ما ان تنقضي سنوات المرحلة الإعدادية، حتى يبدأ استعداد شباب العراق، لتحقيق حلمهم في ولوج الحياة الجامعية بكل ما تحمله من تناقضات وتساؤلات، خصوصاً بعد كل ما طرأ من أفكار"جديدة"على المجتمع العراقي وانسحب، بدرجة كبيرة، على المجتمع الطالبي. فغلبة الطابع الراديكالي وازدياد التعصب الطائفي، قادا في بعض الحالات الى تفشي ظواهر مستجدة يجدها بعضهم بعيدة كل البعد من أجواء الحرم الجامعي. ينهي الطالب في العراق دراسته الإعدادية بعد ان يكون قد أمضى فترة ست سنوات وهو بعيد من الاختلاط، فنظام التعليم العراقي يفصل بين الذكور والإناث. ويكون الطلاب خلال تلك الفترة معزولين عن بعضهم بعضاً، إلا في أوقات قد يسترقها شاب أو فتاة أثناء الخروج من المدرسة لإقامة"علاقة عابرة"غالباً ما تتسم بالبراءة. ولكن مع تغير الظروف والأوضاع، ومع وجود قوات أجنبية في البلاد تحمل ما تحمل من المفاهيم المختلفة، ازدحمت رؤوس الطلبة بالأفكار والتوجسات. فالسؤال الذي يلح عليهم هو كيف يتعاملون مع جو غريب وأشخاص جدد على رغم ان شباب اليوم أجرأ وأقوى على المواجهة. طيبة جاسم تستعد للانضمام الى كلية اللغات قسم اللغة الانكليزية، تعرب عن قلقها وهي تحمل أوراقها:"أجدني أفكر طوال الوقت كيف سيكون يوم المقابلة؟ احدث نفسي وأقول: إذا كان هذا حالي في المقابلة فكيف سيكون مع الدوام الفعلي؟". وتضيف:"عهدت من والدي الشدة في كل شيء، كان ذهابي الى المدرسة بصحبته او صحبة والدتي، وعلى رغم انني ابلغ الآن الثامنة عشرة من عمري، أجد صعوبة في الخروج لوحدي والذهاب الى أي مكان، فكيف سيكون الحال عند دخولي الجامعة؟". وتتابع:"والدتي تشجعني على ان أكون قوية وان أتحمل الأيام الأولى لأنها هي الأصعب في حياة الطالب، كما أنها خبرت هي حياة الجامعة وتعرف كيف يكون الجو العام". وتقول طيبة:"تقص عليّ حكايات تتسم بالمرح والصداقة الحقيقية، أتمنى لو يتسنى لي ان أحظى بمثلها على رغم الظروف التي نمر بها". وعن توقعاتها لطبيعة الحياة الجامعية، تقول:"كنت وصديقاتي دائماً نتحدث عن أجواء الجامعة، ولا اكتم سراً إن قلت إننا كنا متلفهات لإنهاء المرحلة الإعدادية بسرعة، ونحن لا ننفك نتحدث عن الشباب الذين سيصبحون زملاءنا. كيف سيكونون وكيف يكون التعامل معهم. وننسج قصصاً حول تلك اللقاءات، ولكن ما ان نجد أنفسنا قد وصلنا الى متاهات العلاقة حتى نضحك ونؤجل الكلام لحينه". أما احمد سامي، الذي ينوي دخول كلية الإعلام، فيقول:"منذ صغري وأنا أحلم بالتخصص في الصحافة وأعيش الحياة الجامعية، لأنني كنت أتحين الفرص لدخولها أثناء زيارة أخي الأكبر الذي سبقني الى الكلية نفسها، وكنت اعجب للأجواء التي تجمع الطلبة، فبعضها جدي وبعضها الآخر مرح خفيف فيه الكثير من النزوات". ويتابع:"أتمنى ان أتنفس الصعداء بدخولي الكلية والتعرف الى الجنس الآخر من زميلات الدراسة لأكوّن علاقات صداقة حقيقية وأعيش في جو بعيد من الابتذال". ولكنه يستدرك"لا أخفيكم بأن هناك محاذير من الدخول في علاقات مع الشباب تحديداً، وأنا كشاب اختار أصدقائي بدقة لأن الوضع لا يتحمل الصدمات واعلم ان الطريق طويلة أمامي ولكني مصمم على الاستمتاع بكل لحظة على رغم الظروف الاستثنائية التي تحيط بنا". أما الوجه الآخر فهو طلبة المحافظات الذين يأتون إلى بغداد ليتابعوا دراستهم، والطلاب الذين يقبلون في كليات أخرى بسبب معدلاتهم. ذلك ان جامعات العراق تستقبل سنوياً اعداداً كبيرة من الخريجين الثانويين بحسب نظام القبول المركزي الذي يعتمد المعدل التنافسي والفرع الأدبي أو العلمي. وغالباً ما يأتي الاختصاص بحسب رغبة الطالب، إلا ان الكثير من الطلبة يقبلون في كليات لا تلبي طموحهم فتبدأ حالة من عدم الرضا في بداية الأمر لتأتي بعدها مرحلة التأقلم التدريجي، مع الأخذ في الاعتبار ان هناك طلاباً من محافظاتالعراق يتم قبولهم بحسب نظام القبول في كليات العاصمة ما يرتب عليهم السكن في العاصمة بعيداً من عائلاتهم ضمن الأقسام الداخلية التي توفرها الدولة. سمية محمد، من الطلبة الأوائل في معهد الفنون الجميلة في مدينة الموصل شمال بغداد، كانت تقف عند بوابة كلية الفنون الجميلة في بغداد، وتبدو خجولة ومضطربة. تقول:"هذه هي المرة الأولى التي اترك فيها عائلتي على رغم نصحهم لي بالتخلي عن إكمال دراستي الجامعية والاكتفاء بشهادة المعهد، إلا انني أصريت على التوجه الى بغداد مع ابن عمتي لاستكمال أوراق انتسابي للكلية. فترتيبي كأولى على المعهد مكنني من الانتساب الى كلية الفنون من دون الاعتماد على نظام القبول المركزي". وتتابع:"الوضع في بغداد صعب كما هو في الموصل، اليوم ذهبت الى القسم الداخلي القريب من الكلية ورتبت غرفتي وكانت هناك شريكة لي في السكن من محافظة كربلاء، فتاة ارتحت إليها من أول لقاء، والحمد لله". وعن الأجواء التي تتوقعها في الكلية، تقول بشيء من الثقة"لا اعتقد ان الجو سيختلف كثيراً عما اعتدته في معهد الفنون في الموصل، فدراستنا في المعهد كانت مختلطة وعملي مع زملائي الطلاب خلق ألفة بيننا، فلا توجد عندي مشكلة من هذه الناحية، مشكلتي الوحيدة ان شباب العاصمة يختلفون عن شباب المحافظات وأتمنى ان لا اقهر خلال الأيام الأولى وهي الأصعب بالاشتياق لوالدتي التي تصر على رجوعي إليها مفضلة ان أكون مدرسة في المعهد الذي تخرجت منه، وهي فرصة أتاحها لي أيضاً تفوقي". وعن الأحلام التي تراودها، توضح:"جل اهتمامي ان أحظى بتعليم أكاديمي اشمل للفرع الذي تخرجت منه والرجوع الى الموصل والبحث عن فرصة للخروج والدراسة خارج البلاد، وهذا حلم صعب المنال الآن ولكني متأكدة انه ليس مستحيلاً".