موضوعنا اليوم عن هذا العنوان الأثري الذي يثير الفضول والرغبة في الاستزادة لدى طبقة المثقفين، وذلك لأنه جمع بين قِدَم السنين وطول المحيط لذلك الحامي. هذا السور اندثر نتيجة لعدة عوامل منها استتباب الأمن والنهضة العمرانية والتوسع في الطرق الريفية. وقد تسنى لي التعرف على بقايا آثار هذا السور إثر اجتماع في مزرعة الوجيه عبدالكريم المنقور وابنه الأستاذ محمد في حوطة سدير. حيث تجولنا بين ما تبقى من معالم هذا الحامي الذي كان يحيط ببلدان وادي سدير المشهور، فيما كان يسمى قديما ناحية (الوشوم)، حيث تجمع الناحية ما بين أعالي وادي أبا المياه ووادي الفقي ووادي أراط ومذانبهن. كان إقليم سدير يسمى (الكرمة) في أوائل عهد النبوة والجزء الجنوبي من سدير يسمى (الوشوم) فيما بين وادي المشقر شمالاً ووادي العتك الأعلى جنوباً. أما الجزء الشمالي من (الكرمة) فيحدها الثويرات والحنبلي. لعلي أنوه هنا بأن البلداني المشهور ياقوت الحموي -رحمه الله- هو الوحيد الذي ذكر هذا السور في خبر عن الوشوم (سدير حالياً) اختلطت عليه العبارة فيه، ومن ثمّ صدعت رؤوس اعلامنا في الوقت الحاضر. خبر السور هذا عُمْره أكثر من ثمانمائة وخمسين سنة، وذلك لأن زمن ياقوت الحموي كان بين عامي (570- 626) هجرية. قال أبو عبدالرحمن بن عقيل منوهاً عن الصداع في مجلة الفيصل (العدد 222 صفحة 41) تحت عنوان «اضطراب الأقوال في تحديد الوشم والوشوم» ما يلي: «صداع اليوم من الصداع الجديد الذي لم يمر مثله في مواضيع الصداع السابقة.. وهو من البلدانيات، وقد قلت كثيراً إن التاريخ والتراجم والبلدانيات مسامرات وأخبار ومشاهدات من المعارف المهضومة التي لا تتعب الفكر كالفلسفة، وعلم الكلام، وأصول الفقه، وأصول العلوم، فكيف وجد بقدرة قادر ما يصدع العقول في البلدانيات؟.. قال أبو عبدالرحمن: هذا وارد إذا اضطربت الأقوال واحتاج لرصدها والتمييز بينها إلى دقة فكر، وهذا ما حصل بالفعل في تحديد الوشم وإحصاء بلدانه... ثم استطرد ونقل عن ياقوت الخبر حيث قال: «الوشم ويقال له الوشوم: موضع باليمامة يشتمل على أربع قرى ذكرناها في أماكنها، ومنبرها الفقي، وإليها يخرج من حجر اليمامة، وبين الوشم وقراه مسيرة ليلة، وبينها وبين اليمامة ليلتان عن نصر... وأخبرنا بدوي من أهل تلك البلاد أن الوشم خمس قرى عليها سور واحد من لبن وفيها نخل وزرع لبني عائذ لآل مزيد وقد يتفرع منهم، والقرية الجامعة فيها ثرمداء وبعدها شقراء وأشيقر وأبو الريش والمحمدية، وهي بين العارض والدهناء»(1). وقال الشيخ محمد بن بليهد -رحمه الله- (بتصرف) معلقاً في كتاب (صحيح الأخبار الجزء الرابع ص 253) على خبر السور فقال ما نصه: «الوشم أنا من أهله. ذكر ياقوت ثلاث قرى لا أعلمها اليوم وهي (الفقي) و(أبو الريش) و(المحمدية).. لم يبق لها ذكر.. أن الوشم خمس قرى عليها سور واحد، فهذا أكبر خطأ لأن كل بلد من تلك البلاد يبعد عن الآخر مسافة طويلة وأما قوله بين العارض والدهناء، فهذا خطأ...»