الأخضر يكمل تحضيراته لمواجهة البحرين    القطاع الخاص مطالب بالتصدي لتدهور الأراضي في "كوب 16" بالرياض    البنتاجون يؤمن إسرائيل بثاد    ترمب يختبر حدود استخدام الجيش    الشحن الجوي يواصل نموه بنسبة مئوية متصاعدة للشهر التاسع على التوالي    الفتح يجهز «باتنا» للخلود    بقاء مانشيني يعني خروجنا من التصفيات    منتدى الأفلام يختتم فعالياته متوسعًا على العالم    تكريم الراحل «الشدي» في أمسية وفاء لمسيرته الإعلامية والثقافية.. اليوم    زوجة المسيار لها حق الميراث    تركي بن هذلول يستعرض تقارير التعليم في نجران    أمير الشرقية يعزي أسرة الدوسري    وزير الخارجية يستقبل نظيره البوروندي    القبض على مواطن لنقله 13 مخالفاً لنظام الحدود في عسير    معرض لرفع مستوى الوعي بمخاطر الكوارث في الشرقية    وصول أولى طلائع الجسر الجوي السعودي لمساندة الشعب اللبناني    الأمين العام للجامعة العربية يدين العملية الإسرائيلية في غزة ومصادرة مقر الأونروا بالقدس    اختتام معرض الصقور والصيد السعودي الدولي بحضور يتجاوز 640 ألف زائر    أمير الرياض يستقبل السفير الفلسطيني ومدير مكافحة المخدرات    لقاءات تعريفية لفصول موهبة    طيور مهاجرة    تشغيل الطوارئ بمستشفى الرس    ميقاتي يدين موقف نتنياهو والاعتداء على «اليونيفيل»    بونو يقلق الهلاليين    الأهلي والأساطير باعتزال الأنيق    نوف الغامدي: 263 مسرحاً في السعودية.. والقطاع يحتاج إلى «حوكمة»    مقتل قيادي في «حماس».. ومطالب إسرائيلية بإجلاء سكان شمال غزة    رئيس الوزراء العراقي يدعو إلى حظر توريد السلاح إلى إسرائيل    المركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة، يسهم في نجاح معارض الفن التشكيلي    جمعية الصم وضعاف السمع تحتفي باليوم الدولي للغات الإشارة    اختتام مسابقة أقرأ في إثراء ومغربية تحصد لقب قارئ العام للعالم العربي    خيرية المواساة بالقارة تعقد جمعية عمومية وعرض إنجازات الجمعية    "أدير العقارية" تطرح أرض "رسيل الرياض" للبيع في المزاد العلني    "الصحة" و "الأمر بالمعروف" تناقشان توعية المرضى من السحرة والدجالين    "محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية" تختتم مشاركتها في معرض الصقور والصيد السعودي 2024    نجاح عملية قلب مفتوح بتقنية الشق الصغير في مركز الأمير سلطان بالقصيم    من أعلام جازان.. الشيخ خالد بن أحمد بشير معافا    "التعاون الإسلامي" تُدين قرار الاحتلال الإسرائيلي مصادرة مقر وكالة الأونروا بالقدس المحتلة    "الظافري" يستقبل مفوّض الإفتاء في جازان    المربع الجديد يوقع عقد رعاية لموسم الرياض 2024    أمطار رعدية مصحوبة بزخات من البرد ورياح مثيرة للأتربة في 4 مناطق    اختتام فعاليات النسخة الثانية من منتدى الأفلام السعودي    «PIF» يحدد متطلبات الإنفاق على المشاريع الخضراء ب 73 مليار ريال    النفط يواصل صعوده للأسبوع الثاني    «الدفاع» تعزز التعاون في مجالات الإعلام بين القطاعات العسكرية والأمنية    القهوة والكافيين يحسنان صحة الشرايين    الألعاب السعودية .. "الغيث" يحصل على الذهب في التزلج اللوحي    أفراح الدامر والرشيد    القبيلة وتسديد المخالفات المرورية    البحرين أهم من اليابان    الذكاء العاطفي في البيئة التعليمية    تفضيل الأطعمة الحارة يكشف لغز الألم والمتعة    لون البول مؤشر للإفراط في السوائل    محمية الملك سلمان الملكية تحتضن 290 نوعاً من الطيور بينها 26 مهدّداً بالانقراض    الشيخ البدير: التواضع من الأخلاق العليّة والشمائل السُنيّة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يلتقي بالمراقبين عبر التلجرام    خطاك السوء يا فخر الأوطان «سلمان»    الذكرى العاشرة لبيعة والدنا «سلمان»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماركيز: مئة عام من الحرب والحب والعزلة 3
غابرييل غارسيا ماركيز
نشر في الجزيرة يوم 22 - 05 - 2020

«ليس في أعمالي الروائية التي كتبتها ما لا يستند إلى الواقع»
ماركيز
مقدمة
في قصصه ورواياته يعيدنا ماركيز إلى الدهشة والمتعة والتشويق، كأننا في عالم ألف ليلة وليلة، أو في رحلة عوليس في الأوديسه حيث الإثارة والمفاجآت والعجائبية.
