عدّ النحويون الفعل المضارع مسندًا إلى ضمير مستتر فيه، قال الرضي «وأما في المضارع والأمر، فلم يبرز الضمير في: أَفْعَلُ، ونَفْعَلُ لإشعار حرف المضارعة بالفاعل، لأن (أَفْعَلُ) مشعر بأن فاعله (أنا)، و(نَفْعَلُ) مشعر بنحن، الهمزة بالهمزة، والنون بالنون، وكذا (يَفْعَلُ) نص في المفرد الغائب، فلم يحتاجوا إلى ضمير بارز، وأما (تَفْعَلُ) فإنه، وإن كان محتملاً للمخاطب والغائبة، لكنهم لم يبرزوا ضميره، إجراء لمفردات المضارع مُجرى واحدًا في عدم إبراز ضميرها»(1). وهذا تعميم لقاعدة استتار الضمير، ولكن الضمائر تبرز مع المخاطبة والمثنى والجمع؛ ولذلك نجد من النحويين من سعى إلى تعميم قاعدة الاستتار بجعل ما برز حروف مطابقة لا ضمائر، وبهذا يستمر افتراض الضمير المستتر، قال ابن يعيش «وأمّا الياء، فقد تكون علامةً للتأنيث في نحو: (اضْرِبِي)، و(تَضْرِبِينَ)، ونحوهما، فإنّ الياء فيهما عند سيبويه ضميرُ الفاعل، وتفيد التأنيث، كما أن الواو في (اضْرِبُوا)، و(يَضْرِبُونَ) ضميرُ الفاعل، وتفيد التذكيرَ. وهي عند الأخفش وكثيرٍ من النحويين حرفٌ دالّ على التأنيث بمنزلة التاء في (قامَتْ)، والفاعل ضميرٌ مستكِنّ، كما كان كذلك مع المذكّر في (اضْرِبْ)»(2)، ورأى الرضي تعميم استتار الضمير في المضارع علة لعد الأخفش الياء حرفًا «ولعل هذا هو الذي حمل الأخفش على أن قال: إن الياء في: تضربين ليس بضمير، بل حرف تأنيث، كما قيل في: هذي، والضمير لازم الاستتار»(3). وكذلك مذهب المازني، قال الرضي «ومذهب المازني: أن الحروف الأربعة في المضارع والأمر، أعني الألف في المثنيات، والواو في جمعي المذكر، والياء في المخاطبة، والنون في جمعي المؤنث علامات، كألف الصفات وواوها في نحو: ضاربان وحسنون، وهي كلها حروف والفاعل مستكن عنده، ولعل ذلك حملا للمضارع على اسم الفاعل، واستنكارا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها أي النون»(4). وما ذهب إليه الأخفش والمازني وهو أن ياء المخاطبة وألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة أحرف لا ضمائر قول صحيح يوافقه مذهب بعض علماء اللغة المحدثين مثل عبدالرحمن أيوب(5)، وإبراهيم السامرائي(6)، وأما داود عبده فكتب بذلك فصلًا (الضمائر المتصلة وظاهرة المطابقة) انتهى فيه إلى «أن ما سماه بعض النحاة ضميرًا متصلًا وأعربوه فاعلًا ليس إلا مظهرًا من مظاهر المطابقة في اللغة، وأن الفاعل هو الاسم أو الضمير حيث يظهر أحد هذين، كما في (الرجال ذهبوا) أو (هم ذهبوا) أو (ذهب الرجال) أو (ذهبوا هم). أما في مثل (ذهبوا)، حيث لا يوجد اسم أو ضمير، فالفاعل ضمير حذف لوجود ما يدل عليه من مظاهر المطابقة، فهو (هم) في المثال السابق، و(هن) في مثل (ذهبن)، و(هما) في مثل (ذهبا)، و(هي) في مثل (ذهبت)»(7)، وبقول أستاذنا داود عبده أقول فأخالف قول النحويين بالاستتار وأرى الفاعل ضميرًا منفصلًا حذف اجتزاء بدلالة المطابقة الملصقة في آخر الفعل أو أوّله، فالأصل: أنا أفعل، ونحن نفعل، وأنتِ تفعلين، وأنتما تفعلان، وأنتم تفعلون، وأنتن تفعلن. فالفاعل هذا الضمير المقدم على الفعل. وإن عطف على الفاعل تأخر كما في نحو قوله تعالى «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» [المائدة-24]. ... ... ... (1) الرضي، شرح الرضي على الكافية لابن الحاجب، 2: 414. (2) ابن يعيش، شرح المفصل لابن يعيش، 3: 356. (3) الرضي، شرح الرضي على الكافية لابن الحاجب، 2: 414. (4) الرضي، شرح الرضي على الكافية لابن الحاجب، 2: 414. (5) ينظر: عبدالرحمن أيوب، دراسات نقدية في النحو العربي، 1: 73. (6) ينظر: إبراهيم السامرائي، الفعل زمانه وأبنيته، ص218. (7) داود عبده، أبحاث في اللغة العربية، مكتبة لبنان، 1973م، ص77.