(2). وقد علق الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- على هذا الخبر أيضاً في معجم اليمامة (ص 442) فقال: «وقد اختلط على ياقوت -رحمه الله- بينها وبين (سدير)، حينما قال: ومنبرها (الفقي) ف(الفقي) منبر ل(سدير)، أو على الأصح ل(الكرمة).. كما أنه لا يمكن أن يضم قرى (الوشم) سور واحد كما نقل (ياقوت) عن الإعرابي، كما أنها ليست بين (العارض) و(الدهناء)، ف(العارض) هو الذي بينها وبين (الدهناء). وما آفة الأخبار إلا رواتها».(3) وقال دكتور محمد الشويعر في كتاب (شقراء ص33) تعليقاً على خبر ياقوت (بتصرف): «والمأخذ الذي نجده على مثل هذا القول: بأن تكون هذه القرى بسور واحد...، من التي ورد ذكرها عن ياقوت عن بدوي من المنطقة... والمسافة بين ثرمداء وشقراء تقرب من ثلاثين كيلاً، ثم بين شقراء وأشيقر 14 كيلاً، فتصبح المسافة بين ثرمداء وأشيقر قرابة 44 كيلاً... ولا أتوقع أن هناك سوراً من الطين واللبن في ذلك الوقت يحتوي هذه المسافة».(4) أقول وبالله التوفيق: أولاً: إن عبارات ياقوت -رحمه الله- عن الوشم والوشوم اكتنفها الخلط بين ناحيتين جغرافيتين متجاورتين وهي ناحية سدير (الوشوم سابقاً) الواقعة شرق طويق ناحية الوشم المعروفة الواقعة غرب طويق، وقد عدها ياقوت ناحية واحدة ولم يفرق بينهما بسبب تشابه الرسم. ثانياً: وهم ياقوت -رحمه الله- بتحديد ناحية الوشم بين العارض والدهناء، والصحيح أن ناحية (الوشوم) أي ما يسمى سدير -حالياً- تقع بين العارض والدهناء. أما ناحية الوشم فتقع غرباً عن الوشوم أي بين العارض ورملة جراد (رملة السر). ثالثاً: قال ياقوت -رحمه الله- في تعريفه الفقي: «من خرج من القريتين متياسرا، يعني القريتين اللتين عند النباج، فأول منزل يلقاه الفقي وأهله بنو ضبة ثم السحيمية، والفقي: واد في طرف عارض اليمامة من قبل مهب الرياح الشمالية، وقيل: هو لبني العنبر بن عمرو بن تميم نزلوها بعد قتل مسيلمة لأنها خلت من أهلها وكانوا قتلوا مع مسيلمة، وبها منبر، وقراها المحيطة تسمى الوشم والوشوم، ومنبرها أكبر منابر اليمامة».(5) وهنا أيضا يخلط ياقوت -رحمه الله- بين الناحيتين الوشم (والوشوم) أي سدير حالياً. رابعاً: حينما نتحدث لغوياً ونقلب معاجم اللغة نجد معاني الوشوم وسدير متقاربة متطابقة. وقد ورد في كتاب العين: «وأوشمت الأرض: ظهر شيئ من نباتها، متفرق، شبه بالوشم، وجمعه: وشوم».(6) وحدد في لسان العرب موضعين فقال: «والوشم: موضع». ثم أردف وقال: «والوشوم: موضع».(7) وقد ورد في لسان العرب تعريف السدير فقال: «قال ابن سيده: والسدير منبع الماء. وسدير النخل: سواده ومجتمعه».7 وقال ياقوت في معجم البلدان: «وقيل سمي السدير لكثرة سواده وشجره، ويقال: إني لأرى سدير نخل أي سواده وكثرته، وقال الكلبي: إنما سمي السدير لأن العرب حيث أقبلوا ونظروا إلى سواد النخل سدرت فيه أعينهم بسواد النخل فقالوا: ما هذا إلا سدير».(5) وقال ياقوت في معجم البلدان: «موشوم: وهو اسم ماء لبني العنبر بالفقي. وزاد الحفصي فقال: موشوم جبل وعنده قرية لبني سحيم».