قد لا تحظى السياحة الثقافية لدى سائحي الداخل، بالاهتمام الذي تحظى به القطاعات السياحية الأخرى، كسياحة الترفيه والاستجمام، والتسوق، غير أنها تتصدر الوجهات السياحية المفضلة لدى شعوب الغرب، وبعض دول الشرق كاليابان والصين وغيرها. يبدو أن ثقافة السياحة الداخلية بدأت في التحول التدريجي، والتشكل من جديد، وفق متغيرات العولمة، والاهتمامات الجديدة للسائحين التي لم تكن جزءًا من ثقافتهم السابقة. الدمج بين بعض أنواع السياحة، وتكثيف وتنويع المهرجانات والأنشطة، إضافة إلى التسويق الاحترافي، ساهم في تعزيز السياحة الثقافية، وأهمية العلا بين الوجهات السياحية الأخرى، بالرغم من طابعها التراثي. موقع المحافظة المتميز، وقربها النسبي من أهم المشروعات السياحية الأخرى كمشروع البحر الأحمر، ونيوم، سيخلق تكاملاً سياحياً بينها، خاصة مع وجود طرق الربط البرية والمطارات. المحافظة على تراث وإرث العلا، واستثمار مقوماتها البيئية والثقافية والتاريخية المتميزة، والنهوض بقطاعات الآثار والثقافة، والمواقع التاريخية وتسجيلها في اليونسكو، من ركائز رؤية 2030 . وأحسب أن «رؤية العلا» جمعت بين تلك الأهداف الرئيسة، والتنمية الشاملة المحققة للأهداف المستقبلية. يحسب للهيئة الملكية لمحافظة العلا المبادرة بتجهيز المواقع التراثية، وتسويقها عالمياً ومحلياً، وفتحها للزوار على مدار العام، وخلق فعاليات متنوعة تسهم في الجذب السياحي المعزز للسياحة الثقافية. إضافة إلى مساهمتها الفاعلة في تسويق الفرص الاستثمارية، وتحفيز القطاع التجاري والزراعي على وجه الخصوص وبما ينعكس إيجاباً على المكونات البشرية، واقتصاد المحافظة. تطوير منظومة ريادة الأعمال، من المبادرات المهمة التي تهدف إلى تمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتزويدهم بالمعرفة والمهارات، وبما يسهم في تطوير اقتصاد المحافظة وتنوعه. حاضنات الأعمال أحد أهم الأدوات الضامنة لنجاح المبادرين والمبادِرات، وإن كنت أرجو أن تطرح الهيئة فرصاً استثمارية محددة من واقع احتياجاتها، وتساعد المبادرين الشباب على تبنيها، ومن ثم احتضانهم لضمان النجاح. تشير المعلومات الأولية إلى أن هيئة العلا بدأت في رسم إستراتيجية تنموية شاملة للمحافظة اعتمدت فيها على المقومات المتاحة، والمحفزات الأخرى، والتركيز على السياحة كمحور للتنمية، مع التركيز على الاستدامة التنموية والاقتصادية. تقسيم المحافظة إلى مناطق تشمل المنطقة التراثية السياحية، والسكنية، والاقتصادية، والخدمات، والتعامل معها وفق مشروعات التطوير والمتطلبات المستقبلية والمعايير الصارمة، سيسهل من عمليات التنمية الشاملة وسيعطي المحافظة بعداً جمالياً واستثمارياً هي في أمس الحاجة له. اعتماد المخطط العام للمحافظة، وكود البناء، والالتزام به، من أهم أدوات النجاح، كما أن ربط مراحل التنفيذ؛ وفق المخطط العام؛ بأعوام محددة روعي فيها الفترة الزمنية القصيرة، المتوسطة، والبعيدة المحددة بالعام 2035 ، ستعطي الهيئة قدرة أكبر على التنفيذ المنضبط، وتوزيع التدفقات الرأسمالية الحكومية، والاستثمارية الخاصة، والقياس، والمراجعة أيضاً وفق المتغيرات الطارئة. التركيز على البنى التحتية من أهم مراحل التطوير، وأكثرها احتياجاً للإنفاق الرأسمالي الحكومي، إلا أن إتمام هذه المرحلة سيزيد من فرص تدفق الاستثمارات الخاصة على العلا، وسيسرع في تحقيق ممكنات التنمية الاقتصادية. فالاستدامة لا يمكن تحقيقها بمعزل عن القطاع الخاص الذي يهتم كثيراً بالتشريعات، والفرص النوعية، واستكمال البنى التحتية. أختم بأهمية إنجاز بعض المشروعات التنموية العاجلة التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي تنعكس إيجاباً على المحافظة وسكانها وزائريها. قد يكون من الأجدى إنجاز تجمع سياحي متكامل أشبه ما يكون بالقرية السياحية التي تضم مراكز إيواء، ترفيه، وتسوق، وفق أعلى معايير التطوير الحديثة. الأكيد أن الهيئة تركز على خلق تنمية شاملة بعيداً عن التجمعات الأحادية التي قد تضر بالمخطط العام، إلا أن تسويق العلا الاحترافي والمتميز، محلياً وعالمياً، يرفع من سقف التوقعات، ومن المهم المواءمة بين التوقعات والواقع المعاش في جانبه الخدمي، لضمان تحقيق رضا السائحين، الذي يؤثر في تقييم تجاربهم السياحية ونقلها للآخرين.