ينقلنا ماركيز في مئة عام من العزلة إلى عالم السحر والحكي الجميل، والمتعة المستمرة. تتوالد مئة حكاية وحكاية.
ابتكر ماركيز مدينة ماكوندو، وهي تشبه ابتكار فوكنر مدينة يوكناباتوفا الخيالية التي أشرنا لها في دراستنا عن فوكنر.
ماكوندو مدينة خيالية، لا ترمز لبلدة أركاتاكا في كولومبيا فحسب، بل ترمز إلى قارة أمريكا الجنوبية..
الواقعية السحرية (الغرائبية)
تُعرف الواقعيّة السحرية أو الغرائبية Magical Realisim بأنها أسلوب وتقنية في السرد الروائي الحديث، يغلب عليه الخيال والفانتازيا واللاواقعية واللامعقول والسحر. وهي مستمدة من أعمال كلاسيكية، مثل الإلياذة والأوديسه وألف ليلة وليلة، حيث الحكايات الغريبة، كالتنين والرخ وعلاء الدين وبعض رحلات السندباد الغرائبية.
وقد صاغها كمفهوم ومصطلح الناقد الأدبي الألماني فرانز روه عام 1929، وهو ما يجمع بين الواقع الحقيقي والخيال السحري، وطبقه على بعض أعمال الفنانين الألمان، وتميز بها كتّاب القصة والرواية في أدب أمريكا اللاتينية، مثل الكوبي إيجو كاربنتاير والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، والجواتيمالي ميغل أنغيل استورياس، والكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي، والبرازيلي ماشادو ده أسيس، والهندي سلمان رشدي، ثمَّ انتقلت إلى بعض الأعمال في آدابِ اللغات الأخرى.
ماركيز والواقعية السحرية
يفسر ماركيز سر الواقعية السحرية في أعماله بقوله: «أظن منطقة الكاريبي علمتني رؤية الواقع بطريقة أخرى، وقبول العناصر فوق الطبيعة كجزء من حياتنا اليومية. إن منطقة الكاريبي هي عالم قائم بذاته». (14)
ويشرح ذلك بقوله: «وأول أثر من آثارها الأدبية السحرية هو (مذكرات سفينة) الذي كتبه كريستوفر كولمبس. إنه كتاب يتحدث عن نباتات خرافية، وعوالم أسطورية. أجل، إن تاريخ الكاريبي مليء بالسحر، سحر جاء به العبيد الزنوج من إفريقيا، كما جاء به القراصنة السويديون والهولنديون والإنجليز... إن الخليط البشري والتناقضات الموجودة في منطقة الكاريبي لا يُعثر على مثيل لها في مكان آخر من العالم. إنني أعرف كل جزرها. فتيات مولدات ذوات بشرة بلون العسل، وعيون خضراء، ومناديل رأس ذهبية. صينيون مهجنون من السكان الأصليين يغسلون الملابس، ويحملون التمائم. هنود حمر يخرجون من دكاكينهم التي يبيعون فيها العاج؛ لكي... في وسط الشارع قرى مليئة بالغبار قائظة، تدمر الأعاصير منازلها. وعلى الجانب الآخر ناطحات سحاب بزجاج ملون وبحر بسبعة ألوان». (15)
ويقول عنها ماركيز: «عندما أبدأ بالحديث عن منطقة الكاريبي فلا يوجد توقف. وهي ليست العالم الذي علمني أن أكتب فحسب، وإنما هي المنطقة الوحيدة أيضًا التي لا أشعر فيها أنني غريب». (16)
عالم العزلة عند ماركيز
بدأ ماركيز في ابتكار ماكوندو في روايته الأولى (عاصفة الأوراق الذابلة) عام 1955 التي وصف فيها واقعًا عن نبات الموز في ماكوندو التي تعبر عن فترة ازدهار واضحة خلال وجود الشركات الأمريكية، كما أنها تمثل مرحلة اكتئاب مع رحيل هذه الشركات.
وفي رواية مائة عام من العزلة أعاد ماركيز إبداع ماكوندو التي تدور أحداثها في ماكوندو، تلك المدينة الخيالية من تاريخ تأسيسها حتى اختفائها مع آخر جيل من عائلة بوينديا.
