك الاتفاقية أن تكون بمثابة الدافع للتيار الإصلاحي في إيران ليتولى زمام صناعة القرار، غير أن هذا الأمل لم يتحقق، وسيطر التيار المتشدد الذي لا يعنيه الداخل الإيراني كأولوية قدر ما يعنيه (أولاً) أن يتمدد في المنطقة، وهذا ما كان قد سبغ الفترة التي بقيت من فترة الرئيس أوباما، وكذلك كل فترة الرئيس ترامب رغم العقوبات، وليس لدي أدنى شك أن تجديد الاتفاقية النووية ستهتم كثيراً بهذا الشأن المستجد، ولاسيما أن (تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل) فرض واقعاً جديداً على الساحة، لا يمكن إلا أن يأخذه الرئيس الجديد فيما لو فاز بعين الاعتبار. إضافة إلى ذلك، وهي في تقديري نقطة جوهرية، أن المملكة استطاعت بالفعل تجفيف منابع صناعة الإرهابيين في داخلها، بالشكل والمضمون الذي لا يمكن أن يتجاوزه الديمقراطيون، فلم نعرف طوال فترة عصر الملك سلمان أي عملية إرهابية، اللهم إلا تلك التي تم إجهاضها قبل حدوثها، وكان مصدرها إيران ، مما يعني أن إيران هي مصدر الإرهاب في المنطقة. أما فيما يتعلق بتصرفات وعنتريات أردوغان (البلطجية)، فهناك الكثير من المبررات التي ستجعل ساكن البيت الأبيض الجديد يتعامل معها بحزم، وهذا ما تسرب عن بايدن، وجعل القطريون مؤخراً يتعاملون مع جشع أردوغان بشيء من الحزم، الأمر الذي أثار بينهم بعض الخلافات كما تقول بعض التقارير القادمة من الدويلة. أما ما يتعلق بجماعة الإخوان، والذين دعمهم الرئيس أوباما في فترة الربيع العربي، فقد ثبت الآن للجميع أنه كان رهاناً فاشلاً، وفي رأيي أن ورقة هذه الجماعة تعتبر لدى صناع السياسة الديمقراطيين (ورقة محروقة)، لم تحقق لهم ولا للمنطقة إلا مزيداً من المشاكل والاضطرابات. بقي القول إن الحزب الديمقراطي سيجعل أمريكا أكثر (اشتراكية)، فهو قولٌ مردود عليه، فاليسارية في أمريكا لا تعدو أن تكون في مجالات محدودة، كالرعاية الطبية مثلاً، وقضايا حقوق الملونين من غير البيض، وهي قضايا تمارسها كثير من الدول الغربية وكذلك كندا، لكنها لا تصل في مراميها البعيدة إلى أكثر من هذه الشؤون. كل ما أريد أن أقوله هنا إن التاريخ لا يعيد نفسه، طالما استجد من التغيرات والتطورات ما يجعل قواعد اللعبة تتغير رأساً على عقب كما وضحت في هذه العجالة. إلى اللقاء