كل شيء هذا العام أصبح مختلفًا عمّا اعتدناه، ربما هو اختبار رباني للعالم أجمع، ورسالة ربانية تقول: أيها الخلق البشر انتبهوا فالأمر كبير. تكاثر تم بحيث أثقلتم على الأرض والموارد، تجاوز بعضكم كثيراً على البشر والحيوانات والنباتات. من أجل بناء بيوت قلعتم الأشجار فتاهت كثير من الطيور وتعبت وهاجرت كي تجد مأوى. حرقت الطاقة المزارع والظل الأخضر. وكتف بعضها أيادي الفقراء والعمال البسيطين، فجفت اللقمة قبل وصولها إلى الفم، ركضتم خلف الحيوان في كل مكان، حيوانات للفرجة وأخرى للأكل وثالثة للتمتع بصيدها وسلخ جلودها، لم يكفكم هذان بل أصبح الإنسان يأكل أخاه الإنسان بالحديد والنار وبالغدر كثيراً، والعنصرية، صبت النيران على المدن الجميلة والقديمة. مصادر المياه أغرقت إما بدماء الحروب والجثث وأما بالنفايات، كبيركم من يتحكم بعيشتكم.. وبسهولة تطير الطائرات تقصف الأراضي والمزارع وترمي بحملها على الأنهار والجداول. الموت للضعيف والقوي يستقوي أكثر، يأخذ (الأتاوات) بكل وقاحة، يأكل البقية صمت الخوف فلهم في الدولة التي مرقت دليل خوف، لذا الدول الكبيرة تأخذ أكثر لتدمر أكبر. الأرض ضجت بما تحمل والسماء أنكرت أزيز الطيران والقتل، فتوالد موت آخر اسمه الكورونا فكانت الرسالة الكبرى. أرسل الله رسالة للكل بلا استثناء للقوي والضعيف، الفقير والغني للحاكم والمحكوم. أنت يا إنسان عد للإنسانية، للرفق ولشكر النعمة والمحافظة عليها، العقل وهبك الله إياه لتتفكر وتعقل فيما حولك. ما كان الوباء يأتي ليعم لولا عموم تجاوزات البشر بأنفسهم وما حولهم.. من يستطع صنع طائرات لتضرب، يستطيع أن يصنع بدلاً منها المحاريث والقنوات للماء وينثر البذور وأولها بذور الخير. الأضحى عاد كما عاد رمضان بالنسبة لنا نحن المسلمين، كان رمضاناً مختلفاً بكل معناه. لا أتجاوز الحقيقة أنه كان رمضاناً إيمانياً وروحانياً أكثر من أي رمضان مر حتى الآن. فقدنا التراويح والقيام بالمقابل كسبنا الكثير منها إننا في بيوتنا لا نترقب أحدًا ولا نفكر في الخروج لأحد، لم يعد الأكل همنا ولا ماذا نطبخ ولكن كيف نصلي وندعو لتمر الأزمة.. العيد كان عيداً اختبر قوة صبرنا فصبرنا، البيوت امتلأت بخور وفاحت القهوة العربية منها، فطور الصباح وغداء العيد، صحيح فقدنا جمعة العيد وضجة الصغار. وحركتهم وفرحتهم فقدنا إرسالهم لألعاب العيد، بالمقابل حافظوا على أعيادكم. ها هو عيد الأضحى يعود بحجاج قليلين تقبل الله منا ومنهم صالح الأعمال، ولكن لم تتعطل ولله الحمد الشعيرة، صوت الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله يملأ فضاءنا. أعود للفقرة الأولى لهذا المقال، الله أكبر، إنه يرج عقلنا ليحفزه للعودة للحق وللإنسانية أن هذا الخروف الأضحية كان فدا للبشرية (الكبش الكبير) فدا لإسماعيل من سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء وجدنا الأكبر. كان رمزًا لتتوالد البشرية ولا تنقرض، توالد يحافظ على التوازن الطبيعي للأرض وما عليها. الخروف الذي يمسكه الصغار ويلفون حوله ويقدمون له البرسيم (الجت) علينا أن نشرح لهم بشيء مبسط جداً عنه ولماذا نقوم بهذا العمل السنوي. وكيف يكون الفداء {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (37 سورة الحج). اليوم الخميس هو يوم الوقفة الكبرى وقفة عرفات، أيادينا ترتفع إيمانًا وأملاً وحبًا يوم عظيم، سنة الكربة والبلاء، منحتنا دروساً لم نكن لندركها لولا كربة هذا العام والناس يتساقطون وعزاء تلوه عزاء. ذلك ما كان يتم لولا هزة الكورونا الكبرى التي أيقظت من استرسل في نومه.. ليفق ويكبر الله تكبيراً ويشهد له بالوحدانية.. عام هجري يمضي نطويه على أمل أعوم أخرى جميلة. اللهم تقبل صبرنا وإيماننا بك لا إله إلا أنت، والله أكبر.. لنفرح بالعيد ورغم التباعد وتتصل القلوب.. وكل عام وأنتم بخير...