سأله صديقه الكاتب الفنزولي ميندوزا: «ماذا كنت قد وضعت نصب عينيك عندما جلست لكي تكتب (مئة عام من العزلة)»؟
فحكى له ماركيز يقول: «التعبير تعبير أدبي مُحكم عن جميع التجارب التي كانت قد مرت بي بطريقة من الطرق أثناء طفولتي». (17)
وأضاف قائلا: «... لم أرد سوى تقديم شهادة شعرية عن عالم طفولتي. هذه الطفولة التي أمضيتها - كما تعلم - في منزل واسع كئيب، مع أخت كانت تأكل التراب، وجدة كانت تحدس المستقبل، وأقارب كثيرين كانوا يحملون الأسماء الأولى نفسها، ولا يميزون بين الغبطة والجنون تميزًا كبيرًا». (18)
بداية الحكاية في مئة عام من العزلة
يحكي ماركيز في بداية الرواية - وهي من أفضل بدايات الروايات التي قرأتها - ويقول: «بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، سيتذكر الكولونيل أوريليا نو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الجليد. كانت ماكوندو آنذاك قرية من عشرين بيتًا من الطين والقصب مشيَّدة على ضفة نهر ذي مياه صافية، تنساب فوق فرشة من حجارة مصقولة بيضاء وكبيرة مثل بيوض خرافية». (19)
هنا يبدأ ماركيز نثر عطر سحره؛ لينشره في هذه الرواية، فنبدأ نتذكر الطيور الخرافية في ألف ليلة وليلة، كالرخ وغيره...
ويستمر ماركيز في الحكي ويقول: «كان العالم حديث النشوء، حتى أن أشياء كثيرة كانت لا تزال بلا أسماء، ومن أجل ذكرها لا بد من الإشارة إليها بالأصبع». (20)
وتبدأ حكايته مع الغجر، وبداية تعرفه عليهم، ويقول: «وفي شهر آذار من كل عام كانت أسرة غجر ذوي أسمال تنصب خيمتها قريبًا من القرية، وتدعو بدوي أبواق وطبول صاخبة إلى التعرف على الاختراعات الجديدة. جاءت أولاً بالمغناطيس». (21)
وتبدأ حكاية الغجري ميلكيادس: «وقام غجري مربوع، له لحية كثة، ويدا عصفور دوري، قدم نفسه باسم ميلكيادس بعرض عام صاخب، لما أسماه أعجوبة (علماء الخيميا المقدونيين) الثامنة. مضى من بيت إلى بيت وهو يجر سبيكتين معدنيتين؛ فاستولى الذعر على الجميع حين رأوا القدور والطسوت والكماشات والمواقد تتساقط من أماكنها، والأخشاب تطقطق؛ لأن المسامير والبراغي راحت تتململ؛ لتنتزع نفسها من الخشب، بل إن الأشياء المفقودة منذ زمن بعيد بدأت تظهر؛ إذ بحثوا عنها طويلاً من قبل، وراحت تتجرجر منقادة في حشد مضطرب وراء حديدتَي ميلكيادس السحريتَين، بينما الغجري يصرخ بصوت أجش (للأشياء أيضًا حياتها الخاصة، والمسألة هي في إيقاظ روحها)». (22)
بداية تورُّط خوسيه آركاديو بوينديا
ويحكي ماركيز عنه: «وقد فكر خوسيه آركاديو بوينديا، وكانت مخيلته الجامحة تتجاوز على الدوام عبقرية الطبيعة، وتمضي إلى ما وراء الإعجاز والسحر في أنه بالإمكان استخدام ذلك الاختراع عديم الجدوى لاستخراج الذهب المدفون في الأرض، لكن ميلكيادس الذي كان رجلاً نزيها حذره (الاختراع لا ينفع في ذلك) إلا أن خوسيه آركاديو بوينديا لم يكن يؤمن آنذاك بنزاهة الغجر، واستبدل بغلة وشعلة ماعز بالسبيكتين الممغنطتين. أما زوجته أورسولا إيغوران التي كانت تعقد الأمل على تلك الحيوانات لتوسيع ميراث الأسرة الهزيل فلم تتمكن من ثنيه عن عزمه؛ فقد رد عليها زوجها (عما قريب سيكون لدينا فائض من الذهب لتبليط أرضية البيت)، وانهمك طوال شهور في إثبات صحة تكهناته، وارتاد المنطقة شبرًا شبرًا، بما في ذلك قاع النهر، وهو يجر وراءه السبيكتين الحديديتين، ويرتل بصوت عال تعويذة ميلكيادس، وكان الشيء الوحيد الذي استطاع استخراجه من باطن الأرض هو درع حديدية من القرن الخامس عشر، جميع أجزائها ملتحمة بطبقة من الصدأ، ولجوفها رنين أجوف، كرنين قرعة ضخمة مملوءة بأحجار. وعندما تمكن خوسيه آركاديو بوينديا ورفاق حملته الأربعة من فك مفاصل الدرع وجدوا فيها هيكلاً عظميًّا متكلسًا، يحمل قلادة نحاسية معلقة حول عنقه، فيها خصلة شعر امرأة». (23)
** **
- ناصر محمد العديلي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.