كتبت قبل فترة تغريدة في تويتر ومعها مرفق صورة نتيجة المرحلة الثانوية لعام 1406ه، وفيها اسم صاحبكم ضمن العشرة الأوائل في القسم الأدبي بصحبة الصديق والزميل الأخ سلمان بن محمد النشوان الذي (يقضي) بين الناس هذه الأيام. هذه التغريدة والتعليقات والإشادات حولها دفعتني للكتابة عن صاحبي الذي لم ينقطع الاتصال والتواصل معه خلال أربعين عاما حافلة – بفضل الله – بالمودة والمحبة. التقيته أول مرة عندما دخلت متوسطة الإمام أحمد في (حارة العنوز/ مدينة الرياض) طالبا في الصف الأول المتوسط عام 1401ه، كان هادئا بطبعه الذي يتميز به إلى هذا اليوم، كما أنه يجيد (الطرفة) السريعة غير المتكلفة، متحفظ بعلاقاته الاجتماعية وليس من أصحاب التوسع فيها. انتقلت العلاقة معه من داخل المدرسة إلى خارجها بصحبة مجموعة من الأصدقاء الذين استمرت الصلة بهم والتواصل معهم واللقاء بهم إلى هذا اليوم. في تلك الفترة كنا نجلس سويا في مساءات الصيف قرب دارهم نتسامر بعد أن نكون قضينا العصر في معشوقة الجميع (كرة القدم) إذ لاشىء سواها يسلينا أو يقضي وقتنا كما هو حال شباب اليوم مع كثير من وسائل التواصل. كان (أبو محمد) جادا في دراسته وطاعته وشؤون حياته، قريبا من (والدته وأخته) – رحمهما الله – وإخوانه، وفي الوقت نفسه كان مع أصدقائه وأقرانه مسالما لا يغضب من أحد ولا يغضب منه أحد، فمرت ثلاثة أعوام قضيناها في المرحلة المتوسطة من أجمل ما تكون الأيام بين الزملاء والأصدقاء نلتقي ونفترق لنلتقي. ثم جاءت النقلة للدراسة في المرحلة الثانوية حينها اجتمعنا في (ثانوية القادسية)، نذهب كل صباح نلتحق في فصولنا ونلتقي مع بقية الزملاء إلى حين انتهاء اليوم الدراسي، ثم نلتقي بعد ذلك عصرا أو مساء في أنشطة يومية مختلفة وثابتة، وقد يتخلل ذلك مذاكرة بعض المواد حين يحين وقت الاختبار الشهري. أنهينا الصف الأول الثانوي بنجاح وتفوق، ثم انتقلنا للصف الثاني وهناك كان مفترق الطرق بين المواصلة في (القسم العلمي) وهذا ما ترغبه إدارة المدرسة والمعلمون وينصحوننا به؛ نظرا لتفوقنا، أو الدراسة في (القسم الأدبي) حيث رغبتي أنا ورفيق الدرب على الرغم من اعتراض كثيرين ونصحهم لنا بالدراسة في القسم العلمي، ومع إصرارانا توجهنا بعد مضي أسبوع - درسنا فيه (المصفوفات) في مادة الرياضيات - إلى الصف الثاني الأدبي الوحيد في المدرسة مقابل أربعة فصول علمي. انطلقت مع أبي محمد نكمل مسيرتنا دراسة في الصباح مع جدية والتزام بمواعيد الاختبارات الشهرية لنحوز على درجات مرتفعة وتقديرات عالية، ونكمل لقاءاتنا مع أصدقاء الحي نزاول (كرة القدم) إلى اللقاءات الاجتماعية للأنس والسمر في ليالي أيام الأسبوع. ولما جئنا إلى الصف الثالث الثانوي، كرسنا كل الجهود للدراسة ثم الدراسة من أجل الحصول على معدل مرتفع يتيح لنا الدخول في الكليات المرغوبة، وبتيسير من الله ودوات الوالدين خرجت النتائج وإذ باسمينا ضمن العشرة الأوائل في (القسم الأدبي) ونشرت في الصحف، وإذ بالخبر ينتشر بين جيراننا وأصحابنا، لنتلقى جميعا التهنئة ببهجة وفرح غير نادمين على أيام وليالي تركنا فيها المتعة باللعب أو اللقاء مع الأصدقاء من أجل الحصول على ما سعينا من أجله، فلله الحمد والفضل. انتهت فرحة النتيجة فغادرنا في رحلة مع أصدقائنا إلى الدمام (شاطئ نصف القمر) نروح عن أنفسنا ونستعد للالتحاق بالكليات التي كنا نجزم أنها ستأخذ وقتا وجهدا أكبر من ذي قبل. كان السؤال الذي يدور إلى أي الجامعات والكليات نتوجه؟ اتفقت مع صاحبي برغبة جامحة وطموح كبير للتسجيل في كلية الملك فهد الأمنية، وفي الوقت نفسه التقديم على جامعة الإمام. أنهيت معه كل طلبات التقديم والترشيح فقبل هو في (الأمنية) وتعذر قبولي لأمر قدره الله، وهو وجود ثقب طفيف في طبلة الأذن اليسرى، فذهب إليها، وذهبت إلى جامعة الإمام، ثم قرر أن يعدل عن قراره ليبقى قريبا من أمه، فالتحق بالجامعة وأكملنا مسيرتنا معا، وبقينا في الجامعة أربع سنوات لا ينقطع صوته ولا رسمه عن عيني وعقلي صديقا ورفيقا داخل المدينة وخارجها، حيث رحلات البر في وقت الشتاء، والسفر إلى الدمام للنزهة. وبعد أن أنهينا الجامعة ذهب كل في طريقه، فتوجهت إلى التعليم والتدريس ، وذهب هو (قاضيا) يقضي بين الناس في القويعية ثم تدرج في السلك القضائي جادا أمينا. واليوم، أكتب عنه هذه الحروف بعد محطات كثيرة في حياتنا لايتسع المجال لذكرها،وإلا ففي الجعبة الكثير من أخبار ومزايا لأبي محمد. لكنني أردت هنا أن أسجل للتاريخ أن أبا محمد (القاضي) الرجل الهادىء الوقوركان وقورا هادئا في صغره وصباه وشبابه. الرفقة..شراكة..