إن طبائع المسلم تُعدّ نموذجاً حقيقياً للأخلاقيات والسلوكيات التي جبلنا الله عليها، ويجب أن يتطبع بها طوال حياته، وما العفو والتسامح إلا طرائق الرجال في اليُسر والعُسر مع الآخرين، ولا يمكن المُزايدة على ريادة المملكة العالمية، التي بدأها ملوكنا الكرام بالإنسان وحريته أولاً، ووفروا له الكثير من الأمثلة على ما يمتازون به من شيم، فما مَرّ رمضان أو مناسبة إلا وشَمل عفوهم أفراداً قاموا بأفعال تستوجب العقوبة فصدرت بحقهم أحكام قضت بسلب حرياتهم لبعض الوقت، وهؤلاء يستعيدون حرياتهم بالقانون... وبالعفو الملكي كُلما توفرت الظروف التي حرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- لتأكيد نهج المملكة في التسامح، لنجد عشرين قضية قد شملها العفو في شهرنا الفضيل، عن السجناء المحكومين (السعوديين والوافدين)، وليست من ضمنها القضايا الكبرى، المُصنفة بموجب القرار الوزاري 2000، لتتلقى إمارات المناطق تعليمات العفو في قضايا الحق العام، ووفق ما حدده المنظم من شروط العفو، بأذرع تفيض إشادة ودعاءً، ليكون وزير الداخلية هو المرجع في تفسير قواعد العفو، وله تمديد مدة العفو في أي وقت تقتضيه المصلحة. ومع بُشريات رمضان هذا العام تأتي مكرمة الملك سلمان، بأثرها الإيجابي في إصلاح أحوال العباد والبلاد، لنرى المشمُولين بالعفو وأسرهم في فرح وغبطة لا مثيل لها، شاكرين «أبُ» الإنسانية وملك الخير، ولا شك أن جميع هؤلاء قد أخذوا جُرعات توعوية مُكثفة قبل خروجهم من السجن بما يُحقق تأهيلهم والانخراط في الحياة مُندمجين بسلاسة فيها، وممارسة حياتهم على نسق سوي، وهنا يكمن الهدف الجوهري من مكرمة رمضان الكريم، بل ولا تألو الدولة جهداً حتى في متابعتهم بعد العفو والتواصل معهم حتى تتم الرعاية اللاحقة التي من شأنها أن تضمن تحقيق الهدف من إطلاق مثل هذه المكرمات، وبما يضمن حسن سيرهم في حياتهم المستقبلة بتقديم يد العون والمساعدة حتى يحققوا التوطن على السلوك السوي. ومثل هؤلاء يخرجون للمجتمع ودواخلهم تمتزج بمشاعر الفرح، لكونهم خرجوا مما هم فيه، وحسرة تكاد تقتلهم لما اقترفوه نادمين، ومثلهم مثل إخوة يوسف عندما ألقوه بالجب {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (سورة يوسف 15). يُدرك الجميع في مملكتنا الرادعة، أن مثل هذا العفو لم يكن ليأتي عفو الخاطر، لكنه جاء بعد دراسات متفحصة، وتمحيص بما يجعلهُ مُتسقاً مع موجبات الشرع، ومُنسجماً مع النظام، ولا يتعارض مع مبدأ الردع العام والإصلاح، ولا يتراخى عن مبدأ الردع الخاص، وتحقيق الصلاح. لذلك فهي فُرصة سانحة، تُساعد على تحقيق الحكمة من إصدار مكرمة العفو لأجل تحقيق إصلاح حال العباد والمُجتمع عامة، ولعمري فإنها لغاية سامية بحق وحقيقة يسمو بها كل حكم رشيد تستقر به حياة العباد في أمان واطمئنان مستمرين.