قال ابن جني «فإن قلت: فأنت تعلم أن أصل (غازية) و(مَحْنِيَة): (غازِوَة) و(مَحْنِوَة) لأنهما من (غزوتُ) و(حنوتُ) وقد قلبت الواو فيهما للكسرة قبلها، وهما مع ذلك متحركتان. وكذلك (داعِيَة) و(قاصِيَة) و(عافِيَة) و(راجِيَة) لأن الأصل (داعِوَة) و(قاصِوَة) و(عافِوَة) و(راجِوَة) لأنها من (دعوت) و(قصوت) و(عفوت) و(رجوت). فالجواب: أنه إنما أعل ذلك وإن كان متحركًا من قبل أنه لام الفعل، فضعف، وأما الفاء والعين فقويتان، فسلمتا لقوتهما»(1). ولعل من المفيد القول إن الإعلال في هذه المؤنثات تابع للإعلال في المذكرات منها، فاسم الفاعل من غزا هو في الأصل (غازِوْ) سكنت الواو بعد كسرة فماثلت الكسرة (غازِيْ)، أي صارت الواو الساكنة ياءًا ساكنة غير مديّة، والمؤنث منه بإضافة علامة التأنيث، الفتحة والتاء (غازِيْ+َة) ) (غازِيَة)، وميزانها (فاعِلَة). وأما (غازِيْ) فبالإعراب تصبح ياؤه بين حركتين قصيرتين (غازِيُ/ غازِيِ/ غازِيَ)، ويرى الأصواتيون أن الياء تسقط من المثال الأول المرفوع (غازِيُ) بعد تماثل حركتيه بأن تكون الضمة كسرة (غازِيِ) مثل المجرور وتتحد الكسرتان في المثالين المرفوع والمجرور مؤلفتين كسرة طويلة (غ -َ -َ ز -ِ -ِ)، ثم إن نُوِّنَ الاسم انتهى بمقطع طويل مقفل، وهذا يوجب تقصير المقطع الطويل المغلق: (غ -َ -َ ز -ِ -ِ ن) ) (غ -َ -َ ز -ِ ن)= غازٍ وأما أنا فلي قول يختلف عن قول الأصواتيين اختلافًا يسيرًا وهو أن الياء بحركتها حذفت ثم مطلت الكسرة التي قبلها: غ -َ -َ ز -ِ ي -ُ ) غ -َ -َ ز -ِ? ) غ -َ -َ ز -ِ -ِ أما الاسم المنصوب فتصح ياؤه (غازِيًا). نخلص من هذا إلى أن اللام تحذف في حالتي الرفع والجر، فوزن (غازٍ) في: جاء غازٍ فاتح، ومررت بغازٍ فاتح هو (فاعٍ)، وأما (غازيًا) في: رأيت غازيًا فاتحًا فوزنه (فاعِلًا). وكذلك (غازِيَة) على وزن (فاعِلَة). وكنت ذهبت مذهبًا آخر في كتاب (الإبدال إلى الهمزة وأحرف العلة)، وهو مذهب لا يخلو من التعسف، وأنا أرجع عنه إلى ما حررته في السطور السابقة، وكنت قلت «ولسنا مع ابن جني في تفسيره. وما نراه هو أن التأنيث فرع على التذكير بلاصقة التأنيث وهي (الفتحة+التاء)، وينشأ من ذلك تجاور حركة طويلة هي الياء وحركة قصيرة هي الفتحة، فيفصل بينهما بالياء (للوقاية) وتقصر الكسرة الطويلة: غازي + َة: غ -َ -َ ز -ِ -ِ -ُ ة ) غ -َ -َ ز -ِ -ِ ي -ُ ة ) غ -َ -َ ز -ِ ي -َ ة»(2). فالقول بأن تاء التأنيث ألصقت قبل حركات الإعراب التي تسبب الثقل المؤدي إلى حذف الياء هو أولى وأوضح، وأبعد عن تكلف الزعم بإقحام ياء للوقاية .................. (1) أبوالفتح عثمان بن جني، سر صناعة الإعراب، 2: 236. (2) أبوأوس إبراهيم الشمسان، الإبدال إلى الهمزة وأحرف العلة في ضوء كتاب سرّ صناعة الإعراب لابن جنّي، 85-86.