سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصلهبي بعد ديوانه الأول: نافذة على الإبداع
الشعر ضالتي .. وهو المحفز الأهم لبوحي
«عزف على أوتار مهترئة» شعر يصف أوجاع الروح - المعنى حول «الاهتراء» شديد الصلة بالحالة العامة..
الشاعر حسن أحمد الصلهبي من الجيل الجديد في مرحلة الشعر اليوم.. وهو صاحب تجربة ناضجة عكستها إسهاماته الشعرية في أكثر من مناسبة، وحاز بها أكثر من جائزة.. أبدع الصلهبي شعرا، وأتقن الإلقاء على المنبر وصقل موهبته بالقراءة والتخصص حتى فتح لنفسه نافذة على الإبداعات العالمية الأدب الإنجليزي تحديدا وذلك من خلال إنجازاته في مجال الترجمة لبعض القصائد العالمية واختياره أخيرا عضوا في اللجنة الوطنية للترجمة.. كان لنا مع الشاعر الصلهبي هذه المداخلة حول ديوانه الشعري الجديد الذي صدر عن نادي جازان الأدبي هذا العام 1422ه ليأتي الحوار على هذا النحو: * الشاعر حسن الصلهبي.. صوتك الشعري في هذا الديوان يئن تحت وطأة الهم الإنساني اللاعج.. هل تتأثر حياتك اليومية بهذا الحزن؟ أهكذا من البداية؟ هم إنساني وحزن؟ هل قرأت ديواني يا أخ عبد الحفيظ أم قرأتني أنا كإنسان؟ ولكي أكون صادقا معك فلقد تركت الكتابة فترة ليست طويلة بسبب ما غمر شعري من هم إنساني وشعور بالغربة مما أثر بدوره في حياتي الخاصة التي اكتنفها القلق والكآبة لدرجة أني كرهت الشعر وشعرت أنه سبب في تعاستي. لامني نفر من الأصدقاء ولكن الأمر كان خارج إرادتي. كانوا يقولون ليس في حياتك ما يجعلك تحزن لهذا الحد، بل على العكس فأنت إنسان محظوظ وتتمتع بمواهب كثيرة لا يجدها أحدنا. كنت أدرك هذه الحقيقة جيدا، ولكني عندما أمسك القلم، لا أمسكه أنا أدركت ذلك لاحقا وإنما الشاعر الحزين بداخلي. لا أخفيك أنني عانيت منه كثيرا. سألته مرة بعد مرة: لم تحمّلني وتحمِّل نفسك ما لا تطيق؟ لماذا تأخذني معك في متاهاتك وغياباتك؟ لم تصورني بصورة ليست صورتي؟ لماذا تلبسني رداءك؟ مع الحقيقة معك أم معي؟ سألته مرارا ولكنه إلى الآن لم يجبني. * إذا ما قلنا إن الديوان الجديدة هو البداية.. ماذا عن طفولتك الشعرية؟ لا أدري في الحقيقة من هو الأسبق في زمن الولادة «حسن/ الشاعر» أم «حسن/ الإنسان»، ولكن الذي أجزم به أنني عندما بدأت أدرك ماهيتي وكينونتي في الحياة كنت أحس أنني مختلف بشيء ما عن أقراني لا أدري ما هو، كانت رؤيتي للأشياء مختلفة وعلاقتي معها أيضا مختلفة. كنت أشعر أن بداخلي إنسانا آخر يصحو أحيانا ويعود لسباته في أحيان أخرى. لم أكن أعرف ماهية هذا الشيء في تلك الفترة، ولا وصل إلى علمي أن من كان يوحي إليّ بذلك الشعور هو الشاعر الكامن في أحشائي. أجّل هذا الشاعر صحوه الذي لا غفو بعده حتى يكبر الإنسان وينضج. في المراحل المتوسطة ومع بدايات تفتق زهرة الشباب بدأ الشاعر يتجلى في كتابات شعرية ونثرية مفعمة بالحيوية والعاطفة ولكن تنقصها التجربة واللغة، إلا أن مواقف الرفض والخذلان والقسوة جعلت الشاعر يعود لسباته إلى أواخر المرحلة الثانوية، حيث استيقظ من جديد تحت تأثير تأجج عاطفي جامح وموجة حزن ذهبت بكل جميل وأبقت سطور الغربة في دفاتر إن أبلاها الزمن فإنها لن تبلى في ذاكرة الشاعر. * لماذا تعزف على أوتار مهترئة؟ الأوتار المهترئة هي صورة واحدة من حالة الاهتراء الكامل الذي يعيشه الفرد بكل تفاصيله المتعددة، وهو أيضا ظاهرة عامة وليست حالة فردية، قد لا يرى هذا الإنسان العادي.. لكن الشاعر بنظرته المتفردة العميقة في الأشياء وبحدسه الخاص يرى ما لا يراه الآخرون. لا شك أننا بحاجة لأن نقف مع أنفسنا ونقلب أوراقنا ونواجه ذواتنا بأخطائنا بعيدا عن الثرثرة اللفظية واللغة النفعية التي تفسد نجاحاتنا وتعود بنا الى الوراء. العزف على أوتر مهترئة قد يكون نوعا من الهروب أو التهرب من المواجهة مع العلم أو عدم العلم بتغلغل الداء، والتذبذب بين الأكون واللا أكون والذي يصل في نهاية الأمر ليكون هزيمة نفسية وانفصال عن الواقع المادي الذي لا يترك لنا إلا أجسادا مهترئة متهالكة تتراقص على أنغام لا تشعر بها وتطرب إلى ما لا يُطرب، ورمادا لأسئلة لا تلد إجابات وإنما تستمر في التلذذ بالضجيج الفارغ والصخب الممقوت. المعنى الشعري للاهتراء وثيق الصلة بالحالة الشعرية الذائبة أو المذوبة في نعش الذات الغائبة خلف جدران صراعاتها الداخلية. وقد سعيت للعيش في حالات مهترئة متعددة لخلق وإبراز وجه الاهتراء من خلال البحث عن تجارب أظنها تتوشح رداء التجديد الهادئ في ظلال القصيدة العمودية الوارفة وبعيداً عن التقمص لسياقات شعرية لا أحسها ولا أعيشها كما يفعل معظم الشعراء الجدد. * هل الأحلام هي دوافعك الشعرية في هذا الديوان؟ «اسلبني أحلامي وائذن لي بأقرب قبر». نعرف جميعا أن منطلق المبدع الأساسي (شاعرا كان أو قاصاً) هو الحلم والخيال، وإلا لما كان هذا الإبداع وهذا الجمال. الأحلام فرصة جميلة لممارسة الحياة بعيداً عن تعقيدات الواقع حتى لو كانت هذه الأحلم ممزوجة بالسراب والوهم. في قصيدة من قصائد الديوان (حلم) كنت أطالب الحبيبة بأن تطل عليّ في حلم لا في واقع. أريد أن أراها في الحلم فقط لأن لحظات الحلم لحظات جميلة وصافية تملأ الروح بالحب والصفاء والأمل. أما رؤيتها في واقع فإنها ستكون حتما مشوبة بخلفيات مشوشة ولحظات موجعة. * مناخ الديوان يراوح بين حالة الصحو والعتمة والقلق وانفعالات الروح.. هل هذه هي المقومات الأساسية للديوان؟ المبدع أبداً لا يرتاح، بل هو في ركض دائم باحثا عن شيء لا يعرف ماهيته قد يكون هذا الشيء بحثه عن ذاته، ولذلك فالديوان بأكمله يتمحور حول الذات بصحوتها وقلقها وانفعالاتها. والحالات التي ذكرتها قبل أن تكون مق،مات أساسية للديوان فهي أيضا مقومات وروافد للإبداع وهي أيضا حالات مترابطة فالصحو سبب للقلق، والقلق مدعاة للانفعالات الروحية. أعتقد أن الحالة الإبداعية لا تبعد عن هذه الحالات التي هي فعلا محفزات قوية للحالة الشعرية الإبداعية. * ما موقع المرأة في قصائد هذا الديوان؟ يناسبني أكثر لو قلت: الأنثى بدلا عن المرأة، لأن لفظة المرأة تقيد المعنى في حدود (المرأة/ الإنسان)، أما إطلاق الأنثى فسوف يتيح فضاءات شعرية متعددة مثل (الأنثى/ الأرض) أو (الأنثى/ الوطن) أو (الأنثى/ القصيدة) وهكذا. المرأة هي كل الطاقات المحفزة لكينونة هذا الديوان، ولكني لست مغنيا بخطابها القريب وإنما انطلق معها وبها إلى جذورها المتمثلة في كل شيء. * تشرب من قدح القصيدة حتى الثمالة، ولكنها تفضحك وتحرك صخور البوح في داخلك.. ما حقيقة علاقتك بالقصيدة؟ عالم القصيدة عالم متشابك والخوض فيه مخاطرة كبيرة، ولعل أبسطها ما يخلفه البوح تحت سيطرة الحالة الإبداعية. القصيدة تعتز بذاتها فهي كالفرس الجموح الشرود التي لا يتمكن منها إلا شاعر متمكن من أدواته الإبداعية ورؤيته الشعرية بحيث يخضعها لسيطرته وإلا فإنها ستؤدي به إلى نهايات غير متوقعة. هذا الكلام ليس بجديد فلقد أدرك الشعراء القدماء هذه المخاطرة ولنتذكر قول الشاعر: الشعر صعب وطويل سلمه