الخلاف سُنة كونية، مَن يحاول أن يصادمه فهو يصادم قانوناً من قوانين الحياة. هناك خلل في التعاطي مع موضوع الخلاف، قد تعود جذوره للتربية التي نشأ كل واحد منا فيها. من أكثر المشكلات شيوعاً بين الناس عدم تقبُّل الاختلاف بوجهات النظر، واعتبار أي تعارض في الآراء خلافاً شخصياً؛ وهو ما قد يولد عند ضعاف النفوس عداءً شخصياً مع الآخرين. العقلاء ما زالوا يختلفون ويتحاورون في حدود العقل دون أن تصل آثار خلافهم لحدود القلب. اليوم أنا أتفق معك وأوافقك الرأي، هل من الطبيعي أن أكون على اتفاق دائم كونك صديقي أو قريبي؟ بالتأكيد لا. الاختلاف نتيجة طبيعية لاختلاف الفهم لتباين العقول، ولتمايز مستويات التفكير. ولكن اختلافي معك لا يبيح عِرضي، ولا يحل غيبتي، ولا يُجيز قطيعتي. نتغنى بمقولة «اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية»، ونرددها بعد كل حوار متشنج، ولكن الحقيقة أنه يفسد للود قضايا وقضايا. ونتعارك لمجرد الاختلاف بآرائنا وتوجهاتنا الفكرية، ولأسباب واهية بين أصدقاء وأقرباء، تصل لدرجة القطيعة. دائمًا نثأر لآرائنا بحماقة! ونرفض الهزيمة التي رسمناها في عقولنا لتكون هزيمة! حتى وإن كان الطرف الآخر لديه الحق. تغيب عن حواراتنا الموضوعية، ومعظم المتحاورين يخلطون بين الذات والموضوع. ولا شك أن الكثير يكون سجيناً لتصورات مسبقة، وتحيزات ورغبات وهوى نفس. عندما نتأمل مجالس الناس، كتاباتهم، منتدياتهم.. تجد أن الإنصاف عزيز جداً؛ وهو ما يدل على ضيق الأفق، وانعكاس لعدم صفاء القلوب. يجب أن نعي أننا بشر، والبشر معرَّضون للخطأ؛ وبالتالي ليست كل أفكارنا صحيحة، ولا أفعالنا منزهة، ولكل منا هفواته وآراؤه التي قد يجافيها الصواب؛ لذا يجب أن نعترف بأخطائنا، أو نقص معرفتنا، ونسمع للطرف الآخر؛ فقد نجد ضالتنا. وكذلك الانفتاح على تجارب الآخرين؛ فكل شخص لديه تجاربه التي تشكّل وعيه ووجدانه، ومن المفيد أن نحيط أنفسنا بأنواع البشر؛ لنستقي منهم الخبرات المختلفة، ورؤية المواضيع من زوايا متعددة؛ لذا يجب أن لا نناصب الآراء المختلفة العداء. ** **