خلال الأزمة الأخيرة التي مر بها العالم بانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) ظهر جلياً حاجة أغلب الدول إلى ذلك الجهاز السحري الذي هو جهاز التنفس الصناعي Ventilator، فهو المحرك الأساسي في مركبة العلاج المطلوب لمرضى كورونا، ومن دونه يصبح الأمر في غاية الصعوبة، وقد ظهر ذلك جلياً في عدة دول تعاني نقصاً حاداً في أعداد هذا الجهاز المهم والضروري. فإنه في الحالات الحرجة، يُصبح جهازاً طبياً حيوياً لا غنى عنه، بارقة الأمل في إنقاذ حياة هؤلاء المرضى. ما هو جهاز التنفس الصناعي؟ جهاز التنفّس الصناعي عبارة عن آلة طبية تُساعد المرضى على التنفّس، حيث تدفع الأوكسجين إلى الرئتين وتزيل ثاني أكسيد الكربون، يدخل الهواء إلى الرئتين من خلال أنبوب التنفّس والذي يتم توصيل أحد طرفيه بالجهاز والطرف الآخر يمر عبر الفم أو الأنف وتُسمّى عملية إدخال الأنبوب هذه بالتنبيب أو «Intubation». لمحة تاريخية في أواخر القرن التاسع عشر، كانت أجهزة التنفّس الصناعي موجودة ولكنّها كانت أقل تعقيدًا من الناحية الميكانيكية، واستخدمت هذه الأجهزة بشكل كبير أثناء انتشار وباء فيروس شلل الأطفال الذي ظهر في عشرينات القرن الماضي، حيث يتسلّل الفيروس إلى الجهاز العصبي، ويُسبّب تلفًا في الأنسجة العصبية والتي تؤدي إلى حدوث الشلل وتجميد العضلات اللازمة لعمليات التنفّس، لذا لم يكن بمقدور المرضى التنفس بشكل صحيح. ألهم الفيروس حينها العلماء في اختراع خزانات أسطوانية عملاقة كانت الرئة الحديدية عبارة عن جهاز -تنفّس صناعي يعمل بالضغط السلبي- يعمل عن طريق فرق الضغط داخل الخزان، وعندما اجتاح شلل الأطفال مدينة كوبنهاجن في فترة الخمسينات من القرن الماضي، كانت طريقة التنفّس الصناعي أكثر كفاءةً من سابقاتها، حيث قام طبيب تخدير يدعى بيورن ابسن من تثبيت بروتوكول جديد في المستشفيات المكتظة بالمرضى، من خلال قيام 1500 طالب من طلاب الطب بعمليات التنفّس الصناعي لمرضى شلل الأطفال بواسطة حقيبة قابلة للنفخ، وكانوا يضخّون الهواء يدويًا إلى الرئة، وقبل نهاية فترة الخمسينات، ابتكر مخترع أمريكي يدعى فورست بيرد أول جهاز تنفّس صناعي موثوق به بين الأطباء، كان الجهاز بحجم صندوق الأحذية مما جعل حجمه يتناسب مع أسِرَّة المستشفيات، وكان لاختراع بيرد الفضل في إنقاذ ملايين أرواح المرضى. اليوم أصبحت أجهزة التنفّس الصناعي أصغر وأكثر تعقيدًا، وغالبًا ما يتم استخدامها أثناء العمليات الجراحية لدعم تنفّس المريض عند التخدير، كما أنّها ضرورية أيضًا للمرضى الذين يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة «ARDS»، وأصبحت رعاية المرضى أسهل بفضل التحديثات التقنية الكبيرة التي طرأت عليها، حيث نرى داخلها أجهزة الاستشعار عن بعد والدوائر الكهربية والإنذارات المدمجة بداخلها لتنبيه العاملين في مجال الرعاية الصحية عن حالة تنفّس المريض وساهمت بشكلٍ كبير في تطوير عملية التنفّس الصناعي. لماذا يحتاج مرضى كوفيد19 هذا الجهاز؟ عند الإصابة بفيروس كوفيد-19 يتم تعطيل هذه العمليات التي تحدث داخل الرئتين حيث يصيب الفيروس الحويصلات الهوائية مما يجعل الجسم يطلب المساعدة من جهاز المناعة بإنتاج الأجسام المضادة لمحاربة الفيروس، لكن في بعض الأحيان يمكن أنْ تسير عملية الاستجابة بشكلٍ مفرط وتقوم بإتلاف الأنسجة الدموية، تؤدي الأنسجة التالفة إلى تسرّب السوائل والخلايا الدموية داخل الحويصلات الهوائية -مثل ملء البالونات بالماء- وبالتالي تقلّل من كمية الأكسجين التي تحملها هذه الحويصلات، ويطلق على هذه الحالة الالتهاب الرئوي ويمكن أنْ تكون قاتلة. عندما يرى الأطباء علامات لإصابة المرضى بفشل تنفّسي، كزيادة معدل التنفّس وارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم، يتم وضع أجهزة التنفّس الصناعي، قد تستغرق فترة التنفس الصناعي أسبوعًا حتى يبدأ المريض بالتنفّس عبر الرئتين مرة أخرى، وذلك وفقًا لتقرير علمي نشرته صحيفة الجارديان البريطاني، ويتساءل بعض الأطباء حاليًا عن الدواعي الفعلية لاستخدام أجهزة التنفّس على بعض المرضى الذين يعانون من انخفاض مستويات الأكسجين في الدم وحسب آرائهم قد يستفيد الأطباء من أقنعة الأكسجين أو غيرها من الإجراءات الأقل خطورةً على صحة المريض قبل التحوّل إلى جهاز التنفس الصناعي. نقص عالمي تواجه وزارات الصحة في جميع أنحاء العالم نقصًا مُروّعًا في أجهزة التنفّس الصناعي جراء تفشّي فيروس كوفيد-19. في العام الماضي كان هناك 77 ألف جهاز تنفّس لتلبية السوق العالمي بأكمله! -رقم مخيف بالفعل- في حين أنَّ مدينة نيويورك وحدها قد تحتاج إلى ما لا يقل عن 30 ألف جهاز تنفّس صناعي، فلا أحد لديه فكرة واضحة عن إجمالي الطلب العالمي على هذه الأجهزة قبل انتهاء الجائحة. تشير التقديرات العالمية إلى أنَّ حوالي 5% من مرضى كوفيد-19 سيحتاجون إلى عناية مركّزة أي الحاجة إلى أجهزة التنفّس الصناعي، قد يبدو هذا الرقم صغيرًا، لكنَّ الأطباء في جميع أنحاء العالم يُحذّرون من عدم تحمّل أنظمة الرعاية الصحّية المزيد من المرضى في حال استمر انتشار الجائحة بهذه الوتيرة، وبسبب النقص الحاد في أجهزة التنفّس الصناعي في الدول الأكثر تضرّرًا، كان العاملون في مجال الرعاية الصحّية هم من يقومون باختيار من سيعيش بناءً على أعمار المرضى وسجلّاتهم الطبية. «ميدترونيك» تكشف التفاصيل كشفت ميدترونيك إحدى أشهر الشركات المُصنّعة لأجهزة التنفّس الصناعي مع نهاية شهر مارس جميع المواصفات والوثائق السرية لتصاميمها الحالية والمستقبلية الخاصة بأجهزة التنفّس على موقعها الإلكتروني لجميع الشركات المُهتمة بتصنيع هذه الأجهزة. كما قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، بإعطاء الموافقة الرسمية لتصنيع جهاز تنفّس صناعي جديد يُدعى «Coventor»، وهو عبارة عن تصميم جديد تم تطويره لأول مرة بواسطة باحثين وطلاب في كلية الطب بجامعة مينيسوتا الأمريكية. يسعى المشروع إلى تصنيع أجهزة تنفّس جديدة يمكن أنْ توفّر نفس المستوى من الرعاية التي تقدّمها أجهزة التنفّس الحالية لكنْ بتكلفة أقل بكثير وبإنتاجية عالية جدًا.