ثقيلةٌ في جوفي، أكياس من الرمل المكدَّس، كلا ليس بالضبط، الصحراء نزحتْ، ابتعدتْ، طردتُها نفختُ غبارها، خفَّ الجفاف، غادرني العطش! الطين ثقيل، أحدهم يسكب عليه الماء، ليزداد ثقلاً، تلبُّداً يسكب ماءً لا ينتهي، كلما شعر أني خفيفة، وأطرد الغبار. يصبُّ الماء، ويتشبَّث الطين بجوفي الفارغ، على قاعدة صلدة. ريح رمليَّة تهبُّ من صحراء مجهولة، ويطغى على الطبقات الملبَّدة، طبقة رملية جديدة، وماء يندلق، وطين عملاق. أتحوَّل إلى كائن طيني تعيس، تهرع إليَّ أيدٍ كثيرة، أيدٍ تعمل بآلية، تُشكِّلني كيفما شاءت. هناك في الركن القصيّ يُجمدني أحدهم، ويلبس جسدي طبقةً بشعةً من الطين المتكلِّس. بلا حراك أنتصب تمثالاً مجوَّفاً خاوياً من الجمال، والحياة. تتحرَّر يداي فجأة، تنكسر عنّي طبقةٌ هشَّة لم تكن بتلك الصلابة، ربما تعبت من أن تلبسني. أحاول أن أدقَّ الطين اليابس. يداي تتحركان في الفراغ، تتلمَّسان الهواء، تتخبَّطان في الخواء، ولا أجد جسدي. جسدي غائب أو مُغيَّب، خافٍ أو مخفي. أبحث عن ساقَيَّ، أجد أنهما تنبتان من جديد، أسير عليهما، على الهواء تماماً ولا أتحرك. ساقاي حُرَّتان، غير مجمَّدتين، ولكن لا أتحرَّك. ما فائدة أن أدقَّ الطين عن جسدي ليتساقط، ولا أجد إلا جسداً واهماً غادرني، انزلق منِّي، ضاعت تفاصيله، اختلط بالطين فضاعت ماهيَّته. الصحراء تقترب منِّي، تعرف أني لست إلا غباراً خائباً يُناديها، الطين الثقيل يتساقط مني وأنا خفيفةٌ طائرة، الطين بوزن، وأنا خفيفةٌ طائرة. أنا غبار يُرافق انتهاء صناعة آلة جديدة، تافه لا بدَّ أن يُمسَح بخرقة، أو يُنفخ بنَفَس مستهتر. أنا غبار الآن يشتاق إلى صحرائه، غبار يُلوِّث الأجواء، ينحشر في سقف الحلق، ويُسبِّب السعال السعال، السعال، الكلُّ يسعل منِّي بقوَّة، وألتحمُ مع الصحراء، كيف لا وأنا أحد أبنائها. الصحراااااء لأني جافَّة، وصغيرة، بجسد واهم، وساقَين خائرتَين، تتحركان، ولا تتحركان. مخرج: أشتهي خروجاً على اتساع الماء، واليابسة، خروجاً على هذا الجسد - الضيِّق - الحصار - الضآلة، خروجاً مطمئناً، مُنساباً. بلا تكلفة ولا عناء، كماء يمتدُّ، كريح تصفر، كطائر يريد أن يغادر حدود أراضيه. بلا أيدٍ تُشكِّلني، بلا طين، ولا ماء! أضواء الصالح - الرياض [email protected]