لا تكاد تنقضي حقبة زمنية من حقب الزمان الكثيرة والمتسارعة حاليًا؛ إلا وقد تركت لنا نصيبًا وافرًا من الأحداث والوقائع وتاريخ الأفراد، بل ومسميات جديدة أيضًا تظل عالقة في الأذهان لفترات مختلفة، ثم ما تلبث أن تتوارى إلى الظل تاركة المجال لمسميات أخرى لتأخذ نصيبها من الشهرة والذيوع. تظل المسميات التي تطلق على فئات معينة أو تصرفات ما يقوم بها بعض الأفراد، أو حتى اقترانها بوظيفة معينة؛ تظل شاغلة بال المجتمع وخاصة الفئات التي لم تعش فترة انتعاش هذا المسمى. فحتى وقت قريب من القرن الماضي كان مصطلحات الشيوعية والاشتراكية والليبرالية والديموقراطية أيضًا، شاغلة بال الجمهور من الناس، بل أنها كانت تعد صفات لكثير من الناس حين انقسم العالم إلى معسكرين: شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي، وليبرالي بقيادة الولاياتالمتحدة، فكانت الدول تصنف ضمن أحد المعسكرين بل ومجتمعاتها أيضًا تنضم لأحدهما. وقد تعدت المسميات الوظائف والسياسة؛ لتشمل جميع الأديان السماوية أيضًا، والتي خرج من عباءتها فرق أساءت للدين أكثر مما أساء له غير المؤمنين به. ومن المصطلحات التي اقترنت بالأفعال والأفراد مصطلح: الغوغائية، والغوغائيون. وقد ورد في معجم المعاني الجامع تعريف ومعنى الغوغاء، فهي: غَوغاء: (اسم). الغَوْغَاءُ: الجراد حين يَخِفُّ للطيران. الغَوْغَاءُ: الصَّوْتُ والجَلَبَة. الغَوْغَاءُ: السِّفْلة والرِّعاع من النَّاس؛ لكثرة لغَطهم وصياحهم. الغَوْغاءِ: (اسم). صوت الناس السفلة وصياحهم. الغوغاء: (اسم). صوت الجراد القادر على الطيران. حكم الغوغاء: عقاب الأشخاص المشتبه بهم دون اللّجوء للإجراءات القانونيَّة. غَوْغَا: (اسم) غَوْغَا: جمع غَوْغَاءَةُ. غَوغائيّ: (اسم). اسم منسوب إلى غَوْغاء. (السياسة) سياسيّ يتملَّق الجماهير لكسب ودِّهم الغوغائيّ عدوّ الديمقراطيّة. غَوغائيّة: (اسم). مصدر صناعيّ من غَوْغاء: حالة سياسيّة تكون فيها السلطة بيد الجماهير (السياسة) سياسة تَملُّق الجماهير لاستغلال مشاعرها وكسب ودِّها وإثارتها غوغائيَّة بعض المرشَّحين للانتخابات. الغوغاة: (اسم) صوت القوم. ويُعرَّفهم «عبد الرحمن الكواكبي» في طبائع الاستبداد فيقول: أفراد من ضعاف القلوب، الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم المستبد كنموذج البائع الغشاش على أنه لا يستعملهم في شيء من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة، أو سبحة في يد زنديق، ولهذا يقال دولة الاستبداد دولة بُله وأوغاد. ومن خصائصهم كما جاء في سيكولوجية الجماهير: قابلية التحريض، السذاجة أو سرعة التصديق، الحركية والخفة، المبالغة في العواطف سواء كانت طيبة أم سيئة، ويتشجعون بكثرة العدد، وكفى أن يُشار إلى الواحد منهم بقتل أو سلب لينساب انسيابًا لا يُثنيه عنه شيء... قال نابليون في مجلس شورى الحكومة: إنني أتممت حرب الفدائيين لما تكثلكت (نسبة إلى الكاثوليكية)، واستوليت على مصر إذ أسلمت، وتُوجت بالظفر في حرب إيطاليا لأني قلت بعصمة البابا، ولو كنت أحكم شعباً يهودياً لأعدت معبد سليمان... ولم يُهيج انطوان نفوس الأمة على قاتل قيصر بقوة البديع وعلم البيان، بل أثارها لما قرأ وصية المقتول وأشار بالقوم إلى جثته. كما عرَّفهم الإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة فقال: هم الذين إذا اجتمعوا أضرُّوا، وإذا تفرقوا نفعوا. فقيل: قد عرفنا مضرَّة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟! فقال: يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس بهم: كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه. وليس لهؤلاء خصومة مباشرة مع من يخرجون عليه، ويطالبون بعزله، أو سفك دمه. ولكنه التحريض الضخم الذي ينتج عنه جرائمهم، مع اقتناعهم ساعتها بأنهم يُؤدون واجبهم. ومع ظهور شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي وانتشارها في جميع دول العالم على اختلاف مستوياتها، ظهرت العديد من المصطلحات الجديدة والتي اقترنت بهذه الشبكات والتطبيقات، فبتنا نسمع عن المؤثرين، والمغردين، والمتابعين، واليوتيوبرين، والسنابيين، وغيرهم. وقد أفرزت هذه الشبكات والتطبيقات عن ظهور جديد لمصطلح قديم هو الغوغاء، والغوغائيون. وحسب الشروحات السابقة فإن هؤلاء القوم -في ثوبهم الجديد- يجتمعون على مضرة ما من خلال إعادة التغريد أو المشاركة لخبر ما أو معلومة ما هي في الأساس خاطئة جملة وتفصيلاً ولكنهم اجتمعوا على نشرها حتى أنه في كثير من الأحيان يشارك الخبر أو يعاد التغريد به دون قراءته من ناشره. إن هؤلاء القوم- إن صح إطلاق لفظ قوم عليهم- غالبًا ما يكونون مدفوعين إلى هذا السلوك أما بفعل توجه معين - كما في جماعة الإخوان المخربين - أو من أجل شهرة زائفة كما في اليوتوبرين والسنابيين، ولعل ما تقوم به أجهزة الدولة- حفظها الله - من دور في متابعة هؤلاء الغوغائيين ومعاقبتهم أولا بأول؛ لعل ذلك يكون سبيلاً ليس للقضاء على هذه الظاهرة المتجددة- فهذا يعد صعبًا مع سرعة تطور التقنيات ووسائل الاتصالات وتعدد الشبكات والتطبيقات- ولكن على الأقل لتحجيمهم وتقليل أثرهم السلبي على المجتمع.