الحياة تكاد تكون مزدحمة بنماذج تمر على مسرح أنظارنا لا تؤمن بحرية الرأي ومرونة اختلاف الآراء، وقد تصل نتيجة هذا الأمر إلى المقاطعة والهجران لمجرد أن رأيًا ما لم يقبلوه ولم يكن يطابق نسق ما يعتقدونه مع تجاربهم الشخصية. يخطئ هؤلاء حين يتصورون أن الرأي منتجًا مُطابق لما يحملونه من معلومات وأفكار ومعتقدات وخبرات حياتية مروا بها! هذا مأزق، إذ ليس من الضروري ومن غير المنطقي أن يكون كل إنسان صورة طبق الأصل في الأخذ والعطاء والجوانب الإنسانية في التعاملات وحتى في أدق الأمور الشخصية. لا جدوى من حمل أي أحد على رأينا عنوة، فالحمية تعمي عن كل شيء حتى عن رؤية النفس، والناس باختلاف وتنوّع مشاربهم ليسوا مجبرين بأن يمروا بنفس المسالك ونفس الطرق التي مررنا بها، فالاختلاف فطرة كونية تتماشى مع إيقاعات هذا الكون الفسيح حتى لا يفسد ولا يصيبه الركود. ليس الجميع نسخًا متطابقة، إذ لا بد أن تمر بنا الحياة على انزلاقات نغمية ذات تنوّعات متعدِّدة تجعلنا نرى أن الاختلاف في سمته مزية يُتيح لنا معرفة أكبر قدر من التنوّع ويضمن عدم احتكار الحقيقة لأنفسنا مطلقاً، فالحقيقة عائمة ليست صكًا لأحد دون أحد في العموم. من الواقعي جدًا أن لا نجد الأمور كما تصورنها منذ النظرة الأولى، لذا فالتقبل رئيسي وجوهر ومهم لإتاحة حياة مفعمة بالحرية المشروطة ضمن أصر مرنة لا تخل بما أتاحه الله للجميع من قول الرأي بلا محاصرة أ وحصر أو تقيد أ وحتى هجوم. ومهما كانت حرارة الحقيقة جارحة جدًا فالحياة أحيانًا تفرض علينا هذا النوع من التقبل الذي يكون شاقًا على النفس لكنه بالمقابل قادر على ملء الفكر بنوعية موجودة لدينا نتقبلها فنكون أضفنا إلى أرواحنا ألواحًا من القوة. من المهم أن تكون أنفسنا منظومة لتقبل آراء الآخرين التي تنطلق منهم بتهذيب ومراعاة، وليس من الضروري اعتناق وجهات النظر هذه، يكفي أن نتقبلها حتى لا نعيش في حالة ارتهان فكري قد تطول فلا يرى الإنسان في هذا الكون إلا ذاته محلًا لوجهات النظر ولوكانت مخطئة. ** **