احترام التنوع والبعد عن التحيز عامل يساعد على تقليل الانقسامات في المجتمعات، ويحول دون تولد مشاعر الكراهية والاغتراب بين الناس، فكلما قويت القدرة على التعامل مع الاختلاف، تقلصت المسافات بين البشر عامة. ومع أن الحوار الوطني استند على مبدأ قبول الاختلاف إلا أن الحقيقة التي يجب أن نقر بها أننا من المجتمعات التي يصعب عليها تقبل الاختلاف، فكرياً كان أم ثقافياً أم عقائدياً أم غير ذلك، وما الخصومات الدائرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتنافر الآراء، والمواقف، والتراشق بالألفاظ إلا مؤشر على صعوبة التقارب، وتكوين أرضية مشتركة ننطلق منها. رفض الاختلاف والميل إلى التحيز من طبائع البشر عبر الزمن، إلا أن الكثير من الشعوب المتقدمة تسعى للانفتاح وتجاوز الاختلافات، وقد حققت الكثير في هذا الشأن خصوصاً مع وجود القوانين والإجراءات التي كما يقال قد لا تنجح في تغيير ما في النفوس، ولكنها تمنع إظهار وتطبيق مافي النفوس، بينما لم نحقق نحن ما يكفي في هذا المجال رغم الشعارات التي تردد، فالغالبية منا تركز على المختلف أكثر من المتشابه، وتحاول فرض أفكارها، ومعتقداتها على اعتبار أنها تملك الحقيقة، وأنها الأفضل والأصوب على الإطلاق، وهو موقف يعكس رغبة لا إرادية في حماية النفس نتيجة الخوف والقلق وعدم الشعور بالثقة، ومع التمادي بهذا التوجه نصل إلى مرحلة الغرور والتعالي على الآخرين أفراداً وجماعات إلى درجة اعتقاد البعض بأن الشعوب والدول الأخرى -التي يطلق عليها(كافرة)- مسخرة لتقدم لهم الاختراعات والاكتشافات والخدمات! التسامح وتقبل الاختلاف مهارة ليست سهلة، ولوكانت سهلة لما حدثت كل هذه الصراعات والحروب عبر التاريخ، ولذلك يجب أن يبدأ اكتسابها في عمر مبكر، فكلما تعلم الطفل كيف ينظر إلى من يختلف عنه في الشكل واللون والجنس والعرق والدين والقدرات والطبقة الاجتماعية، وكيف يعبر عن مشاعره تجاهه بشكل مقبول، كلما نما حس التعاطف والتشارك عنده تجاه الآخر عندما يكبر، وهذا التعلم يحدث عادة عن طريق مايشاهده في سلوك وتصرفات الكبار حوله، ومايسمعه منهم في البيت ثم في المدرسة. أذكر على سبيل المثال أنه عندما اتخذت وزارة التربية قراراً بدمج ذوات الاحتياجات الخاصة في مدارس التعليم العام وإلحاقهن مع الطالبات في الفصول العادية أبدت بعض المديرات والمعلمات والإداريات معارضة ومقاومة لهذا القرار، ومع أن الاعتراض يكون مقبولاً في حالة عدم توفر الشروط العلمية والتربوية لهذا الدمج، إلا أن تلك المعارضة كانت تنطوي في الأعماق على عدم قبول المعوق، وتهرب من عبئه! الانفتاح على الآخرين المختلفين ثقافة يجدر التهيئة لها في المدارس طالما أن هناك انتقادات كثيرة توجه للتعليم، واطلاع الأطفال في البيت والمدرسة على عادات وطقوس وثقافات ومعتقدات الشعوب الأخرى، وغرس احترامها خطوة أولى لانفتاح عقولهم، وفرصة لملاحظة توجهاتهم وأفكارهم والمساعدة في تعديل أي بوادر للتعصب والنفور من الاختلاف.