الإنسان حينما يخلدُ إلى الراحة، ويَخلُو بنفسه، رُبما يُحَلّقُ به الخيالُ في أجواء الصَّبا وذروة الشباب متذكراً أقرانه، ورفاق دربه الذي قضى معهم من الأيام أحلاها وأمتعها في أجواء فرح ومرح، ولا سيما في ديار الغربة والبعد عن الأهل والأوطان.., فالذكريات الجميلة أدومها وألصقها في جدران الذاكرة، وأطولها مُكثًا في شعاب النفوس.., كحالي مع مُعَلمي الأجلاء، وزملائي الأفاضل في دار التوحيد بالطائف.., فلم يبقَ من حَلاوة تلك الأيام والعقود الفارطة سوى رنين الذكريات.., ومن بين أولئك الصديق الحبيب عمر بن عبدالرحمن بن محمد البابطين (أبو بندر)، الذي انتقل إلى دار المقام يوم الجمعة 23-8-1441ه مأسوفاً على رحيله، ووري جثمانه الطاهر بمقبرة الشمال بالرياض: وقد ولد في شقراء عام 1359ه إحدى كبريات إقليم الوشم بلد العلم والأدباء التي تُعد مركزاً تجارياً مهماً منذ عقود طويلة من الزمان، فشبّ (أبو بندر) في ربوعها هو وإخوته بين أحضان والديه ورفاق دربه.., ثم بدأ دراسته الأولية في تلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر من أجزائه في أحد الكتّاتيب -آنذاك- وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية شخص إلى الحجاز هو وأخوه محمد، وابنا عمه: محمد وعبدالعزيز، فالتحقوا بمدرسة دار التوحيد.., ثم أكمل دارسته العسكرية، بعد ذلك عمل في القطاع العسكري مدّة من الزمن.., ثم استقال، واتّجه للتجارة في الأعمال العقارية.., وقد نجح في ذلك، حيث كان مرناً وصادقاً في تعامله مع الغير.., فهو محبوب لدى زملائه وجيرانه ومعارفه.., لما يتمتع به من أدب جمّ وخلق رفيع.., أما شقيقه محمد فقد اتجه إلى مكةالمكرمة فدرس هناك.., وكنا معشر طلاب دار التوحيد ننتهز فرصة فراغنا لمزاولة بعض الأنشطة الرياضية، والتسابق على صعود الجبال المواكث الشاهقة علواً مثل جبل (أم الآدم) المتربع على ميادين (قروى) الفسيحة المطل على بساتين (المثناة) جنوباً الحافلة بكثافة أشجار الرّمان التي يَحلو مذاق ثماره العذبة في مواسمه.., وقد يُسمع صوت شدو البلابل، وهديل الحمائم على تلك الأغصان: وما زلتُ ذاكراً تسابقي على متن سيكلي المتواضع الخالي من الأنوار، مع ابن عم الزميل عمر الأستاذ محمد ابن الشيخ عبدالله البابطين الذي كان مديراً عاماً لشركة (نادك) منذ عقود طويلة من السنين.., -رحمه الله- وقد اشتريت ذاك (السيكل) بستين ريالاً مناصفة بيني وبين الزميل سليمان المضيان -رحمه الله- لقلة المادة لدينا في تلك الأزمان البعيدة.., والحمد لله غيّر الله من حال إلى أحوال أفضل: رحم الله جميع من غاب من أولئك الزملاء والأصدقاء، وأسعد من هم الآن منا على قائمة الانتظار، فكل تلك الأيام ذكريات جميلة لا تبرح الخواطر، وعندما استقر (أبو بندر) بالرياض أخذت أزوره في منزله الواقع في حي التعاون بين وقت وآخر، متذكرين أيامنا في أحضان دار التوحيد بالطائف -أم المدارس- ومتذكرين أيامنا أيام الدراسة في هاتيك الأجواء اللطيفة أجواء الطائف والدار جامعة لنا معه ومع ابني عمه الأخوين الكريمين محمد -رحمه الله- والأستاذ عبدالعزيز -متعه المولى بكامل الصحة والسعادة-، متمنين عودة تلك الليالي المقمرة والأيام المشرقة، ولكن هيهات رجوعها: تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم إخوته محمد، وعبدالعزيز، وسلطان وأبناءه بندر، ويزيد، ومشعل، وعقيلته أم بندر وأخواته الفضليات، وجميع أسرة البابطين الصبر والسلوان. ** ** عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء