أتذكر في صبيحة 8 نوفمبر 2016م أنني راجعتُ معظم استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدةالأمريكية تمهيدًا للمشاركة في الظهور على قناة الإخبارية السعودية للتعليق على النتائج، وكانت بعض استطلاعات الرأي تعطي هيلاري كلينتون تقدمًا يصل إلى 85 % على منافسها الرئيس ترامب (حاليًا). الاستطلاعات تستشرف رأي الناخبين، وبالفعل حصدت هيلاري كلينتون الأصوات الشعبية بفارق 3 ملايين صوت عن الرئيس ترامب، لكنها لم تفز بالبيت الأبيض. كيف حدث ذلك؟ قبل الإجابة يجدر استعراض الوضع الحالي للمرشحين لرئاسة أمريكا في 3 نوفمبر 2020م. فنائب الرئيس جو بايدن يتقدم بثبات على الرئيس الأمريكي الذي يبحث عن ولاية ثانية، كما أن بايدن قد وُفق في اختيار نائب الرئيس (كامالا هاريس) سيدة من أب جامايكي وأم هندية؛ وهو ما يعكس حالة نحو 37 % من الأمريكيين الملونين الذين جاؤوا من بلدان وخلفيات عرقية ودينية عديدة ليستقروا على أرض الأحلام. بقية الأمريكيين من البيض، ويقدرون بنحو 63 %، فيهم عدد كبير من المهاجرين من أوروبا؛ ولذلك فإن في أعماق النفوس هوى للميل نحو التعددية التي تتماهى وظروف الأمريكيين بيضًا وملونين. أكثر المؤشرات دقة حتى الآن تتمثل في وضع الولايات المتأرجحة. فولايات أريزونا، وفلوريدا، وميتشجان، وشمال كارولاينا، وأوهايو، وبنسلفانيا، وويسكنسون، صوّتت عام 2016 للرئيس ترامب، وهي الآن حسب الاستطلاعات تميل لصالح بايدن. ومع ذلك لا زال أمامنا 82 يومًا ستشهد متغيرات وشراسة في التنافس، وما سيحدث خلف المشهد العام أشد فظاعة. وأعود إلى قصة فوز الرئيس ترامب رغم خسارته الأصوات الشعبية، وهو الرئيس الخامس في تاريخ الولاياتالمتحدة الذي يحدث له ذلك. والجواب ببساطة: إن الأمريكيين عندما يتوجهون لصناديق الاقتراع صبيحة الانتخابات الرئاسية لا يختارون الرئيس مباشرة، وإنما ينتخبون ممثليهم ووكلاءهم الذي يصوتون بدورهم لتحديد الرئيس ونائبه. وفي بعض الولايات مثلاً تكون الأصوات الشعبية مناصفة بين الفائز والخاسر، ولكن عندما تقرر الهيئة الانتخابية أو الناخبون الكبار التصويت لمرشح بعينه فإن جميع أصوات الولاية، سواء التي رشحت الرئيس أو منافسه، تؤول للرئيس. وهناك بعض الولايات لها تشريعات مختلفة في حسم هذا الموضوع. تأسست الهيئة الانتخابية وفقًا للمادة الثانية من الفصل الأول من دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي الهيئة الرسمية التي تنتخب رئيس ونائب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكل ولاية عدد من «الناخبين» في الهيئة الانتخابية يساوي عدد النواب وأعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس بمجلسيه. وعندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية فإنهم في الواقع يصوتون لقائمة الناخبين الذين يتعهدون بالإدلاء بأصواتهم لتلك البطاقة في الهيئة الانتخابية. وطريقة عمل الهيئات الانتخابية هي أنه بعد أن يصادق مسؤولو الانتخابات في الولاية على التصويت الشعبي لكل ولاية تجتمع القائمة الفائزة من الناخبين في عاصمة الولاية، وتدلي بصوتين، أحدهما لنائب الرئيس والآخر للرئيس. ولا يمكن للناخبين التصويت لمرشح رئاسي ونائب رئيس ينحدر كلاهما من الولاية الأصلية للناخب. وهذه من تعقيدات الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ونظرًا لهذا التعقيد، الذي ينظر له الأوربيون بالكثير من الاستهجان، ويتمسك به الأمريكيون، فإن استطلاعات الرأي الوطنية تعطي مؤشرات جيدة لمدى شعبية المرشح في جميع أنحاء البلاد كلها، ولكنها ليست بالضرورة الطريقة الفعالة للتنبؤ بنتيجة الانتخابات؛ وهو ما يعني أن علينا الحذر في إطلاق توقعاتنا حول هوية رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية القادم.