(5) وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب (صفحة 282): «... ثم تقفز من العتك في بطن ذي أراط ثم تسند في عارض الفقي فأول قراه جماز وهي ربابية ملكانية عدوية من رهط ذي الرمة ثم تمضي في بطن الفقيء وهو واد كثير النخل والآبار فتلتقي قارة بلعنبر وهي مجهلة والقارة أكمة جبل منقطع في رأسه بئر على مائة بوع وحواليها الضياع والنخيل... ثم تصعد في بطن الفقي فترد الحائط حائط بني غبر قرية عظيمة فيها سوق جماز سوق في قرية عظيمة أيضاً، ثم تخرج منها إلى الروضة روضة الحازمي وبها النخيل وحصن منيع، ثم تمضي إلى قارة الحازمي وهي دون قارة العنبر وأنت في النخيل والزروع والآبار طول ذلك، ثم تؤم...».(8) وقال الهمداني أيضاً في (صفحة 284): «.. والديار كلها ربعية وهي بين قف العارض وبين رملة الوركة إلى أقصى الوشوم...»(8) أي إلى أقصى حدود سدير. خامساً: البلدان المنتشرة بين وادي الفقي ووادي أبا المياه تسمى الوشوم وليس الوشم. حيث قال نصر: «الموفية: ماءة للرباب بالوشوم».(9) و»الموفية بئر ومنزلة في عشيرة سدير بتحقيق عبدالله البسيمي».(10) سادساً: قال لغدة الأصفهاني: «ومن مياه الرباب بالوشوم إلى الفقء: المرفئة (تصحيف الموفية) وهي بقنة الكرمة».(11) وأود أن أختم هذا التقرير بما قاله أحمد ابن فضل الله العمري في كتابه القيم «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» في وصف منطقة الوشوم (سدير حالياً): «... من حرمة إلى جلاجل، والتويم ووادي القرى، وليس المعني بالوادي المقارب للمدينة الشريفة النبوية -زادها الله شرفاً- ويعرف بالعارض ورماح والحفر. قلت: وحدثني أحمد بن عبدالله الواصلي أن بلادهم بلاد خير ذات زرع وماشية بقرى عامرة، وعيون جارية، ونعم سارحة. ولأرضهم بذلك الوادي منعة وحصانة».(12) خلاصة القول وبالله التوفيق: إن بلدان الوشوم كما تحدثت عنه كتب البلدانيات هي ما يسمى حالياً بلدان سدير الواقعة في ما بين وادي سدير ووادي أبا المياه إلى مجزل والعرمة ويحدها شمالاً وادي المشقر وجنوباً وادي العتك الأعلى. وهذا السور كان يحيط ببلدان سدير المشهورة وهي عود التويم وروضة سدير وحوطة سدير والقارة وعودة سدير ويبلغ محيطه خمسة وأربعين كيلومتراً تقريباً، حسب إفادة المعمرين من ساكني المنطقة. انتهى والحمد لله على توفيقه. المراجع مع حفظ الألقاب: 1- مجلة الفيصل (العدد 222 ص41). 2- صحيح الأخبار لمحمد بن بليهد (الجزء الرابع ص253). 3- معجم اليمامة لعبدالله بن خميس (ص442). 4- كتاب شقراء لمحمد الشويعر (ص33). 5- معجم البلدان للحموي- تعريف وادي الفقي وموشوم والسدير. 6- كتاب العين للفراهيدي- رسم وشم ووشوم. 7- لسان العرب لابن منظور- رسم وشم ووشوم وسدير. 8- صفة جزيرة العرب للهمداني (صفحتي 282 و284). 9- كتاب الأمكنة والمياه والجبال والآثار- لنصر الإسكندري (صفحة 526). 10- بئر الموفية إعداد عبدالله البسيمي، جريدة الجزيرة (30 محرم 1433ه). 11- بلاد العرب تأليف لغدة الأصفهاني (صفحة 255). 12- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري (صفحة 182).