توقف عيد ميلادي عن الهطول مع سحابة الذكريات، ومع الترقب الذي يزيد من الرصيد البشريّ في البقاء؛ حينما توقف الوجود على بوابة الأول من أكتوبر التي لم تمضِ أبدًا... عليّ إذًا أن أنهض من المِحلّة التي تعتري غسقي بالوقوف، وأعجن مسيري بعبق الطيف والربيع. بينما يفتش انسلال الضوء إلى الكائنات والبيوت عن وجهي، الذاكرةُ التي تشكل الحروف بالألوان والمعاني؛ أسعى ماضيًا إليّ في الهويات التي تقتربُ مِني، لتأخذ مِن جسدي فسيلةَ عشقٍ تتنمّى في بقاعٍ عالمية جديدة! تتنفسني الطرقاتُ التي تمضي فيّ كل صباحٍ أخذُ فيهِ زمامَ الدوامةُ الصباحية إلى الدراسة، وأرى الرياض كيف تنقلبُ بما تحتويهِ إلى خليةِ «نحلٍ» عامرة بالشغل والروّاح، غير أنّي لابد وأن أقطع ذلك المسير قليلاً بالتوقفِ لاقتناء قهوةِ الصباحِ الباردة بالحليب... لا أدري أينا من يتدحرج عبر هذه المسيّرة اليومية التي قطعت بالاستقالة أخيرًا إلى الازدحام الذي قضَ مضجعه كورونا على ما ينيفِ عن الثلاثة أشهر لا تُعد وفقَ التقويمِ لكوكبِ الأرض فهي دونًا عن أغلبِ الأيام مجتزة من أماكن أخرى في كوكب بلوتو!... لا يشير الأمرُ إلى برودتي فكل هذه التفاصيل لم تمض عليّ سوى شطرَ يومٍ قضيتهُ في متابعةِ التلفاز وتناولِ الكوكيز المحمصِ بذاكرةِ بيوت الطين المُشرِفة في قراي اللطيفة بسدير. لابدّ وأن هذا الابتعاد الجسدي ما هو إلا خدعةٌ ما لم يستطع علماء الفيزياء تفسيرها؛ إذ إن جزئيات هذا الكون الفسيح هي وبشكلٍ ما متصلة ومترابطة بعمق؛ لذلك دومًا ما أحسستُ بأنّي ضامٌ لكثيرٍ من الكائنات والأشياء وخصوصًا الحُبّ الذي يشكل حركاتي الرياضية الصباحية التي تلون المكان بكلماتِ الثناء: ها أنت الآن تتخلصُ من بنيتك السمينة، ولا أعبأ إلا بالمرح الذي يزيد انتشارًا في السكونِ والحركة. لابدّ وأن علماء الفيزياء سيقولون أن هذا الاتصال المديد لن يقطعه كائنٌ فضائيِّ يجعل الشوارع تلهج صبابةً رغبة إلى العابرين كل حين؛ إذًا ما الفراقُ إلا خدعة المشاعر التي تريد الاستمرار بالتلذذ بالنحيب؛ شكل العذوبةُ في مستقر العذاب!. قررتُ الخروجَ متأخرًا، ومعيّ القناع الذي يحجب التقويم عن الاستمرارِ بمنع ذاكرتهِ عنه، فأنا لم أعد أعرفُ أي تقويمٍ يشير إلى لحظة حبي العارمة التي تعبر حدود الأشياء لتكسر القواعد والحواجز ثمّ تنمو شجيرة اليقطين اللطيفة في النابضات التي تجعل الكائناتِ على قيد الحياة مومضةً في الأحاديث والأحداث المارة بها... جميل هذا الأثر الصغير الذي يعمرُ اتصالي بالأشياء بالرواسخ التي قررت نزع جذورها والتمشي، واكتشاف مساحاتٍ مديدة لا تفتأ عن التحيةِ والوصال! عُدت إلى المنزلِ، هذه الأبهةُ التي أسميها جنة المعاني، لألحظ الكلمات تهنئني بعيدِ مولدٍ جديد يعيد الإشراقَ من قلبيّ بشكل آخر يملء قاطنيهِ جمالاً ودلالاً وبهاءً، وأمد أقلامي على الأوراق التي تنادي صوتي البعيد... هذه البذرةُ التي خرجت من طينةِ مهواي الأول تنادي معانيّ الأولى التي كتبتها! ** **