كان الرئيس الأمريكي ترامب في بداية العام يجهِّز قوس كيوبيده الانتخابي لعام 2020 في أمريكا ليطلق سهامه الانتخابية، وكان في جعبته 3 سهام رئيسية: أولها التفاخر بالوضع الاقتصادي الذي كان قد تحسن نسبيًّا خلال العامين الماضيين لتصل نسبة البطالة إلى نسبة قياسية متدينة 3.5 % في شهر فبراير، ولكن بسبب كورونا كوفيد 19 وصلت الآن نسبة العاطلين عن العمل إلى 14.7 % (ما يقارب ال20.5 مليون شخص. وهذا رقم مروع، لم تره أمريكا منذ أيام الكساد الكبير). وكان السهم الثاني هو مهاجمة الاشتراكية، ولكن تنازل بيرني ساندرز (الاشتراكي - الديمقراطي) عن سباق الرئاسة أخمد لهيب هذه الخطة. والسهم الثالث كان خطة تجفيف المستنقع للحكومة الكبيرة، ولكن مع كوفيد 19 بدأ التحول لكسب الثقة بالحكومة الكبيرة لإنقاذ الاقتصاد. وهكذا حتى بعد الانتصار السياسي للرئيس ترامب على ادعاءات الديمقراطيين لتورط إدارته في التدخل الروسي في انتخابات 2016 أتت جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 لتدخل إدارته في نفق، في نهايته وادٍ للموت، وبات يواجه كابوسًا في وادي الموت لكوفيد 19، وفيه تحوم الخفافيش وآكلو النمل ومعهد ووهان ومحاسبة الصين والمذبحة الاقتصادية. يحاول دائمًا الرئيس ترامب اللعب على وتر الشعبوية؛ لذلك فقد علق مؤخرًا الهجرة بشكل مؤقت، وقطع مساهمة أمريكا في منظمة الصحة العالمية، وبدأ يلعب على وتر آخر، هو معالجة الغضب المتصاعد في الولايات الحمراء (الجمهورية) بالدعوة لتشغيل الاقتصاد باستعمال التويتر المتنمر الخاص به بدل الدعوة العامة لإعادة فتح أكثر أمانًا. وأيضًا يبني استراتيجية لمهاجمة وتحطيم بايدن، سواء بإحياء مشكلة تورطه مع ابنه في أوكرانيا، أو بالتسليط بشكل أكبر على مشكلة التحرش الجنسي مع تارا ريد المساعدة السابقة. ويبني الرئيس ترامب حملته الآن على سرعة إدارته في اتخاذ القرار بإقفاله الاقتصاد، وإيقاف الطيران لأوروبا والصين، وإطلاقه حزمة من المساعدات الاقتصادية، تبلغ 2.2 تريليون دولار، والرقص على أعداد الوفيات بعد أن قال إنه لولا الإجراءات التي اتخذتها إدارته لوصل عدد الوفيات إلى مليونين، وبنى توقعاته بالإجراءات الحكومية على عدد 200 ألف وفاة فقط. أجرت أمريكا 18 دورة انتخابية بعد الحرب، ولكن في ظل جائحة كوفيد 19 المعقدة، وصغر هذا الرقم لعدد الانتخابات، وعدم شموله أي أزمة مشابهة لهذا الوباء، فإنه من الصعب التنبؤ بمسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ولم نعد نعرف ما هو المهم، حجر الدومينو الذي يسقط أولاً؟ أم آخر حجر؟ وهل البدائل يمكن أن تكون أفضل من الأولويات؟ وبسبب التقاطع الغريب بين الجغرافيا السياسية والاقتصادية والجائحة فإن آمال إعادة انتخاب ترامب قد لا تعتمد إلى حد كبير على الانتعاش بقدر ما تعتمد على إدارة الأزمة، وتبيان أن الخروج بأقل الخسائر هو الفوز الكبير. ومن ناحية أخرى، أوضح صموئيل هاموند أن هذا الاختلاف الجغرافي قاد مجموعة صغيرة من الجمهوريين المنتخبين إلى تشكيل أجندة أيديولوجية جديدة، تتحدى بطريقة ما بلوتوقراطية الحزب الجمهوري التقليدية (والبلوتقراطية هي أحد أشكال الحكم الذي تكون فيه الطبقة الحاكمة مميزة بالثراء؛ إذ في البلوتوقراطية تكون درجة التفاوت الاقتصادي عالية بينما مستوى الحراك الاجتماعي منخفض). ما يخشاه ترامب في هذه المرحلة، إضافة إلى حمى انتقال العدوى الزرقاء (إشارة للديمقراطيين) لبعض الولاياتالأمريكية، هو انتشار أكبر لعدوى فيروس كورونا كوفيد 19. وما يظهره تحليل معهد بروكينغز الجديد - وفقًا لراونشتاين - هو أنه إذا ألقيت جغرافيا انتشار الفيروس التاجي كوفيد 19 في المزيج السياسي والاقتصادي الأمريكي، فستخرج بالنتائج الرائعة الآتية: هناك 3.100 مقاطعة في أمريكا، وال15 مقاطعة التي تئن تحت وطأة كوفيد 19 تسهم بما يزيد على 16 % (3.3 تريليون دولار) من الناتج المحلي الأمريكي البالغ 20 تريليون دولار، وما يقرب من 13 % من وظائفها، وإذا أخذت أكثر من 50 مقاطعة فيها إصابات بكورونا كوفيد 19 فستجدها تسهم ب36 % من الناتج القومي (7.2 تريليونات دولار)، وتشكل 60 مليون وظيفة (30 %) من مجموع الوظائف الكلي. وكما يرى براونشتاين، فإن التداخل هذا هو العقبة الرئيسية أمام الإدارة الأمريكية من أجل تخفيف التباعد الاجتماعي في تحدٍّ للخبراء، مضمونه أن فتح الاقتصاد سيتسبب في ارتفاع أعداد المذبحة بسبب هذه الحقائق. وهناك مستوى آخر لهذا التداخل؛ إذ تعتمد آمال ترامب السياسية على المدى الطويل على سرعة الارتداد في هذه المقاطعات. فرغم أن أمريكا تتجه لركود وحشي فالانتعاش الاقتصادي الوطني طويل المدى يعتمد بصورة كبيرة على الانتعاش في هذه الأماكن، الذي بدوره يعتمد على التعافي من فيروس كورونا؛ لذلك صحيح أن آمال إعادة انتخاب ترامب تعتمد على الانتعاش الوطني، ولكن تعتمد تلك الآمال بدرجة كبيرة على السرعة التي تعود بها هذه الأماكن إلى واحة الصحة. رغم التنمر التويتري الذي يمارسه الرئيس الأمريكي ترامب، والرمال المتحركة في المشهد السياسي والاقتصادي الداخلي الذي تتعرض له أمريكا، فإن حظوظ الرئيس ترامب في إعادة انتخابه تبقى عالية؛ لأن سياسته كانت - وما زالت - تتمحور حول أمريكا أولاً، وهو يملك القاعدة الانتخابية البيضاء الأكبر التي ستلتف أكثر حوله لإذكاء التشريعات الحمائية للاقتصاد الأمريكي لجعل أمريكا عظيمة. لذلك سيكون أمامنا صيف انتخابي ساخن، لا ندري إذا كانت حرارته ستغطي على الأرقام الساخنة لكوفيد 19.